بات قرار المملكة العربية السعودية الأخير، بحظر الواردات من لبنان، أحدث ضربة ساحقة لاقتصاد بيروت المنهك بالفعل، والذي من المقرر أن يخسر 250 مليون دولار من العائدات إذا لم يتم إصلاح العلاقات بسبب الخلاف الدبلوماسي الذي اندلع الأسبوع الماضي.
وتأتي هذه الخطوة في تحرك من السعودية ضد تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، التي وصف فيها التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن بـ “العبثي”. واعتبرت الرياض تصريحات قرداحي إهانة لها.
يمثل قرار المملكة بمعاقبة لبنان دبلوماسياً ومالياً وفق موقع “ميدل إيست آي” البريطاني الضربة الرابعة للاقتصاد اللبناني في العامين الماضيين.
ويعاني اقتصاد لبنان بالفعل من أزمة مالية أدت إلى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية بأكثر من 90 في المائة. جراء عدة أحداث أبرزها انفجار ميناء بيروت في أغسطس 2020، وأزمة كورونا التي طالت آثارها العالم بأسره.
وإذا حذت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى حذو الرياض، واتخذت خطوات عقابية أخرى بعد سحب السفراء، فقد يخسر لبنان أكثر من مليار دولار سنويًا في وقت لا يستطيع فيه تحمل انتكاسة أخرى.
هذا وقال “لوري هايتانيان” خبير الطاقة المقيم في بيروت، في تصريحات لموقع “Middle East Eye”: “البلد في وضع يحتاج فيه إلى كل دولار يأتي إليه. لبذل جهد للحفاظ على كل ما لديه وعدم التراجع”.
ووفقًا لأحدث الأرقام المتاحة، فقد استحوذت السعودية على 6.92 في المائة من صادرات لبنان في عام 2019، وذلك بقيمة 282 مليون دولار.
وتراوحت هذه السلع بين المجوهرات والشوكولاتة والأطعمة المصنعة والفواكه والخضروات.
الخليج سوق التصدر الوحيد أمام لبنان
وإذا اتبعت الإمارات، التي أغلقت سفارتها في بيروت وكذلك الكويت نفس خطوات السعودية، فإن التأثير على الاقتصاد اللبناني سيكون أكثر صعوبة.
حيث تستحوذ الإمارات على 15.2 في المائة من صادرات لبنان، بقيمة 619 مليون دولار.
أما الكويت فتستحوذ على 5.74 في المائة ، بقيمة 234 مليون دولار في عام 2019، بحسب مكتب تنمية الصادرات.
وفي المقابل، تبلغ حصة لبنان 0.16 في المائة فقط من صادرات المملكة العربية السعودية بقيمة 263 مليون دولار، ربعها من البتروكيماويات.
وحوالي 9 في المائة من واردات لبنان من الألبان والأجبان.
ويشار إلى أن السعودية هي سوق تصدير رئيسي لمنتجي الأغذية والزراعة اللبنانيين.
وتباع حوالي 100000 طن من الفواكه والخضروات إلى المملكة كل عام بقيمة 24 مليون دولار، وفقًا لجمعية مزارعي البقاع.
وفي أبريل، حظرت الرياض مؤقتًا استيراد الفاكهة والخضروات اللبنانية بعد اكتشاف 5.3 مليون حبة “كبتاغون” مخبأة في علب من الرمان في ميناء جدة.
هذا ولن يكون لبنان قادرًا على تحويل هذه الصادرات بسهولة إلى أسواق جديدة، بسبب عدم استيفاء منتجاته الزراعية لمعايير الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن عدم المنافسة السعرية مع الأسواق الأخرى.
“والخليج هو سوق التصدير الوحيد” المتاح أمام لبنان، بحسب سامي الحلبي، مدير المعرفة والمؤسس المشارك لشركة “Triangle Consulting” في بيروت.
وتابع الحلبي:”ليس هناك قدرة على التحول إلى الاتحاد الأوروبي أو آسيا أو شمال إفريقيا”.
عمليات حظر متعددة
كما تسبب الاستخدام غير المنظم للمبيدات على المنتجات اللبنانية في عمليات حظر متعددة من قبل دول الخليج في الماضي.
وعلى سبيل المثال ففي الأسبوع الماضي فقط، حظرت قطر استيراد الأعشاب اللبنانية بعد العثور على مستويات عالية من المبيدات.
وقد يعني حظر الاستيراد السعودي أيضًا خسارة محتملة لخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اللبنانية ومنصات التجارة الإلكترونية والبث المباشر.
وقال حلبي “هناك الكثير من المحتويات العربية الصادرة من لبنان موجهة إلى السوق الخليجية”.
اقرأ أيضاً: السعودية تنتقم لنفسها من جورج قرداحي من كلّ لبنان بقرارات “ثقيلة”
واضاف:”إذا قاموا بحظر عناوين IP اللبنانية (بروتوكول الإنترنت). فسيتعين على اللبنانيين لعب دور القط والفأر للالتفاف حول هذا الأمر.”
واستطرد:”لن يرغب الناس في الخليج في استخدام شبكة وكيل افتراضية للوصول إلى الأنظمة الأساسية اللبنانية. فهم يريدون التوصيل والتشغيل، لذا سيستخدمون مقدمي خدمة آخرين بدلاً من ذلك.”
تحويلات اللبنانيين من الخليج
وهناك ما يقدر بـ 350.000 إلى 400.000 مواطن لبناني يعيشون في دول مجلس التعاون الخليجي. غالبيتهم في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ولطالما كانت التحويلات من المغتربين جزءًا أساسيًا من الاقتصاد اللبناني.
اقرأ أيضاً: عبدالخالق عبدالله لـِ جورج قرداحي: “قبّح الله وجهك” .. ويطالب بإقالته!
حيث بلغت 7.3 مليار دولار في عام 2017 ، أو 12.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبنان.
وشكلت دول الخليج 43 في المائة من التحويلات إلى لبنان في ذلك العام.
حصار مشابه لحصار قطر
ولفت موقع “ميدل إيست آي” في تقريره إلى ما يطلق عليه “حصارًا” على لبنان من قبل الرياض يماثل حصار قطر 2017-2021. عندما زعمت الرياض أن الدوحة كانت تدعم “الجماعات الإرهابية” ، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين.
ويعتبر الكثيرون أن الأزمة الدبلوماسية الحالية هي محاولة للضغط على حزب الله اللبناني المدعوم من إيران.
رأى السعوديون فرصة لممارسة الضغط على حزب الله.
وقال حلبي “الأمر لا يتعلق كثيراً بما قاله قرداحي”.
اقرأ أيضاً: مي العيدان مهاجمةً: يجب طرد ابنة جورج قرداحي “الجاسوس” من mbc!
ليست هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها البلدان خلافًا.
منذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005، وحرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، ضعُف موقف المملكة العربية السعودية في لبنان.
وانعكس ذلك في انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر وتقليل النفوذ السياسي في التأثير على السياسة الداخلية.
ثورات الربيع العربي
وفي أعقاب ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، منعت المملكة العربية السعودية المواطنين من زيارة لبنان في عام 2012. تسبب ذلك في ضربة كبيرة لقطاع السياحة والتجزئة في البلاد.
في عام 2017، صرحت الرياض أن الحكومة اللبنانية، التي كانت تتمتع بأغلبية برلمانية مؤيدة لحزب الله، “أعلنت الحرب” على المملكة العربية السعودية.
وأجبرت الرياض رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، الحليف القديم للسعودية، على الاستقالة في ذلك العام خلال زيارة للمملكة الخليجية.
وإذا زاد الخليج من إحكام الخناق على بيروت في محاولة لفرض التغيير السياسي، فسوف يعاني الاقتصاد اللبناني بينما قد تزداد صعوبة حياة المغتربين اللبنانيين في دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا السياق قال “ثيودور كاراسيك”، كبير المستشارين في شركة جلف ستيت أناليتيكس الاستشارية في واشنطن العاصمة: “لم يعد لبنان يحتل المكانة الخاصة التي كان يحتلها في المنطقة من قبل”.
وتابع:”الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لم تعد بحاجة إلى مجموعات المهارات اللبنانية بعد الآن، حيث أنها تركز على الجنسيات الأخرى ومواطنيها” من خلال برامج التوطين.
وحذر “كاراسيك” في الوقت ذاته من أن “التوقعات المحلية هي أن لبنان يدخل في حالة طوارئ معقدة. قد لا ينتقل من الناحية الاقتصادية إلى الفصل 11 (قانون الإفلاس في الولايات المتحدة) ، ولكن مباشرة إلى الفصل 13 (التصفية)”.
«تابع آخر الأخبار عبر: Google news»
«وشاهد كل جديد عبر قناتنا في YOUTUBE»