“تصادم طائفي مسلح على أبواب قصر العدل”.. لماذا يستميت حزب الله لعرقلة تحقيق انفجار مرفأ بيروت؟
شارك الموضوع:
أعادت الأحداث الخيرة المؤسفة في لبنان والتي كادت تتطور لحرب أهلية تسليط الضوء على جماعة حزب الله.
وسلطت وسائل إعلام الضوء على الدور الذي تخوضه الجماعة، وأعادت مشاهد تشييع حزب الله وحليفته حركة أمل أمس، الجمعة. سبعة قتلى، غالبيتهم من عناصرهما، سقطوا خلال اشتباكات عنيفة ذكرى سنوات الحرب الأهلية وأتت على وقع توتر سياسي مرتبط بمسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
وفي هذا السياق سلطت “إذاعة صوت ألمانيا” “DW”، في تقرير له الضوء، على تعقيدات المشهد القضائي والسياسي في لبنان في ما يتعلق بقضية الانفجار.
وحدث ما كان يخشى منه كثيرون على خلفية التدخلات السياسية في قضية انفجار مرفأ بيروت. حيث وقع التصادم الطائفي المسلّح على أبواب قصر العدل في العاصمة اللبنانية بيروت، في اشتباك بالرصاص الحي بين مسلّحين من “حزب الله” وحركة “أمل” من جهة ومسلّحين تابعين للقوات اللبنانية من جهة أخرى، امتد ليشمل مناطق محاذية وأسفر عن وقوع ستة قتلى واكثر من ثلاثين جريحاً.
اقرأ أيضاً: لبنان .. من هو طارق بيطار وكيف وصلت الانقسامات بشأنه إلى الاشتباكات؟
ويشير التقرير إلى أن ذلك حدث بعد تصعيد كلامي وإعلامي قام به الحزب عبر أمينه العام حسن نصرالله وعبر وسائل إعلامه ضد قاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار.
“واصلة معنا منك للمنخار”
وسبق هذه الحملة تهديد من مسؤول الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا نقله احد الاعلاميين إلى القاضي بيطار، ومفاده ان الحزب ضاق ذرعاً من أداء القاضي، و”واصلة معنا منك للمنخار”.
وذلك بعد ان قام بيطار باستدعاء مسؤولين رسميين بينهم رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ومدير عام الأمن العام عباس إبراهيم. ومدير عام أمن الدولة طوني صليبا، كما قام بتسطير مذكرات توقيف غيابية بحق كل من وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس، ووزير المال السابق علي حسن خليل، بعد تمنّعهما عن حضور التحقيق.
هذه الاستدعاءات اعتبرها “حزب الله” استهدافاً سياسياً له، ما دفعه إلى اتهام بيطار بأنه “منحاز ومسيّس” على لسان نصرالله. فاجتمع أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت على إثر خطاب نصرالله، قبل يوم واحد من اندلاع أعمال العنف.
وأصدروا بياناً أكدوا فيه أن “جريمة العصر يجب أن تخرج من التجاذبات الحزبية، الطائفية والمذهبية”، وأن الأهالي، كـ”أولياء دم”. يدعون مجلس الوزراء إلى “احترام فصل السلطات وبالتالي عدم التدخل في عمل المحقق العدلي طارق البيطار وعرقلة التحقيق”.
مما يخاف حزب الله ؟
ويليام نون، شقيق ضحية انفجار المرفأ جون نون، قال لـDW عربية بعد انتهاء الاجتماع، إنه يستغرب تصرّف “حزب الله” حيال القضية. في وقت أن “القاضي بيطار لم يتهم أحداً من حزب الله بالتورط في الانفجار”، بل استهدف مسؤولين رسميين في الدولة.
ويرى أن “حزب الله لو لم يكن متورطاً لما استُفِزّ إلى هذه الدرجة خصوصاً انه الأقوى في البلد وهو الذي يمتلك السلاح، فمم يخاف؟”.
كما يشير نون إلى وجود أكثر من عشرين عائلة من بيئة “حزب الله” بين أهالي الضحايا، وكانوا ممثلين في الاجتماع وهم يرفضون. أي تدخل في عمل القضاء من أي جهة كانت، و”كان هناك اتفاق بين الأهالي على عدم السماح لأي حسابات سياسية أو طائفية بالتدخل في قضيتهم”.
ما حدث في هذه القضية يفتح الباب لنقاش استقلالية القضاء في لبنان، وقدرته على العمل بعيداً من التدخلات السياسية. فالتحقيق بحسب أمين عام “حزب الله” مسيّس، ويستهدف فئة واحدة، ويغضّ الطرف عن مسؤولين آخرين غير محسوبين على فريقه السياسي، وبينهم قائد الجيش الحالي جوزاف عون ومسؤولي الاستخبارات العسكرية.
نون يردّ بأن أهالي ضحايا انفجار المرفأ لا يؤلّهون القاضي بيطار، وهم يطالبونه باستدعاء كل من تثبت علاقته بالجريمة من دون حسابات.
اقرأ أيضاً: لبنان على شفا حرب أهلية وسعد الحريري يخرج عن صمته:” اتقوا الله في بلدنا”
ولا يخفي نون أنه كان لا يثق بالقضاء اللبناني عموماً “لأنه كان دائماً مسيساً لصالح الجهة الأقوى في لبنان”.
وقد جاء بيطار، دائماً بحسب نون، وتجرأ على استدعاء النافذين وتسطير مذكرات توقيف في حقهم، وبرأي نون فإن “جرأة البيطار تطرد تهمة التسييس عنه لأنه يواجه السلطة السياسية التي لها سطوتها على القضاء”.
حسابات سياسية في لبنان
وكان هناك اتفاق بين الاهالي على عدم السماح لأي حسابات سياسية او طائفية بالتدخل في قضيتهم”. لكن الأحداث تسارعت بعد الاحداث الدموية التي شهدتها بيروت، وخرج فيديو للمتحدث باسم أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ابراهيم حطيط يطلب فيه من القاضي بيطار التنحي عن القضية متهماً التحقيق بانه مسيس.
وقال متوجها للبيطار: “نحن وضعنا دمنا عندك، ولكن ما حصل يشير إلى تسييس، ووصلت الأمور إلى إراقة دماء الأبرياء. لذا، نحن نطالبك بالتنحي لإفساح المجال أمام محقق عدلي آخر يكون أمينا على دمائنا”.
وأدان حطيط ما اسماه “التدخل الأمريكي السافر في القضية والتحقيق، فأمريكا لم تدعم يوما أي قضية إلا لمصالحها الخاصة، كما نرفض كل محاولات تدويل القضية، خاصة أننا في لبنان لدينا تجرية سيئة مع المحاكم الدولية”.
وتداول ناشطون الفيديو مستغربين من سرعة تغيير حطيط لآرائه تجاه بيطار، متسائلين عن امكانية تعرضه لتهديدات وضغوطات اجبرته تسجيل هذا الفيديو.
لكنه خرج في حديث اذاعي مؤكداً ان موقفه من المحقق العدلي طارق البيطار ليس مفبركاً او مركباً “وانا تحدثت بصفتي الشخصية وليس باسم اهالي ضحايا المرفأ، ولا احد طلب مني ان اقول ما قلته بل صدر مني عن قناعة”.
مطلوب موقف حاسم من الجهات القضائية حول ما يجري في لبنان
من جهته، يرى منسق اللجنة القانونية في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد المحامي جاد طعمة. أن الملف القضائي المرتبط بقضية انفجار المرفأ دفع بقاضيين استلما القضية حتى الآن، وهما فادي صوان الذي جرى عزله بضغط من السياسيين بتهمة “الارتياب المشروع”، والآن طارق البيطار.
“كلاهما وصل بتحقيقاته إلى استدعاء مسؤولين سياسيين بينهم رئيس حكومة ووزراء إلى التحقيق”. وهو ما يستند قانونياً إلى معطيات جدية داخل الملف بحسب طعمة، وأدى إلى شنّ حملة من السياسيين المتهمين والجهات الحزبية والطائفية التي تدعمهم ضد التحقيق.
ويستغرب طعمة في حديث مع DW عربية، عدم تعليق الجهات القضائية العليا على ما جرى تناقله عن زيارة مسؤول “حزب الله” . وفيق صفا إلى قصر العدل، و”هو حدث أمني وسياسي داخل العدلية وكان يستدعي موقفاً حاسماً. من الجهات القضائية تدين اي تدخل من هذا النوع في عمل القضاء”.
طارق بيطار
وتعرض بيطار لتهم بأنه “مرتهن للسفارة الأميركية والمجتمع الدولي”، وهي تهم يعتبر طعمة أنها وسيلة مكشوفة ومعهودة من الجهة. التي أطلقتها لشيطنة كل من تختلف معه في السياسة.
ومن الطبيعي بحسب طعمة أن يكون هناك اهتمام دولي بقضية انفجار مرفأ بيروت، لأنها ليست جريمة عادية بل انفجاراً استثنائياً. أدى إلى تدمير أجزاء واسعة من المدينة وقتل أكثر من مئتي ضحية وجرح وشرّد الآلاف، حسب كلام طعمة.
مبدأ فصل السلطات
هذا ويشرح الباحث والأستاذ في القانون العام علي مراد لـDW عربية. فالقضاء هو سلطة لتنفيذ القوانين. ويجب أن يكون مستقلاً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ومع أن القضاة يعيّنون من قبل السلطة التنفيذية، لكن هناك مبدأ مهم جداً هو “موجب الجحود” أو “موجب نكران الجميل” تجاه من عينوهم. ويستشهد مراد بخطاب للقاضي روبير بادانتير، الذي توجه إلى الرئيس فرانسوا ميتران بعد أن عيّنه رئيساً للمجلس الدستوري الفرنسي، بالقول “أشكرك يا صديقي على هذا التعيين لكن من الآن أنا مجبر أن اقطع علاقتي بك”.
ويرى مراد أن هذا المبدأ غير متحقق في لبنان لأسباب عديدة منها أن التشكيلات القضائية هي ورقة أساسية بيد السلطة التنفيذية ويد مجلس القضاء الأعلى. لمعاقبة أو مكافأة القضاة، وبالتالي فإن “القضاة الذين لا يتجاوبون مع طلبات السياسيين ولا يردون على الاتصالات الهاتفية يعاقبون بالتشكيلات القضائية، ما يضطر كثيرين منهم إلى تقديم تنازلات”.
مجلس القضاء الأعلى في لبنان
ومجلس القضاء الأعلى في لبنان مؤلف من عشرة قضاة، ثمانية منهم يعينون بمراسيم من مجلس الوزراء ووزارة العدل. واثنان فقط يُنتخبون من قبل رؤساء ومستشاري محكمة التمييز، و”هذا يجعل من المجلس المناط به مراقبة عمل القضاء غير مستقل بفعل آلية اختيار أعضائه من قبل السلطة السياسية. وخضوعها للعبة المحاصصة بين القوى السياسية والطائفية”، بحسب مراد.
وهو ما يدفع بالأطراف السياسيين إلى التدخل عبر مجلس الوزراء لعزل قضاة وتعيين آخرين، وهو ما يحاول “حزب الله” وحلفاؤه فعله مع القاضي بيطار مؤخراً.
وما يحدث مع القاضي بيطار، يدلّ بحسب مراد “على اندثار الدولة وغياب أي احترام للقضاء، والسياسيون في لبنان لا يريدون أن يخضعوا للمحاسبة”. وما فعله البيطار هو “استدعاء كل المسؤولين السياسيين والأمنيين الذين تلقوا مراسلات أو وثائق تثبت معرفتهم بتخزين نيترات الأمونيوم في المرفأ “.
وهذا بحسب مراد لا غبار عليه قانونياً، والسياسيون المدّعى عليهم مطالبون بالخضوع للقانون والتعاون مع القضاء و”لديهم قرينة البراءة وحقهم بالدفاع مكفول.