كيف يمكن أن تتحول الاحتجاجات في كازاخستان إلى أزمة جيوسياسية؟!
شارك الموضوع:
نشر موقع “vox” الأمريكي مقال رأي للكاتب جين كيربي، سلط الضوء من خلاله على الاحتجاجات في كازاخستان مؤخرا في ظل التدخل الروسي معرجََا على خصوصية العلاقات الروسية الكازاخستانية وآفاق تطورها.
بعد أيام من المظاهرات في كازاخستان، لا يزال من الصعب فهم ما يحدث على الأرض بشكل واضح.
فقد بدأت الاحتجاجات بشكل سلمي في وقت سابق من هذا الأسبوع في بلدة Zhanaozen وهي مدينة في الجزء الغربي من كازاخستان.
وبعد أن رفعت الحكومة من سعر الوقود أدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات في هذه المدينة. كما شهدت مدن آخرى أحداث مماثلة بما في ذلك ألماتي، العاصمة السابقة.
من احتجاجات سلمية إلى فوضى
لكن منذ ذلك الحين، تحولت هذه الاحتجاجات السلمية إلى مشاهد فوضوية في جميع أنحاء كازاخستان. حيث اقتحم الناس المباني وشارك مثيرو الشغب في أعمال نهب وتخريب واسعة النطاق.
بناءً على طلب الرئيس قاسم جومارت توكاييف، أرسلت روسيا قوات للمساعدة في وضع حد للاحتجاجات. وأعلن توكاييف منذ ذلك الحين أنه سيعاقب جميع “المجرمين والقتلة.”
بالنسبة للكاتب لا يزال هناك الكثير من الغموض بشأن هذه الاحتجاجات خاصةً من المسؤول عن أعمال الشغب هذه. حيث أدى انقطاع الانترنت الذي فرضته الحكومة إلى حظر وسائل التواصل الاجتماعي والمستقلة إلى حد كبير. وهو ما سمح للرئيس توكاييف بسرد رواية عن الاحتجاجات، و التكهنات والفرضيات للتغطية عن الأحداث. وهي وضعية متفجرة زادت اشتعالا خاصة مع وصول القوات الروسية هناك.
التدخل الروسي
يمكن أن يحول التدخل الروسي أزمة كازاخستان الداخلية إلى أزمة جيوسياسية، في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توسيع نفوذه الإقليمي.
لكن يمكن هذا أن يضيف مظلمة أخرى إلى المظالم التي يعاني منها بالفعل الكازاخستانيون.
من جهته، قال بوتا جارديمالي، عضو حركة المعارضة الديمقراطية لكازاخستان، المصنفة كمجموعة متطرفة في 2018 من قبل حكومة كازاخستان “الاستبدادية” إن هذا يمكن أن يتحول إلى صراع بين الطرفين: أحدهما يطالب بإصلاحات ديمقراطية واقتصادية. والآخر من ناحية هدفه المحافظة على السلطة.
متحدثاً عن كازاخستان، قال جارديمالي، الذي حصل على حق اللجوء في بلجيكا “في الوقت الحاضر ما يحصل في كازاخستان. هو ذلك النوع من الكفاح من أجل استقلاله.”
يرى الكاتب أن جميع الخبراء الذين تحدث إليهم لا يعتقدون أن روسيا ستبقى في كازاخستان لفترة طويلة. على الرغم من أنها فرصة جاهزة أمامها لتذكير العالم بأنها مستعدة للتدخل في مجال نفوذها.
لكن حتى التدخل قصير الأمد سيكون له على الأرجح عواقب على روسيا والنظام في كازاخستان والشعب الكازاخستاني.
من جهتها، قالت ديانا كودايبيرجينوفا، الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع السياسي بجامعة كامبريدج: “هؤلاء الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج السلمي والتعبير عن آرائهم بشكل شرعي. أصبحوا ورقة لعب في إطار اللعبة الكبرى.”
تحولت احتجاجات التضامن في كازاخستان إلى شيء آخر لكن السؤال الكبير يبقى ماهو ذلك الشيء؟!.
اندلعت الاحتجاجات في زاناوزن بعد فترة وجيزة من إحياء المدينة للذكرى السنوية العاشرة لمظاهرة دموية سابقة.
في 16 ديسمبر 2011، أضرب عمال النفط في Zhanaozen احتجاجًا على الأجور وظروف العمل وقد قُوبل هذا الاضراب بقوة وحشية من قبل النظام الكازاخستاني.
وفي سنة 2022، يوم 2 كانون الثاني / يناير، بدأ الناس في الاحتجاج على ارتفاع أسعار غاز البترول المسيل.
ويأتي ذلك في أعقاب رفع نهاية الدعم، ولكن هذا يعني أن الأشخاص العاديين سيدفعون أكثر للتزود بالوقود.
القوة الاقتصادية والسياسية في أيدي أقلية
لا تفتقر الدولة الواقعة في آسيا الوسطى فعلا للثروات الطبيعية. ولكن في كازاخستان، تتركز القوة الاقتصادية والسياسية في أيدي أقلية تتمثل في العائلة الحاكمة والحلفاء المقربين من الرئيس السابق ظاهريًا نزارباييف، الذي، رغم بلوغه سن 81 عاما لا يزال يُنظر إليه إلى حد كبير على أنه الرجل الحقيقي المسؤول.
من جهتها، قالت أسيل توتوملو، الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية بجامعة الشرق الأدنى: “إن موجة الغضب موجهة ضد نزارباييف. وليست ضد توكاييف. ذلك أن الحاكم الفعلي مازال الرئيس القديم.”
ومن هتافات المحتجين في هذه المظاهرات: “أرحل، أيها الرجل العجوز!”.
اقرأ أيضاً: “ناشيونال إنترست”: هل يمنع اتصال بايدن وبوتين الحرب على أوكرانيا؟؟
كانت أسعار الغاز هي المحرك لهذه المظاهرات لكن الكازاخيين كانوا محبطين من الاقتصاد والحكومة الكليبتوقراطية التي استفادت بينما عانى الباقون. ث
م انظم السكان في جهات أخرى من كازاخستان إلى هذه الاحتجاجات.
في ظل توسع دائرة الاحتجاجات، اقتحم الناس المباني الحكومية وبحسب ما ورد أضرمت النيران في مكتب حكومي إقليمي تابع للحزب الحاكم.
كما وردت أنباء عن استيلاء المتظاهرين على مطار ألماتي ووقوع اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن. وأدت هذه الحوادث إلى مقتل عشرات من قوات الأمن، كما قتل وجرح العشرات من المتظاهرين. وتشير التقارير إلى اعتقال الآلاف من المواطنين.
تزامنت هذه المظاهرات مع تقارير تفيد عن انتشار أعمال تخريب بما في ذلك تحطيم نوافذ وإشعال النار في السيارات. إلى جانب نهب عديد الأماكن مثل ما حصل في ألماتي.
من وراء هذه الاحتجاجات؟
ولكن يصبح الأمر محيرًا هو من وراء هذه الأعمال. إن قلة المعلومات على الإنترنت ترك الكثير من الفجوات في المعلومة. لا يمثل المتظاهرون السلميون ولا المشاغبون مجموعات متجانسة.
كما يبدو أن الاحتجاجات السلمية تضم قادة معارضة من الحرس القديم وقادة شباب وآخرين يطالبون بالإصلاحات ويعارضون العنف.
لكن يختلط هؤلاء مع اللصوص والانتهازيين الذين ربما يستغلون الفوضى. جنبًا إلى جنب مع مثيري الشغب وقطاع الطرق والعصابات المنظمة. على الرغم من أن لا أحد يعرف من أين أتوا.
ومع ذلك، فقد سمحت هذه الفوضى لرئيس توكاييف باستمالة أغلب السكان مدعيا أن “عصابات من الإرهابيين” هي المسؤولة عن الاضطرابات.
لقد ألمح إلى مؤامرات: “هذه مجموعات منظمة، يساعدها التدريب والتمويل الأجنبي”.
وللتعامل معهم، سعى توكاييف للحصول على بعض المساعدة الخارجية من تلقاء نفسه. وهكذا تدخلت روسيا.
روسيا ترسل قواتها.. ثم ماذا؟
ناشد توكاييف قادة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي للمساعدة، وهي تحالف من بعض دول ما بعد الاتحاد السوفيتي.
وقد كان ردها على الفور بنشر ما يصل إلى 3000 جندي في كازاخستان وفقًا لوسائل الإعلام المحلية.
على الرغم من أن هذا تم من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي. إلا أن معظم القوات هي روسية وهي بالتالي شارة إلى المنطقة وخارجها بأن بوتين مستعد للتوسط للدفاع عما يعتبره مصالح روسية.
وتفيد التقارير أن القوات الروسية ساعدت على تأمين مطار ألماتي.
وقال توكاييف إن قوات الأمن تمكنت من اعادة السيطرة، رغم أنه قال يوم الجمعة إن هذه القوات يجب أن “تطلق النار دون سابق إنذار”.
كما شكر بوتين لإرسال قواته قائلا “لقد استجاب لندائي بسرعة كبيرة، والأهم من ذلك، بحرارة وبطريقة ودية.”
وقد يكون هناك سبب للعلاقات الودية بين بوتين وتوكاييف، فالتوقيت مناسبًا لكليهما. ذلك أن استدعاء الروس سمح لتوكاييف بالاستعانة بأطراف خارجية للقيام بهذا العمل “المشين” المتمثل في قمع التمرد.
ربما كان التوقيت مناسبًا جدًا لروسيا أيضًا. تتصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين حول الوضع في أوكرانيا.
من المفترض أن يتحدث المسؤولون الأمريكيون والروس عن هذه المسألة الأسبوع المقبل.
والآن، تأتي روسيا إلى طاولة المفاوضات بعد أن قامت باستعراض قوتها العسكرية.
حتى لو لم تكن اضطرابات الشوارع بالضبط على مستوى الغزو الكامل لأوكرانيا إلا أنه تذكير بأن موسكو مستعدة لنشر قواتها والدفاع عن مصالحها.
لكن كل شيء له محاذيره. كما قال بعض الخبراء، ربما يفضل بوتين عدم التعامل مع الاضطرابات المستمرة في كازاخستان، في بلده، خاصة عندما يكون له كم هائل من التحديات الأخرى، مثل أوكرانيا.
بقاء روسيا في ألماتي
وإذا استمر بقاء روسيا في ألماتي بشكل جيد بعد هدوء هذه الاحتجاجات. فلن يؤدي ذلك إلى إعاقة الكرملين فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى حدوث رد فعل عنيف في كازاخستان.
لم تتحصل كازاخستان على استقلالها إلا منذ عام 1991، وتبقى علاقتها بموسكو دائما حساسة جدا.
وقد أشار بوتين إلى كازاخستان على أنها “دولة مصطنعة” وقال الخبراء إنه كلما طالت مدة بقاء روسيا في كازاخستان، زاد خطر رد الفعل العكسي المحتمل، وربما المزيد من العنف.
العلاقة بين الحاكم والمحكوم في كازاخستان
يمكن أن يعني تدخل روسيا في كازاخستان سيكون مصحوبا بمشاكل بالنسبة لتوكاييف أيضًا.
لقد كان بالفعل توكاييف رئيسًا ضعيفًا – حتى الأشخاص الذين يحتجون عليه يعتقدون أن شخصًا آخر يقود البلد – واضطراره لطلب المساعدة من روسيا لا يقنع أي شخص بأن هذا الرئيس يسيطر بالفعل على الحكم.
أعاد توكاييف تشكيل حكومته هذا الأسبوع، وأقال نزارباييف من منصبه في مجلس الأمن القومي، ربما في محاولة لتهدئة المحتجين وربما كذلك لحمايته في نفس الوقت.
إلا أن دعوة توكاييف المستعجلة لروسيا تثير تساؤلات حول استقرار نظامه، وموقعه من القوى المتصارعة داخل السلطة.
لكن كل هذا يترك شعب كازاخستان في حيرة لفهم أحداث هذا الأسبوع، وماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبلهم.
وكان رئيسهم توكاييف قد وعد ببعض الإصلاحات، ويعتقد بعض الخبراء أنه بمجرد انتهاء أحداث العنف، قد يقوم توكاييف بعض التنازلات. أو يمكن أن يحصل العكس وذلك بشنه حملة اضطهاد ضد أولئك الذين يناضلون من أجل التغيير الديمقراطي والاقتصادي.
(المصدر: vox)