هذا ما فعلته تركيا عند حدودها مع إيران لجعلها “غير قابلة للاختراق” ومنع تدفق المهاجرين الأفغان

By Published On: 11 أكتوبر، 2021

شارك الموضوع:

قالت صحيفة “بوبليكو” الإسبانية في تقرير لها إن تركيا تسعى ببنائها لجدار خرساني على طول الحدود التركية الإيرانية، إلى الحد من التدفق الهائل للمهاجرين الفارين من أفغانستان منذ سقوط كابول، علما وأن المُهاجرون الذين ينجحون في العبور يواجهون الترحيل القسري.

ويشير التقرير إلى أنه في ضواحي مدينة فان التركية، بين المنازل الحجرية الصغيرة والمساكن المتواضعة، يوجد حقل واسع من الأشواك الجافة. يظهر بين شجيراته العارية، بقايا ملابس وحقائب الظهر تعودوا لمهاجرين مروا من هذا المكان.

وفي الجزء السفلي من هذا الموقع، يستقر واد صغير جاف الآن، يتجمع فيه حوالي 15 شابا في مجموعات مختلفة حول النيران بحثا عن الدفء.

 

اقرأ أيضاً:

“الكونفيدينسيال” الإسبانية: تركيا تسعى للجلوس على طاولة الجغرافيا السياسية لعش الدبابير

 

ووفقا لترجمة “وطن”، فقد صرخ العديد منهم أثناء وجود صحفي: “لا تلتقط الصور، في كل مرة تأتي الصحافة في اليوم التالي تصل الشرطة وعلينا الاختباء”.

عاش هؤلاء المهاجرون، ومعظمهم من أفغانستان وباكستان، هناك لمدة 20 يومًا تقريبًا. تظهر على بعضهم علامات عنف جسدي، شفاه مكسورة وحروق جلدية.

يقول أحدهم “على الحدود كسرت الشرطة التركية هواتفنا وضربتنا، تمكن العديد منا من الهرب وركضنا لمدة ساعتين حتى وصلنا إلى هنا.”

هذا المهاجر الذي أسميناه سعيد (اسم مستعار)، فتى أفغاني يبلغ من العمر 22 عامًا، كان يرتدي ضمادة طبية على ساقه اليسرى. لقد عبر من إيران سيرًا على الأقدام مع مجموعة متكونة من 100 مهاجر آخر، عبر الجبال الوعرة زاغروس ( ثاني أعلى سلسلة جبلية في إيران).

معظم الذين يأتون إلى تركيا لا يريدون البقاء في البلاد خوفا من الترحيل. يوضح سعيد: “نريد فقط أن نعمل، نحتاج للوصول إلى أوروبا”.

من جهته، يقول حبيب البالغ من العمر 35 عاما، والذي عمل لمدة عامين كمترجم فوري للقوات الأمريكية في أفغانستان. “لقد هربت خوفا من طالبان، يقتلون كل من تعاون مع الأمريكيين”.

اللاجئين في تركيا

اللاجئين في تركيا

 

وبعد ترك عائلته في أفغانستان، دفع 1500 دولار للوصول إلى فان في تركيا. ويضيف “كان لدي 350 دولارًا كنت أنوي دفعها لشخص آخر ليأخذني إلى أنقرة، لكن الجندرمة (الدرك التركي) أخذها مني. لا بد لي من الوصول إلى السفارة الأمريكية.”

في الحقيقة، لتجنب اكتشاف الشرطة لمكانهم، يلجأ العديد من المهاجرين إلى المهربين، الذين يستخدمون طرقا خطرة في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، في مقبرة سيرانتيبي، يوجد  شواهد قبور لمُهاجرين مجهولين لقوا حتفهم أثناء عبورهم الحدود بين تركيا وإيران.

في هذا الصدد، يوضح محمد كاراتاس، رئيس جمعية حقوق الإنسان في فان: “في الشتاء الماضي، تم العثور على عدة جثث مدفونة تحت الجليد بالقرب من مدينة تشالدران”. وأضاف “عادة ما يواجه المهرّبون والمهاجرين سويا حوادث كثيرة وخطيرة بسبب الظروف البيئية وغيرها”.

وبحسب البيانات التي قدمتها محافظة فان الحدودية، فقد تم حتى الآن هذا العام اعتقال 1262 مهربًا في تلك المحافظة وحدها، معظمهم من الأتراك.

ومنذ الشهر الماضي، بدأ خفر السواحل التركي القيام بدوريات في بحيرة فان، والتي تستخدم أحيانًا لنقل المهاجرين لتجنب نقاط التفتيش البرية. في العام الماضي، لقي 60 مهاجرا، معظمهم من الأفغان، حتفهم في غرق سفينة أثناء عبورهم البحيرة في قارب صيد.

تركيا الدولة العازلة للاجئين

وتسبب تصاعد العنف في أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأمريكية في زيادة الخسائر المدنية بنسبة 47 بالمئة ونزوح آلاف الأشخاص.

ووفقًا لبيانات وزارة الداخلية التركية، دخل حوالي 46 ألف مهاجر أفغاني غير شرعي إلى البلاد في العام الماضي. علما وأن تركيا تستضيف بالفعل أكبر عدد من اللاجئين في العالم، معظمهم من السوريين، البالغ عددهم 3.5 مليون سوري وحوالي 170 ألف أفغاني مسجل رسميا، لكن قد يكون عدد المهاجرين الفعليين أكبر من ذلك بكثير.

في سياق متصل، يهدف بناء جدار خرساني على طول الحدود مع إيران إلى الحد من وصول المهاجرين الفارين من أفغانستان. يوضح حاكم المحافظة محمد أمين بيلمز، “في مقاطعة فان الحدودية، أكملنا بناء 15 كم من الجدار ونأمل أن نكمل 64 كم قبل نهاية العام”.

كما تم تكثيف بناء الكتل الخرسانية بارتفاع ثلاثة أمتار وعرض 2.80 متر في الأشهر الأخيرة من أجل جعل الحدود “غير قابلة للاختراق”. علاوة على ذلك، ضاعفت تركيا، في السنوات الثلاث الماضية، الأمن ونشرت تعزيزات إضافية من قوات الدرك والشرطة الخاصة على حدودها.

اللاجئين في تركيا

اللاجئين في تركيا

 

يقول أمين بيلمز، “منذ سقوط كابول، زارت العديد من وفود الاتحاد الأوروبي المنطقة وعرضت دعمها”. قام الاتحاد الأوروبي بتمويل بناء 103 من أبراج  التحكم المزودة بنظام رادار، بالإضافة الى الكاميرات الحرارية، التي أقيمت على طول الحدود في فان. “في العام الماضي وحده، أوقفنا 91 ألف محاولة لعبور الحدود بمساعدة طائراتنا بدون طيار وأنظمة الكاميرات الحرارية”.

من جانبها، أكدت منظمة حقوق الإنسان في فان، أن المساعدة الاقتصادية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي إلى تركيا لا تتعلق بالمخاوف الإنسانية، بل تتعلق بإبقاء اللاجئين خارج حدودها. وشددت المنظمة على أن “بناء الجدار لا يتعارض مع حقوق الإنسان فحسب، بل يؤكد ترجيح كفة المصالح، على حساب حياة المهاجرين”. طبقا لمحمد كاراتاس، في مناسبات عديدة يدفع المهربين لمسؤولي أمن الحدود للسماح لهم بالدخول.

مهاجرون في طي النسيان

تحتفظ تركيا، بحدود جغرافية طبقا لما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951، الذي يمكّن الأوروبيين فقط، الحصول على وضع اللاجئ في البلاد. أما في حالة اللاجئين السوريين، تطبق تركيا نظام حماية مؤقتا يمنح الوصول إلى بعض الحقوق والخدمات الأساسية. فضلا عن أنه ينبغي على المهاجرين الذين ليسوا أوروبيين ولا سوريين التقدم بطلب للحصول على وضع الحماية الدولية وانتظار دولة ثالثة لاستقبالهم.

في عام 2018، نقلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الصلاحيات إلى المديرية العامة لإدارة الهجرة، التي تعتمد على وزارة الداخلية التركية، لتحديد طلبات الحماية الدولية. خلال العام الأول وحده، انخفض عدد طلبات اللجوء التي تمت معالجتها وقبولها بنسبة 92.5 بالمئة.

في ذات السياق، يتسع مركز احتجاز كوروباس لـ 750 شخصا، على الرغم من أن منظمة حقوق الإنسان في فان، تقدر أن هناك أكثر من ألف شخص معتقل. المهاجرون الأفغان المعتقلون يدخلون هذه المرافق إلى أن يتم إيجاد حل لأوضاعهم.

دفعت فرح (اسم مستعار) لثلاثَة مهربين مختلفين ليأتوا من أفغانستان مع أطفالها السبعة بعد أن قتلت طالبان زوجها. الآن لم ترهم لمدة 40 يومًا، ولا تعرف متى ستتمكن من مقابلتهم مرة أخرى.

طالبان وداعش في أفغانستان

طالبان وداعش في أفغانستان

وبحسب كوما أوموركا، مدير إدارة الهجرة في مقاطعة فان، فإن آخر عمليات ترحيل للأفغان تمت قبل نحو عشرة أيام من سقوط كابول. ينص قانون الحماية الدولي التركي، على أنه في حالة احتجاز مهاجر، له الحق في التقدم بطلب للحصول على اللجوء ويجب على السلطات معالجته.

في هذا الصدد،  يقول محمود كاجان، المحامي المتخصص في قضايا اللاجئين واللجوء: “لم تتم معالجة أي من طلبات الأشخاص الموجودين في مركز الاحتجاز، وبالتالي سينتهي بهم الأمر بمواجهة عمليات الإعادة القسرية”.

كما يوضح، “لا يمكن لأي من المحتجزين الحصول على مساعدة قانونية،  قبل بضعة أسابيع أخبرتني منظمة غير حكومية، أن ثلاث فتيات أفغانيات مقيمات في مركز كوروباس، عندما قمت بالاتصال بالإدارة، نفوا بأن هؤلاء النسوة كانوا محتجزات هناك”.

من جانبه، أعلن الرئيس أردوغان أن تركيا ليست “مخزن اللاجئين” في أوروبا وحث دول الاتحاد على تحمل مسؤولية تدفق المهاجرين من أفغانستان.

تعتزم المفوضية الأوروبية تخصيص 3 مليارات يورو، لتمويل سياسة الهجرة في تركيا وتعزيز الرقابة على الحدود. ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحديث اتفاق 2016 المثير للجدل والذي وافق بموجبه على تخصيص 6 مليارات يورو للاجئين السوريين مقابل أن تكبح أنقرة تدفق الهجرة إلى أوروبا.

في المقابل، تستخدم المعارضة التركية أزمة اللاجئين، لانتقاد سياسات الرئيس أردوغان. علق حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، لافتة ضخمة في مقره كُتبت عليها “الحدود شرفنا”.

لقد أدى تدفق الهجرة الأخيرة من أفغانستان إلى زيادة خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي والمشاعر المعادية للاجئين في البلاد.

إن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تمر بها تركيا منذ عام 2018،  مع ارتفاع مستوى البطالة والتضخم، تعزز الإحباط المتزايد في المجتمع. ناهيك أن العديد من الأتراك يوجّهون علنا مشاعر عدم ثقتهم والعداء العلني، تجاه أكثر من 4 ملايين لاجئ يعيشون في البلاد.

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment