المغرب والجزائر .. صندوق باندورا من نوع خاص

لقد خفّض المغرب نبرته تجاه أوروبا ويسعى إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل وذلك للتركيز على الجزائر كخصم لم يستطع إلى الآن السيطرة عليه.

يقول موقع “ميدل إيست آي” في مقال للكاتب المغربي علي المرابط، ترجمته “وطن“، إنه ترددت شائعات عن أن النظام المغربي يعتزم تعطيل عمل سَفاراته في بعض الدول منها ألمانيا وإسبانيا وبروكسل (الاتحاد الأوروبي)، تاركا القائم بالأعمال فقط على رأس هذه التّمثيلات الدبلوماسية.

وبالتالي، سَيسعى المغرب إلى إظهار غضبه على المدى الطويل تجاه الدول التي لا تتماشى مواقفها الدبلوماسية مع ما يطمح إليه المغرب فيما يتعلق بالنزاع على الصحراء الغربية.

بطلان اتفاقية المغرب وأوروبا

على الرغم من أن الرباط، كان بإمكانه أن يستغل موقف عدم كسب المفوضية الأوروبية قضيتها ضد جبهة البوليساريو أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.

يُذكر أن محكمة العدل الأوروبية، أصدرت مؤخرًا حكمًا يعلن بطلان الاتفاقيتين الموقعة بين المغرب وأوروبا. والمتعلقة على وجه الخصوص بالزراعة وصيد الأسماك، طالما أن أراضي الصحراء الغربية مضمنة.

شعر المغرب بغضب عارم تجاه الجميع، وهذا ما حدث بالفعل لبضعة أشهر مع البلدان المذكورة أعلاه.

وحتى بشكل غير مباشر مع الإدارة الأمريكية الجديدة والمترددة في قراراتها، التي لم تؤكد أو تنكر إعلان دونالد ترامب الرئاسي الذي يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

هذا الأمر مقابل تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل.

لكن هذا الشجار تسبب في خسارة المغرب لوزنه أمام أوروبا، فقط من أجل التركيز على خصمه الجزائر، الذي لم يقدر إلى الآن السيطرة عليها.

وهكذا من خصم معلن، تتحول الجزائر كل يوم بسرعة فائقة، إلى عدو عميق للرباط.

ومن هنا جاءت حاجة المغرب للتكيف مع العصر وبذل الجهود لتتفوق بأي شكل من الأشكال على جارتها.

لذلك ستعمل المغرب، في الوقت الراهن على إصلاح الأمور حتى ولو بشكل سطحي مع الأوروبيين.

وستعمل على الانحناء للإدارة الأمريكية، في انتظار عودة دونالد ترامب المأمولة إلى البيت الأبيض، وبالطبع توطيد العلاقات أكثر قدر ممكن مع إسرائيل.

تغيير 180 درجة

بالنسبة للنظام العلوي، فإن إسرائيل تمثل طريق العبور للوصول إلى اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل في الكونغرس.

هذه الإستراتيجية، عبارة على تكتيك غير منطقي بالنسبة للبعض، خاصة في مواجهة المغرب الشاملة مع ألمانيا وإسبانيا.

في المقابل، لم يجنِ المغرب ثمار غضبه من الاتحاد الأوروبي كما أنه لم يلقَ تضامنا من الكونغرس الأمريكي.

علاوة على ذلك، لم تُظهر برلين أي حرص على اتباع نهج ترامب.

على العكس من ذلك تماما، تتعامل ألمانيا مع الشرعية الدولية لحل الصراع في الصحراء الغربية.

في ذات السياق، إذا كانت الدبلوماسية الألمانية مستعدة لحجز مكان صغير للمغرب في طاولة مفاوضات السلام بشأن ليبيا. فإنها لن تتدخل لإسكات صوت السلطات المغربية.

وذلك على غرار، اليوتيوبر محمد حاجب، لكن ذلك لا يمنع المغرب من القيام بمناورات كبرى مثل “إغلاق قناة الحاجب بشكل دائم” أو حمله على “التفاوض”، بحسب مصادر موثوقة.

في الواقع، كان هذا الأخير موضوع عدد لا حصر له من الشكاوى المباشرة من المخابرات المغربية، والتي تم رفضها جميعًا من قبل العدالة الألمانية، ما أثار غضب القصر الملكي.

وأشار الملك محمد السادس في خطابه الأخير إليه لكن بشكل غير مباشر وبدون الاستشهاد بألمانيا.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المغرب سوف تكتم غضبها إلى أن تستأنف العلاقات مع أوروبا مسارها الطبيعي دون أن يُنظر إليها على أنها هزيمة.

العلاقات المغربية الإسبانية

في سياق متصل، اضمحلت العلاقات المغربية الإسبانية، بعد أن استقبلت حكومة بيدرو سانشيز، زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي.

آنذاك قام الملك محمد السادس بإيماءة ملحوظة وغير متوقعة، تبيّن رفضه وبرُوده تجاه اسبانيا.

لكن في تمويه غير مسبوق، وبمناسبة العيد الوطني لملوك إسبانيا، أرسل العاهل المغربي رسالة تهنئة إلى ملوك إسبانيا.

وأعلن من خلالها، “ارتياحه الكبير لأواصر الصداقة المتينة التي توحد بين العائلتين الملكيتين والعلاقات المتميزة التي اتسمت بالتعاون المثمر والمتميز”.

بالإضافة إلى التقدير المتبادل القائم بين مملكتي المغرب وإسبانيا.

بل وتعهد “بالعمل على الارتقاء بها إلى مستوى تطلعات وطموحات الشعبين الصديقين”.

قد يبدو الأمر لوهلة وكأنه صيغة دبلوماسية تافهة، لكن هذه هي المرة الأولى منذ اندلاع الأزمة بين المغرب وإسبانيا التي يرسل فيها محمد السادس رسالة إلى فيليب السادس.

تخلل الرسالة عبارات تثير الاستغراب لها معاني على غرار، “رضى كبير” ، “روابط صداقة قوية” ، “علاقات متميزة” ، “تعاون مثمر” ، “احترام متبادل”.

يُذكر أن وزير الدولة (المصطفى الرميد) في ذروة أزمة سبتة في مايو الماضي، أعلن بصريح العبارة أن إسبانيا ستدفع “ثمناً باهظاً” لاستقبالها غالي.

إعطاء الأولوية لجهودها تجاه الجزائر

فيما يتعلق ببروكسل، من الواضح أن النظام العلوي فضل التواصل بعد الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية، بعد الصدمة التي أصابت رئيس المفوضية الأوروبية والنظام المغربي.

إن أولئك الذين توقعوا ردة فعل عنيفة من المغرب، لم يُخطئوا في تقديرهم البتة.

لكن ربما كان المغرب قد توقع هذه الكارثة.

والدليل هو أن البيان المشترك الذي أخذ علما بقرار المحكمة الأوروبية، الذي وقعه الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية جوزيب بوريل ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. وتم نشره بعد دقائق قليلة من إعلان حكم.

في هذا الصدد، إن معاملة البعض في المغرب لمحكمة العدل الأوروبية باعتبارها محكمة “أيديولوجية” أو “محكمة ابتدائية”، لا ينتقص من رغبة المغرب في التهدئة مع بروكسل شيئا.

فضلا عن ذلك، لن يتم قطع الجسور مع الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكبر للمغرب.

أخيرًا، فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن قبول المغرب لستافان دي ميستورا كمبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية.

بينما كان يعارضها (على عكس جبهة البوليساريو التي قبلته في 28 أبريل)، يعد بمثابة وسيلة للنظام لتجنب تسرع الإدارة الأمريكية لقراراتها.

مع العلم أن واشنطن هي من فرضت المبعوث الشخصي دي ميستورا.

المغرب تحاول تخليص نفسها

والجدير ذكره، أن كل إيماءات التهدئة من المغرب تجاه حلفائه الغربيين لها مغزى.

يبدو أنها تشير إلى أن المملكة، تسعى إلى تخليص نفسها من الجبهات المتعددة التي فتحتها على نفسها من أجل إعطاء الأولوية لجهودها تجاه الجزائر.

ويقول الكاتب: “مع كل الاحترام للمشككين، فإن اندلاع مواجهة مسلحة بين الجارتين المغربيتين ليس خيالا.

وزاد: “وربما كان من الممكن حدوث هذا قبل بضعة أشهر، لكن ليس هو الحال في الوقت الراهن”.

وتابع: في الحقيقة، لم يختر نظام محمد السادس إسرائيل لأسباب فلسفية من خلال الانخراط بحزم في تعاون عسكري عميق مع إسرائيل، تجاوز تطبيع العلاقات الدبلوماسية.

اقرأ أيضاً: “فايننشال تايمز” تحذر من سيناريو خطير حال خروج التوترات بين المغرب والجزائر عن السيطرة

كما يعد برنامج إنتاج الطائرات المسيرة الإسرائيلية في المغرب ومشاركة القوات المغربية في مناورات عسكرية على الأراضي الإسرائيلية في يوليو، تعبيرا عن تحالف استراتيجي بين البلدين.

إضافة إلى ذلك، ليس من المستحيل أن يكون المغرب قد وقّع اتفاقيات دفاع سرية مع إسرائيل، تحسبا لاضطراباتٍ قادمة.

لم تبقَ الجزائر مكتوفة الأيدي

قامت الجزائر بمناورات عسكرية بالقرب من الحدود المغربية في يناير الماضي، ومرة ​​أخرى في الآونة الأخيرة.

علاوة على ذلك، تم التصريح من قبل عناصر من القوات الخاصة في بداية أكتوبر للمشاركة في تدريبات عسكرية أخرى.

وهذه المرة مع الجيش الروسي الثامن والخمسين في أوسيتيا الجنوبية، وهي جمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لروسيا. وهذا بمثابة إشارات واضحة للرباط.

الرئيس الجزائري: مستعدون للحرب

وللتوضيح، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن بلاده مستعدة للحرب.

وفي مقابلة تلفزيونية يوم الأحد 10 أكتوبر / تشرين الأول، “إن أي دولة تهاجم الجزائر ستندم على الفور”.

كما شدد قائلا “إذا تبيّن أن هناك من يحفر للجزائر، أقسم بالله أن الحرب لن تنتهي أبدًا”. وهذا ما يفيد ضمنيا أن دولة تبون لم تتوجه بكلامها إلا إلى المغرب.

نوايا عبد المجيد تبون القتالية صارخة لدرجة أنه رفض أي وساطة بين بلاده وجارته في الغرب.

ويعتبر الكاتب “المرابط” أنّه “عندما ترفض الوساطة، فهذا يعني عادة أنك تبحث عن القتال أو مستعد لذلك”.

علاقات معلقة

وعلى الرغم من أن العلاقات بين المغرب والجزائر، انهارت دبلوماسيا بسبب نزاع الصحراء الغربية، لكن ضمنيا العلاقات معلقة منذ أكثر من 40 عامًا.

في الحقيقة، إن إدخال طرف ثالث مثل إسرائيل، في هذه المواجهة الصارمة مع شمال إفريقيا يخلّ بالتوازن وتوازن القوى في المنطقة.

وعليه، ربما تدعو الجزائر طرفا رابعا في هذا الصراع المحفوف بالمخاطر، مثل روسيا وهي موردها الرئيسي للأسلحة بدون منازع.

وإذا تصاعدت الأمور إلى أقصى حدودها، يمكن للجزائر أن تذهب إلى أبعد من ذلك من خلال دعوة إيران أيضًا.

وعندما نقول إيران نقول حزب الله، فزّاعتان مثاليتان كافيتان، لتثير مخاوف وتوتر المغاربة والإسرائيليين.

لا توازن

ومن الواضح -بحسب الكاتب- أن هذه الدوامة الكبرى لا تساعد في تحقيق توازن شؤون دول المنطقة.

ناهيك أن إسبانيا تخشى بعض الاضطرابات في إمدادات الغاز الجزائرية.

أما فرنسا، التي تتطلع بالفعل بارتياب إلى “صعود روسيا في شرق البحر المتوسط”، تخاف من إمكانية فرض هذا الواقع، تعايشها مع وجود بوتين في مكان ليس بعيدًا جدًا عن سواحلها على البحر الأبيض المتوسط.

وقد يظل سيناريو الكارثة هذا محصورا في لعبة رعب وإثارة الخوف، لكن الشعور السائد هو أنه سيكون من الصعب إغلاق صندوق باندورا من نوع خاص.

«تابع آخر الأخبار عبر: Google news» 

«وشاهد كل جديد عبر قناتنا في  YOUTUBE»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى