وطن- بعد عامين من الحراك الشعبي في العراق، لا يرى الشباب أي بوادر للتغيير، ناهيك أن النشطاء الذين روجوا للاحتجاجات أصبحوا الآن منقسمون تزامنا مع الانتخابات البرلمان المقررة غداً الأحد.
وقالت صحيفة “الباييس” الإسبانية، في التقرير الذي ترجمته “وطن”، إن القوات الخاصة العراقية، سيطرت بشكل كلي على ساحة التحرير ببغداد، حيث أن وجودهم يمنع تكرار المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، التي سبق ووضعت قبل عامين فقط، الطبقة السياسية تحت السيطرة وأجبرت حكومة حيدر العبادي على الاستقالة.
في الحقيقة، لقد تركت تلك التعبئة الشعبية مذاقا مريرا في نفوس العراقيين.
الانتخابات التشريعية في العراق
ورغم أنهم حققوا التقدم الانتخابي الذي طلبوه (هناك انتخابات تشريعية يوم الأحد)، إلا أن اليوم يشك الكثيرون في إمكانية إصلاح النظام، خاصة بعد انقسام الناشطين قبل الانتخابات. حسب ترجمة صحيفة “وطن”.
ويظهر الإحباط بشكل خاص بين الشباب، الذين كانوا شريان الحياة والشعلة الأولى لاندلاع الاحتجاجات.
في هذا السياق، قالت سارة كريدي البالغة من العمر 26 عامًا، والتي تدرس ماجستير في الكيمياء في جامعة بغداد ولا تخطط للتصويت في الانتخابات، “لم نحصل على أي شيء بعد تلك الاحتجاجات، لقد تظاهرنا لأننا كنا غاضبين، لكننا تمكنا فقط من الإطاحة بالحكومة، و ساهمنا في أن يتقاعد أعضائهم متحصلين على معاشات تقاعدية رائعة”.
ويعكس حرم جامعة بغداد في حي الجادرية، (أرقى أحياء بغداد) اضمحلال بلد، كان يعتبر مهد الحضارات.
لقد ظلت الجامعة، التي صممها برجها والتر غروبيوس عام 1957، على ما هي عليه من قبل، ليس بسبب عدم تَحسين مبانيها أو إهمال حدائقها، وإنما بسبب نقص المختبرات والمواد والمراجع الببليوغرافية، التي يندد بها الطلاب منذ وقت طويل.
وفي هذا الخصوص، أكدت هند، أخصائية في علم الأحياء البالغة من العمر 27 عامًا، “هدفي هو إنهاء الدكتوراه ثم الهجرة، هذا هو السبيل الوحيد لتقديم حياة كريمة لأولادي”. في الواقع، إنها فكرة منتشر كثيرا بين الشباب علما وأن (ثلثا الـ 41.5 مليون عراقي دون سن الثلاثين).
ارتفاع البطالة وقلة فرص العمل
يُذكر أن الافتقار إلى فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة، إلى جانب هشاشة الخدمات العامة الأساسية (مياه الشرب، والكهرباء، والصرف الصحي) والفساد، أدى في تشرين الأول / أكتوبر 2019، إلى نزول عشرات الآلاف من العراقيين إلى الشوارع في بغداد ومدن أخرى، لا سيما في الوسط وجنوب البلاد.
وعلى الرغم من الاختلافات الاجتماعية والأيديولوجية، وافق المتظاهرون على إدانة النظام السياسي، الذي تقلد منصب السلطة عام 2003 بعد تدخل الولايات المتحدة وسقوط دكتاتورية صدام حسين.
وفي محاولة لإرضاء جميع الطوائف العرقية والدينية، تم توزيع السلطة، بطريقة عززت الطائفية والمحسوبية على جميع مستويات الدولة.
في سياق متصل، تركت هذه الصورة العراق بلا معارضة، وبمجرد تشكيل الحكومة، تحصلت كل المجموعات السياسية على حوافز و تجاهلوا المطالب الشعبية الأساسية.
وبالإضافة إلى حالة البلاد الراهنة، التي تستوجب إصلاحات اقتصادية مكلفة ومهمة، لا أحد من السياسيين يطمح لتغييرها، ناهيك أنه لا أحد أيضا يريد أن يبادر بالإصلاحات على غرار، إصلاح دعم الطاقة أو تَرشيد قطاع الدولة.
منذ عام 2003، استخدم السياسيون المحسوبية من خلال إسناد الوظائف العامة لإرضاء مؤيديهم.
وعلى الرغم من أن النفط مصدر أساسي وحصري للدخل، حيث يمثل (97 بالمئة من الميزانية)، إلا أن الدولة لا تستطيع تلبية تطلعات السكان الذين، بمعدل النمو الحالي البالغ 2.6 بالمئة سنويًا، سيتضاعف عددهم بحلول عام 2050 ليصل إلى 80 مليون ساكن عراقي.
جدير بالذكر أن الزعماء الذين انبَثقوا من الحركة الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول، قادرين على أن يكون الوجوه المعارضة البناءة. بيد أنهم أبدوا انقساما واضحا الآن تزامنا مع الانتخابات التشريعية.
ويعزز جزء كبير منهم فكرة الامتناع عن التصويت بوصفه السبيل الوحيد لهز أسس نظام يعتبرونه غير قادر على التجديد. علاوة على ذلك، لم يتمكن الذين احتجوا سابقا، من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن منهاج عمل مشترك.
الاحتجاجات لم تكن عديمة الجدوى
من جهتها، قالت أميرة الجابر، إحدى المرشحات المستقلين، التي تعتقد أن الاحتجاجات لم تكن عديمة الجدوى، لصحيفة “الباييس”، “لقد كانت الاحتجاجات سببا، لإيقاف الانجراف الديكتاتوري لقادتنا وساعد الشباب على الانخراط في المجتمع والسياسة. لم يكن لدينا بديل سوى الخروج إلى الشوارع للدفاع عن حقوقنا”.
وذكرت الجابر (42 عاما) أن الضغط نجح في قلب نظام الحكم، وأن قانون الانتخابات تم تعديله لتسهيل انتخاب المستقلين ضد سلطة الأحزاب.
ومع ذلك، فإن الأحزاب التقليدية، المدعومة من قبل الميليشيات القوية، تقاوم عملية التغيير. على الرغم من قبولهم للقانون الجديد وحتى أنهم أضافوا وجوها شابة إلى قوائمهم، إلا أنهم يواصلون العمل بنفس العقلية التقليدية.
ولا تتوقف شكاوى ترهيب المرشحين المستقلين (انسحب العديد منهم بسبب الضغط)، ناهيك أنهم اشتروا (إن لم يكن مجرد تخصيص) بطَاقات الاقتراع.
وكانت الجابر نفسها ضحية محاولة اغتيال في يناير الماضي، لم يتم التعرف على مرتكبيها إلى حد الآن، لكنها تتعلق بانتقادها لهيمنة الجماعات المسلحة.
بالعودة إلى ساحة التحرير، حل الزحام المروري محل المظاهرات الصاخبة التي ملأت الميدان لعدة أشهر. لم يعد هناك متطوعون يوزعون أقنعة الغاز المسيل للدموع أو أدوات صحية لمعالجة المصابين من عبوات الدخان والرصاص المطاطي، التي تطلقها الشرطة، ظاهريا، عادت المنطقة إلى طبيعتها.
كما أن الحديث عن الاحتجاجات أصبح من المحرمات. وقال عدد من التجار في حضور الصحفي “لا نريد مشاكل مع الميليشيات”. بالإضافة إلى أنهم يؤكدون أنهم لن يصوتوا في الانتخابات لأنه “لا فائدة من ذلك”.
الخوف من الميليشيات
إن ترهيب المليشيات يحول دون تحقيق التغيير أو حتى المطالبة به، وهذا ما جعل الكثير من الناس لا يريدون حتى الحديث عن الاحتجاجات. في المقابل، يشعر محمد ناصر (21 عاما) ومصطفى رعد (22 عاما) وهما طالبان جامعيان شاركا في الاحتجاجات “منذ البداية” أنهما لم يغيّيرا من الواقع شيئا.
وقالوا بخيبة أمل أن “الأحزاب السياسية تسللت إلى الميدان وقوّاتهم المسلحة قمعَتنا باستخدام العنف”.
ضحايا المليشيات الشيعية في العراق
في المقابل، اعترفت مفوضية حقوق الإنسان العراقية بمقتل 543 شخصا في احتجاجات فبراير من العام الماضي، 276 منهم في بغداد و 22 آخرين في عمليات قتل مستهدفة.
ويقول النشطاء إن هذه الأحداث استمرت منذ ذلك الحين دون أن تتخذ السلطات أي إجراء. وهم يلقون باللوم على الجماعات المسلحة الموالية لإيران، والتي تمثل جزء من قوات الحشد الشعبي التي ساعدت في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.