هل يمكن أن تكون كازاخستان هدف روسيا القادم؟

نشر موقع “مودرن دبلوماسي” الأمريكي مقالًا للباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، جيمس دورسي، سلط الضوء من خلاله على جذور العلاقة بين روسيا وكازاخستان وهي علاقات مرشحة لتطورات خطيرة.

حسب ترجمة “وطن”، في الوقت الذي تحتشد فيه القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، فإن الأوكرانيون ليسوا وحدهم القلقين مما يخبئه لهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بل الكازاخستانيون بدورهم يشعرون بمثل هذا القلق.

في الوقت الحاضر، إن ما يقلق الكازاخستانيين ليست تحركات القوات الروسية الأخيرة. وإن ما تزعجهم هي سنوات من خطابات وتصريحات بوتين المتكررة. التي تركز على الجانب الأيديولوجي أكثر من التركيز على الجانب الأمني ​​للحشد ضد أوكرانيا والاعتداءات اللفظية على كازاخستان.

جذور الصراع الروسي الكازاخستاني

خلال مؤتمره الصحفي السنوي، استخدم بوتين سؤالاً غير ذي صلة طرحه تلفزيون كازاخستان الشهر الماضي ليُذكر مستمعيه بأن “كازاخستان دولة ناطقة بالروسية بالمعنى الكامل للكلمة.”

كانت إشارة بوتين إلى المتحدثين باللغة الروسية هي بمثابة رد لبعض النشطاء الكازاخستانيين الذين يضغطون من أجل أن تكون اللغة الروسية – الموروثة عن الفترة السوفياتية – في المركز الثاني كلغة أساسية للبلاد بعد اللغة الكازاخستانية.

من جهة، رفض القوميون الروس بشدة أي اقتراح لتغيير وضع اللغة الروسية في جمهورية آسيا الوسطى.

قال ألكسندر بوروداي، الزعيم الانفصالي السابق في دونيتسك الأوكرانية والذي أصبح عضوا في البرلمان الروسي “لسوء الحظ، في آسيا، فقط لغة السلطة الحاكمة هي المفهومة جيدًا. روسيا ليست مضطرة لإثبات قوتها. لكن عليها أن تظهر قدرتها على تطبيقها. الضعفاء لا يُحترمون. وكما قال ألكسندر الثالث. فإن حلفاء روسيا يمثلون جيشها وقواتها البحرية. ولسوء الحظ، ليس لدينا حلفاء طبيعيون آخرون.”

اقرأ أيضا: مفاجأة .. روسيا تطلب شراء طائرات بدون طيار تركية

قال الكاتب أن ملاحظات بورودي هي جزء من حرب كلامية متطورة. اتهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن مروجي حملة كراهية الأجانب كانت من وراء العديد من الهجمات التي استهدفت الناطقين باللغة الروسية في كازاخستان.

كيف يتصور الروس العلاقة مع كازاخستان ؟

تشترك كازاخستان مع روسيا في حدود طولها 6846 كيلومترًا، وهي ثاني أطول حدود برية في العالم. وتعيش بكازاخستان أقلية روسية تمثل 20 في المائة من مجموع السكان.

ردت داريغا نازاباييفا، عضوة البرلمان الكازاخستاني وابنة الرئيس الكازاخي السابق نور سلطان نزارباييف. والتي تربطه علاقة وثيقة ببوتين بأن “حالات كراهية الأجانب تحدث أحيانًا في روسيا أيضًا.”

وعبر بوتين عن صداقته مع نزارباييف عندما قام بإرسال أطباء لمعالجة الزعيم الكازاخستاني السابق بعد إصابته بفيروس كورونا.

المشاكل الروسية الكازاخستانية تطفو على السطح

بدأ الخوف من سياسة بوتين في كازاخستان قبل سبع سنوات. عندما سأل طالب الرئيس الروسي في مؤتمر صحفي بعد تسعة أشهر من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عما إذا كان مصير كازاخستان هو بدوره شبيه بمصير أوكرانيا.

مرددًا تصورًا واسع الانتشار بين الروس العرقيين بأن روسيا نشرت الحضارة بين الشعوب البدوية بآسيا الوسطى، أشار بوتين إلى أن نزارباييف، رئيس الحزب الشيوعي الكازاخستاني في الحقبة السوفيتية “قام بعمل فريد من نوعه: فقد أنشأ دولة على أرض حيث لم تكن هناك دولة قط. الكازاخستانيون لم يكن لديهم دولة خاصة بهم، وقد أنشأها.”

وأضاف بوتين بالقول إن عضوية كازاخستان في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي المكون من خمس دول، ما بعد الاتحاد السوفيتي “يساعدهم على البقاء ضمن ما يسمى” العالم الروسي الأكبر “. وهو جزء من الحضارة العالمية.”

بوتين يؤكد على الدور الحضاري الذي لعبته روسيا في تاريخ المنطقة

عند الحديث عن مفهوم العالم الروسي – وهي نسخة وقع تحديثها وتبنتها المصادر القديمة التي تعتبر أن العالم اليوناني والروماني والبيزنطي تمثل مجالات غير مرتبطة بحدود. وإنما تحددها تأثيرات ثقافية واقتصادية – أوضح بوتين وجهة نظره عن روسيا باعتبارها دولة حضارية أكثر من كونها دولة قومية.

تبنى بوتين هذا المفهوم لأول مرة حيث أخبر مؤتمر الشتات الروسي في عام 2001 أن “مفهوم العالم الروسي يمتد بعيدًا عن الحدود الجغرافية لروسيا وبعيدًا عن حدود العرق الروسي.”

تحلى القادة الكازاخستانيون بضبط النفس عندما قاموا بالرد على بوتين وجوقته اليمينية المتطرفة.

ففي مقال، دعا الرئيس الكازاخستاني، قاسم جومارت توكاييف، إلى إجراء تحقيق حول المتسبب في مجاعة أوائل ثلاثينيات القرن الماضي الناتجة عن التجميع القسري للأراضي في العهد السوفياتي وتوطين البدو. وقد تسببت هذه المجاعة في هلاك حوالي ثلث سكان كازاخستان.

كان رد توكاييف متناغما مع ما قاله سلفه، نزارباييف، عندما قام بالرد على رفض بوتين لتاريخ كازاخستان.

“لم تنشأ دولتنا من لا شيء”

سارع نزارباييف بالإعلان عن عزمه للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 550 لخانات كازاخستان التي يعود تاريخها إلى عام 1465 حيث قال نزارباييف في هذا السياق: “لم تنشأ دولتنا من لا شيء. يعود تاريخ دولة كازاخستان إلى تلك الأوقات”.

متابعا “ربما لم تكن دولة بالمفهوم الحالي لهذا المصطلح وفي الحدود الحالية.لكن المهم أن الأساس وُضع في ذلك الوقت، ونحن نمثل الشعب الذي يواصل الأعمال العظيمة لأسلافنا.”

وقد أكد الرئيس السابق هذه النقطة بعد شهرين قائلا بمناسبة إحياء عيد استقلال كازاخستان أن “الاستقلال تم الحصول عليه بشق الأنفس من قبل أجيال عديدة من أسلافنا، الذين دافعوا عن أرضنا المقدسة بالدم والعرق. إن الاستقلال هو القرار الثابت لكل مواطن للدفاع عن كازاخستان وطنه، ووطنه حتى آخر قطرة دم، كما علمنا ذلك أسلافنا الأبطال.”

كيف تلوح آفاق العلاقة المستقبلية بين روسيا وكازاخستان؟

يرى بعض المحللين أن نزارباييف البالغ من العمر 81 عامًا قد يكون الحاجز الأخير الذي يمنع المواجهة الروسية الكازاخستانية.

وأشارت صحيفة “نوفايا غازيتا” الاستقصائية الروسية إلى أن نسبة الروس في كازاخستان قد تراجعت مبينة أن “روسيا تتفهم ذلك. ولكن مزاجها لا يسمح لها بالتنازل بسهولة عن حق سكان مستعمرتها السابقة في العيش في البلد الذي يريدونه”.

وقد حصل محرر الصحيفة، ديمتري موراتوف. على جائزة نوبل للسلام لعام 2021 مع الصحفية الفلبينية ماريا ريسا.

كما تحدثت الصحيفة عن المحلل السياسي الكازاخستاني المعروف دوسيم ساتباييف وهو يصف العلاقة الروسية الكازاخستانية بأنها علاقة تشبه علاقة الزوج والزوجة قبل الطلاق “فهما يحاولان العيش معًا، لكن هناك مشاكل تلوح في الأفق. في المستقبل، قد يرغب أحدهما “بدء إجراءات الطلاق”. ربما بشكل سلمي أو ربما بمواجهة”.

(المصدر: مودرن دبلوماسي – ترجمة وطن)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى