“إيكونوميست”: المستبدون العرب يحبون كتابة الدساتير ثم يتجاهلونها .. قيس سعيد والسيسي نموذجا
شارك الموضوع:
سلطت مجلة “إيكونوميست” الأمريكية في تقرير لها الضوء على حكم من وصفتهم بـ”المستبدين العرب”، ضاربة المثل بما حدث في مصر وتونس على يد قيس سعيد، وعبدالفتاح السيسي.
حكام العرب المستبدين يعيشون دور الأوصياء على الدستور
وقالت المجلة في التقرير الذي ترجمته (وطن) إن الحكام العرب المستبدين يحبون كتابة الدساتير، لكنهم يتجاهلون ما بداخلهم ويحكمون بلادهم حسب أهوائهم. ويعيشون دور الأوصياء على تلك الدساتير حيث يعدلونها متى شاءوا بما يخدم أهوائهم.
وضرب التقرير مثالا على ذلك بما يحدث في تونس على يد الرئيس قيس سعيد. الذي كان يعتبر نفسه وصيا على الدستور ومنقذ للدولة قبل وصوله للحكم. لكنه سرعان ما انقلب على الدستور، واتخذ الكثير من الإجراءات التي وصفت بأنها غير دستورية.
وتمر تونس بأزمة كبيرة منذ شهر يوليو الماضي. عندما علق قيس سعيد، عمل البرلمان المنتخب وعطل الدستور. مخبرا ناخبيه في الوقت ذاته أن الديمقراطية التونسية قد انهارت. وصوّر نفسه على أنه نوع من “القرطاجيين سينسيناتوس” ودعا لإنقاذ الدولة في وقت حاجتها.
وانتقد تقرير “إيكونوميست” ما أعلنه قيس سعيد قبل أيام. عندما وعد بإجراء استحقاقين في عام 2022، الأول هو استفتاء دستوري في يوليو، والثاني انتخابات برلمانية في ديسمبر.
وقالت المجلة الأمريكية إن قيس سعيد كان يحلم دائمًا بإعادة تشكيل تونس كديمقراطية. لكنه سرعان ما أعطى لنفسه فقط القدرة على القيام بذلك. وهو نوع آخر من الاستبداد.
وأوضح التقرير: “بغض النظر عن مدى توجيه “سعيد” لتعديلاته الدستورية ومعاملته بشكل استبدادي في الأمر، فإن الإجراءات والتوجهات ككل تحتل مرتبة متدنية في قائمة أولوياتها”.
كما لفت التقرير إلى أن الناخبين التونسيين قلقون أكثر من ركود الاقتصاد. ومعدل البطالة الذي وصل إلى 18٪. فضلا عن تراكم الديون المتصاعدة التي تشكل الآن حوالي 88٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتهدد بدفع البلاد إلى الإفلاس.
واستشهد التقرير بمقولة لـ”توماس جيفرسون” حيث قال ذات مرة أنه على الدولة أن تعيد صياغة دستورها كل 19 عامًا. الحفاظ عليها لفترة أطول سيكون “عملاً من أعمال القوة”.
وتابعت المجلة بسخرية: “في العالم العربي يبدو أن 19 عامًا أصبحت أبدية. فمصر على دستورها الثالث منذ عقد وتونس ستنضم إليها قريبا. ومن المفترض أن تقوم كل من سوريا وليبيا بكتابة مواثيق جديدة”.
دستور جديد في مصر مفصل على مقاس السيسي
وقال التقرير أنه في أماكن أخرى تكون الدوافع أكثر تشاؤماً. فمثلا قررت مصر مثل تونس، كتابة دستور جديد بعد ثورة 2011، وبدأت لجنة من 100 عضو في صياغته في العام التالي.
وعلى الرغم من أن هذه اللجنة وعدت بالشفافية فقد تم إنجاز الكثير من أعمالها في الخفاء.
وقد يستمر الجدل حول الدستور لفترة أطول من الدستور نفسه. واستولى عبد الفتاح السيسي وهو جنرال بالجيش، على السلطة في عام 2013 بعد 6 أشهر فقط من اعتماد الدستور. وأشرفت القوات المسلحة بعدها على تعديلات الدستور.
اقرأ أيضا: موقع بريطاني يكشف تفاصيل حياة السيسي الفاخرة بينما يطالب المصريين بالتقشف
لكن خلال فترة ولايته الثانية كرئيس واجه السيسي مشكلة، فقد منعه الدستور من السعي لإعادة انتخابه. لكن نظامه وجد حلاً مبدعًا لهذه الأزمة حيث تم تمديد ولاية السيسي التي امتدت لأربع سنوات بأثر رجعي إلى ست سنوات.
وهذه التعديلات كانت استهزاء بالقانون الدستوري. ويمكن للسيسي بموجبها المطالبة بتفويض شعبي للحكم حتى عام 2030.
بشار الأسد
والأكثر سخرية في هذا الشأن ـ وفق التقرير ـ هو بشار الأسد الديكتاتور السوري. فمنذ عام 2019 تشرف الأمم المتحدة على لجنة معنية بصياغة دستور جديد لبلاده التي خربتها الحرب.
وتم اختيار أعضاء هذه اللجنة الـ 150 بالتساوي من قبل النظام والمعارضة والأمم المتحدة. واستغرق الأمر عامين من المشاحنات حتى يتفق الأعضاء على وجوب البدء في الكتابة.
وإذا خرجت وثيقة من هذه العملية، فلا أحد يتوقع أن يتبعها الأسد.
وبالنسبة لبشار تعتبر هذه اللجنة مجرد وسيلة للتظاهر بأنه جاد بشأن الإصلاح السياسي. وبالنسبة لخصومه إنها طريقة للتظاهر بأنها لا تزال ذات صلة.
وعندما تكرس الدساتير حقوق المواطنين يتم تجاهلها بشكل روتيني. فكما يضمن دستور مصر حرية التعبير، فإن هذا الأمر الذي لم يمنع القضاة من سجن عدد لا يحصى من منتقدي النظام.
وفي 20 ديسمبر الماضي. حكمت محكمة على اثنين من المدونين ومحامٍ بالسجن لمدة خمس سنوات بتهم لا معنى لها تتمثل في “نشر أخبار كاذبة”.
ميشل عون في لبنان
وتابع تقرير “الإيكونوميست”: “يبدو أن النخبة السياسية تعتقد أن الدساتير موجودة لحمايتها. خذ لبنان على سبيل المثال. حيث من المفترض أن يصوت المواطنون للبرلمان الجديد في مايو. تأتي الانتخابات وسط أزمة اقتصادية قاسية دفعت الكثير من السكان إلى الفقر.”
وأضاف: “هناك غضب واسع النطاق على الطبقة السياسية. حث النشطاء المغتربين على التسجيل. على أمل أن يشعر المغتربون بدرجة أقل من الولاء للأحزاب التقليدية. وقد سجل ما يقرب من 245 ألف لبناني في الخارج. مقارنة بـ 93 ألفًا في الانتخابات السابقة.”
ويخشى رئيس الجمهورية ميشال عون ـ وفق التقرير ـ أن يضر ذلك بالتيار الوطني الحر (الحزب المسيحي الذي أسسه).
اقرأ أيضا: “هتفوا ضد ميشيل عون هتافات نابية”.. “شاهد” ماذا حصل في طرابلس اللبنانية تزامناً مع حظر التجول!
وبموجب قانون الانتخاب الحالي يصوت الوافدون مثل أي لبناني آخر في مناطقهم الأصلية. وبدلاً من ذلك. سعى الحزب الحاكم إلى اقتطاع ستة مقاعد للمغتربين، وحصر أصواتهم في ركن صغير من البرلمان المؤلف من 128 عضوًا.
وعندما رفض المشرعون الاقتراح، لجأ ميشيل عون إلى المجلس الدستوري. بحجة أن النظام يحرم الشتات من حقه في التمثيل.
ليبيا نموذج آخر
واختتم التقرير بالإشارة إلى النموذج الليبي وقال: “ثم هناك ليبيا، التي أمضت معظم عام 2021 تناقش ما إذا كانت ستكتب دستورًا جديدًا أو تنتخب رئيسًا جديدًا أولاً. وحسمت الأخير. مع التصويت المقرر في 24 ديسمبر”.
وبعد شهور من الشكوك والجدل. تم تأجيل الانتخابات في اللحظة الأخيرة – ويرجع ذلك جزئيًا إلى صعوبة وجود قانون انتخابي مناسب بدون دستور.
وقالت “إيكونومسيت” معقبة: “وجود الكثير من المواثيق أمر سيء، ولكن ربما يكون عدم وجود أي مواثيق على الإطلاق أسوأ”.
(المصدر: إيكونوميست – ترجمة وطن)