“وثائق باندورا”.. هذه الولاية الأمريكية أصبحت ملجأً لمليارات الدولارات المشبوهة

وطن- سمعنا هذا الأسبوع عن تسريبات تسمّى “أوراق باندورا”، وهي تسريب هائل لبيانات سريّة حول الأنشطة المالية غير المشروعة للأثرياء بشكل فاحش من 200 دولة.

وفي الأيام القادمة، سنسمع المزيد عن التهرب الضريبي لأصحاب المليارات، وسنَكتشف بمرور الوقت، المزيد من الطرق التي أصبحت بموجبها ولايات أمريكية، مثل داكوتا الجنوبية، وفلوريدا، ملاذات ضريبية.

وفي هذا السياق قال موقع “استراتيخيا” اللاتيني، في تقريره الذي ترجمته صحيفة “وطن”، أنه على الرغم من انتشار جائحة كوفيد-19 في العالم وتداعياتها الاقتصادية، إلا أن إجمالي  ثروة  400 أمريكي زادت بنسبة 40 بالمئة العام الماضي، علما وأنه نفس الوباء الذي دمر ملايين الأشخاص في هذا البلد وبقية العالم على حد سواء، ورفع في ذات الوقت، مقدار  إجمالي ثروة هؤلاء الأشخاص إلى 4.5 تريليون دولار، وفقًا لقائمة مجلة فوربس السنوية لأغنى 400 شخص في الولايات المتحدة.

من المعلوم، أنه لدخول هذه القائمة الحصرية لأغنى 400 شخص، مطلوب ثروة لا تقل عن 2.9 مليار دولار، ولهذا السبب تم الإستغناء عن أكثر من خمسين شخص من قائمة الأثرياء، من بينهم الرئيس السابق دونالد ترامب، ولأول مرة منذ 25 سنوات، أصبح غير مدرج في القائمة، حيث تقدر ثروته بـ 2.5 مليار دولار فقط (وفقد 600 مليون دولار).

وثائق باندورا وثروة الأثرياء

في سياق متصل، يعتبر تركيز الثروة، الواضح في قائمة فوربس هذه، هو جزء من أكبر تفاوت اقتصادي في تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1928، وهي قضية تقع في قلب الجدل السياسي والوطني والاجتماعي.

في المقابل، حقيقة أنهم أصبحوا أكثر ثراء من أي وقت مضى خلال الوباء، الذي كان له عواقب اقتصادية هائلة على الأغلبية في البلاد،  وهذا ما يؤَكده السناتور بيرني ساندرز والمثقفون مثل نعوم تشومسكي و كورنيل ويست و روبرت رايش، حيث انتشرت ظاهرة  “الأوليغارشية” في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تسبب الوباء في الولايات المتحدة، في مزيد من الفقر والجوع، وارتفاع مستويات البطالة بشكل كبير.

ومن الواضح أن العديد من هؤلاء الشخصيات، لم يدفعوا إلا ضرائب ضئيلة أو ربما  لم يدفعوا أي ضرائب فيدرالية مقابل أعمالهم التجارية، إلى درجة أنهم أصبحوا لا يحتاجون إلى الخدمات اللازمة لإخفاء ثرواتهم في حسابات وكيانات خارجية وفقا لأوراق باندورا.

في هذا الخصوص، أشار غابرييل زوكمان، الخبير الاقتصادي، إلى أنه “عندما تكون ضريبة الولايات المتحدة متدرجة للغاية، تنمو ضعف ما هي عليه الآن”. وأكد أيضا “أن الأغنياء لا يرغبون في تعزيز النمو، على غرار النهوض  بسياسات التعليم وتحسين البنى التحتية”.

جمع الضرائب

وتابع “لهذا السبب نريد جمع الضرائب، لأنها تساعد في تحمل تكاليف برامج النمو والتطور”. مشيرا إلى أن عدم المساواة ليس نتيجة حتمية للعولمة والتكنولوجيا.

وبالتالي أصبحت الأطر المالية العامة متراجعة للغاية، علما وأن أغنى  400 ثري يدفع ضرائب أقل من الطبقات المتوسطة والفقيرة، بعد الإصلاح الضريبي الذي أجراه دونالد ترامب، حيث ألغيت  الضرائب على الثروة، كما انخفضت الضرائب على رأس المال وأرباح الأسهم والشركات.

بل على العكس من ذلك، فإن الضرائب المفروضة على الفقراء والطبقات المتوسطة آخذة في الارتفاع، حيث يتم الإبقاء على ضرائب المساهمات والدخل، وهو الحد الأقصى للأغنياء، كما تم رفع ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة لا تساوي شيئا بالنسبة لشخص مليونير.

الأغنياء يتهربون من الضرائب

جيف بيزوس، مؤسس أمازون، يحتل للعام الرابع على التوالي المركز الأول في قائمة فوربس لأغنى الأمريكيين، بثروة شخصية قدرها 201 مليار دولار (زوجته السابقة الآن ماكنزي سكوت في المرتبة 15 مع 58.5 مليار). يليه إيلون ماسك مؤسس شركة  تسلا بثروة تقدر بـ 190.5 مليار، والثالث هو مارك زوكربيرج مالك  فيسبوك، الذي تقدر ثروته  بـ134.5 مليار.

أما بيل غايتس، أصبح في المركز الرابع بثروة تقدر ب 134 مليار (زوجته السابقة ميليندا فرينش جيتس في المرتبة 158 برصيد 6.3 مليار). واحتل مؤسسو Google ولاري بيدج وسيرجي برين المركزين التاليين، ومن بين أغنى 20 شخصا أيضًا مايكل بلومبرغ، وفي الأماكن 11 و 12 و 13 هم أفراد من عائلة والتون، مالكي وول مارت.

تسريبات باندورا

لقد كشفت تقارير باندورا، وهي مشروع تحقيق صحفي تابع للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، عن عملاء و متواطئين في اقتصاد دولي سري للأثرياء وأساليبهم في العمل، إلا أن ما يثير الدهشة، عدم وجود العديد من الأغنياء الأميركيين المتهربين من الضرائب.

وفقًا لمنظمة ProPublica، وهي منظمة صحافة استقصائية، إنهم لا يحتاجون إلى إخفاء ثرواتهم، لأنهم بموجب قوانين بلادهم ونظامها الضريبي يتجنبون قانونيا دفع الضرائب، مثل بيزوس وماسك، وبلومبرغ، الذين لا يدفعون تقريبا ضرائب فيدرالية على دخلهم.

كما تظهر الوثائق الرسمية أن الأغنياء، من الناحية القانونية، يتمكنون من دفع جزء ضئيل فقط من ضرائب النمو مقابل مئات الملايين، بل وحتى المليارات من أرباحهم وثرواتهم.

هذا ووجد تحليل ProPublica أن معدل الضريبة الحقيقي على زيادة الثروة كل عام لأغنى 25 أمريكيًا هو 3.4 بالمئة فقط، في المقابل، يكون  متوسط ​​معدل الضريبة على الأسرة 14 بالمئة، إذا كان لديهم دخل أعلى من 628300 دولار سنويا.

من جانبه، قال جيسي إيزنجر، محرر ProPublica ، لبرنَامج توداي على بي بي سي، “”لقد فوجئنا تمامًا أنه يمكنك خفض الضرائب إلى الصفر، إذا كنت مليارديرًا. وفي الواقع، تبين أنه يمكن للأثرياء التحايل على النظام بطريقة قانونية تمامًا”.

وأضاف، “لديهم قدرة هائلة على إيجاد الخصومات، والعثور على الائتمانات واستغلال الثغرات في النظام. على الرغم من أن قيمة ثروتهم تنمو بشكل هائل لأنهم يمتلكون أسهما في شركاتهم الخاصة وتستمر هذه الأسهم في الارتفاع في سوق الأوراق المالية، إلا أن ذلك لا يُسجل كدَخل. إنهم يشترون أصولًا، و يمتلكون العقارات، أو يرثون ثروة، ثم يقترضون مقابل ثروتهم”.

وأكد “بما أنهم لا يحققون أرباحا أو يبيعون أسهمًا، فإنهم لا يتلقون دخلا واضحا، وهذا هو ما يمكن أن يجعلهم بالأساس يخضعون للضريبة”.

كما وجدت ProPublica، أن أكثر من نصف أغنى مائة أميركي يستخدمون صناديق الائتمان لتجنب دفع الضرائب عند تحويل ثرواتهم إلى وَرثتهم. ومن بين أولئك الذين يستخدمون هذه الآليات الخاصة، بلومبيرغ، والإخوة كوخ، بالإضافة الى أرملة مؤسس أبل، وهذه السياسات، تؤدي جميعها إلى خسارة الخزائن العامة الأمريكية، لمئات المليارات.

وفي الحقيقة إن الأثرياء في الولايات المتحدة الأميركية،  يعيشون بالفعل، كما يقول ديفيد بروكس، في ملاذ ضريبي ولا يحتاجون إلى الذهاب إلى الخارج، أو تهريب الأموال إلى شركات خارج الحدود. ومع هذا الكشف الصحفي يصبح من الصعب على نحو متزايد، التظاهر بأن الأغنياء في أميركا يعيشون بنفس القواعد التي يعيشها الآخرون.

ملك الأردن
ملك الأردن

يعتبر “الاقتصاد السري” للشركات الوهمية وصناديق الثقة، في الملاذات الضريبية من الأعمال التجارية الدولية المربحة، وهي موجهة بغرض مساعدة الأثرياء على التهرب من الضرائب أكثر قدر ممكن أو التحقيقات الجنائية أو غسل الأموال، أو لمجرد إخفاء أصولهم.

ومن بين ما كشفت عنه أوراق باندورا، من الواضح أن الولايات المتحدة أصبحت واحدة من أكبر الملاذات الضريبية على هذا الكوكب، لكن الأمر الأقل إثارة للدهشة هو أن الشركات والأمريكيين الأثرياء، بما في ذلك العديد منهم قيد الاشتباه أو التحقيق الجنائي، المتهمين بسلوك مشبوه وجرائم وانتهاكات إنسانية في الخارج، يواصلون إخفاء ثرواتهم في الملاذات الضريبية في الخارج.

كما تكشف تسريبات باندورا، عن تحوّل الولايات المتحدة إلى مقصد للثروة العالمية، والتصوّر الخاطئ لدى الأمريكيين بأنّ التهرب الضريبي يجري خارج الولاية القضائية الأمريكية. لكنّ التسريبات تظهر أنّ الولايات المتحدة، وولايات مثل داكوتا الجنوبية، باتت تنافس الملاذات المعروفة في أوروبا ومنطقة البحر الكاريبي.

بالإضافة إلى ذلك، كشفت التسريبات أنّ ولاية داكوتا الجنوبية الأمريكية هي ملجأ لمليارات الدولارات من الثروات المرتبطة بأشخاص ارتكبوا جرائم مالية من قبل، ومتهمون بخروقَات عمّالية جسيمة.

ومنهم زعيم تجارة البرتقال البرازيلية هورست هابيل الذي تمّ تغريمه 88 مليون دولار في 2016 بسبب عدم دفع أجور موظفيه. في 2017 نقل هورست ثروته بجزئها الأكبر إلى داكوتا الجنوبية. ونائب الرئيس الدومينكاني السابق الذي يملك شركة سكر متهمة بارتكاب خروقات لحقوق الإنسان، تمّ إنشاء شركة وهمية في البهاماس، ثم تمّ نقل الشركة إلى داكوتا الجنوبية بسبب ضرائبها المنخفضة وصناديقها الاستثمارية

المجال المالي السري

يدعي ديفيد بروكس أن أحد اللاعبين الدوليين الرئيسيين في هذا المجال المالي السري هو أكبر شركة محاماة في أمريكا، بيكر ماكنزي، التي تشمل  4700 محامٍ في 46 دولة. يُذكر أن كريستين لاغارد، الرئيس الحالي للبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي سابقا، كانت محامية ومديرة تنفيذية للشركة في مكاتب باريس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

هذا وتشير أوراق باندورا، أنه عندما يسعى المليارديرات والشركات متعددة الجنسيات  إلى إخفاء الثروة وتجنب الضرائب، فإنهم كثيرًا ما يلجأون إلى مكتب  محاماة بيكر ماكنز، وهو مهندس وعمود اقتصاد الظل، كما يُطلق عليه في الخارج والذي يساعد الأثرياء على الهروب من الضرائب أمور عديدة اخرى.

لقد ساعد بيكر ماكنزي، في إنشاء شركات وهمية في قبرص لصالح شركة RJR Nabisco العملاقة متعددة الجنسيات، وتحويل مليارات من أرباح Facebook إلى حسابات في أيرلندا بمعدلات ضريبية منخفضة، وساعد على إخفاء  أرباح Nike  في الحسابات الهولندية. وساعد العديد من عملائه،  المتورطين في الفساد السياسي والاحتيال التجاري وآخرين مرتبطين بالأنظمة الاستبدادية.

من جانبه، علق تشاك كولينز، منسق مشروع عدم المساواة الاقتصادية في معهد الدراسات السياسية في واشنطن، والذي قدم النصح للصحفيين في باندورا، قائلا “يجب علينا جميعًا هنا في أمريكا أن نشعر بالخجل التام لأننا أصبحنا نقطة جذب للثروات الكليبتوقراطية. كما ينبغي على السياسيين في الولايات المتحدة،  إغلاق نظام الثروة الخفي هذا، على الرغم من أننا نعلم جيدا أنهم جزء مهم من هذه الشبكة.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث