أعقبه صمت نهائي إلى قيام الساعة .. بيان أخير من سيد القمني قبل دخوله القبر بساعات
وطن – تحت عنوان “بيان أخير من سيد القمني قبل ذهابه للقبر بساعات”، نشر الكاتب والصحفي المصري طه خليفة. مقالا له بموقع “الجزيرة مباشر” سلط فيه الضوء على آخر تصريحات الكاتب المصري الراحل والمثير للجدل القمني، والتي أدلى بها في حواره مع إبراهيم عيسى على قناة “الحرة” في برنامجه “مختلف عليه”.
وقال خليفة إنه في يوم 6 فبراير 2022 الذي أعلن فيه عن وفاة سيد القمني، أذاعت قناة (الحرة) حوارًا معه، كانت قد سجلته معه قبل أيام قلائل من رحيله.
كما أشار إلى أن هذا كان آخر ظهور له في وسائل الإعلام، وكان آخر كلام يختم به حياته المثيرة للجدل. وكان مختلفا دونه بمؤلفاته، أو قاله في لقاءاته مع الجمهور، سواء مباشرة أو عبر الشاشات، لقاء جديد كاشف جاء قدرًا في هذا الوقت، يعقبه الصمت النهائي له إلى أن تقوم الساعة، حسب وصفه.
يهاجم الأنبياء بشكل صريح
وفي اللقاء مع الفضائية الأمريكية، قدم القمني بيانه الأخير عن أفكاره واقتناعاته ونهجه، بوضوح شديد، وإصرار أشد على مهاجمة الأديان. ومنها الإسلام وبشكل مكثف، ومهاجمة الرسل والأنبياء، ومنهم محمد صل الله عليه وسلم وبشكل صريح.
كما أعاد سيد القمني في هذا اللقاء ـ بحسب الكاتب ـ تأكيد اقتناعه بأن العلم والعقل والمنطق والفلاسفة والحكماء السبعة اليونانيين فوق كل شيء واعتبار عنده.
وعلق طه خليفة بأن هذه نظرة تتجاوز التنقيب في التراث. إلى التجرؤ الصريح على المقدسات، مما يعني اللادينية أو المادية أو الوجودية.
واستشهد الكاتب في مقاله ببعض مما ذكره القمني في حواره. الذي دخل به إلى قبره ومعه كل ما سبق من إنتاج خاص به ليكون بين يدي الله، وهو وحده يحاسبه بعدله المطلق.
مضيفا:”فليس لنا الحق في تقرير مصير أحد من البشر، مهما بدا متمردًا في أقواله وأفعاله.
ومما استشهد به خليفة هو قول القمني في حواره مع إبراهيم عيسى، إن فكرة الأديان خيالية، ولا داعي لها، وأن الأديان تأخذ من الأساطير والحضارات القديمة.
“الأديان تعاني من المشاكل”
وأضاف القمني وقتها أن الأديان الإبراهيمية الثلاثة (اليهودية، المسيحية، الإسلام) تعاني من مشاكل. منها طبيعة خلق الكون، أو فيزياء الكون، وكلام الأديان بشأن هذا الموضوع بدائي، والإسلام أخذ عن التوراة ما ورد فيها من هذا الحديث البدائي عن خلق الكون.
وأضاف أنه لا يتصور أن يتم التعامل مع الكون اليوم على أنه سماء لها أبواب ينزل منها المطر، وإلى آخره. مثل هذا الكلام لم يعد ينفع، لأنه خارج المنطق والعقل، ومأخوذ من الأساطير القديمة.
وقال القمني أيضا:”يجب وضع الدين على هامش حياة المجتمع، خاصة الإسلام، لأنه يستعصي على العلاج والإصلاح، بسبب الفقه ونظرياته.”
كما تطاول سيد القمني في حواره الأخير على نبي الله إبراهيم وزعم:”النبي إبراهيم له سقطة أخلاقية. فعندما ذهب إلى مصر القديمة للمرة الثانية في حياته طلب من سارة ألا تقول إنها زوجته، بل أخته، وقام بتزويجها للملك، ولما عرف الملك أو الفرعون أنها زوجته، وليست أخته، كما ادعى، تركها له، فأين منظومة القيم هنا؟!”
إفتراءات على النبي والصحابة
كما تطاول على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “قريش كانت تريد مَلكًا يقيم لها دولة مثل اليهود. وهذا الملك لا بد أن يكون في شكل نبي، وكان هو محمد الذي أعلن نفسه النبي المنتظر. وقريش في غزوة بدر كانت ذاهبة للمدينة للاحتفال، وليس الحرب. بعد فشل قطع الطريق على قافلتها من جانب المسلمين، ولهذا هُزمت، وأنا غير مهتم بمسألة وجود ملائكة حاربت بجانب المسلمين.”
بينما زعم القمني أن دخول الناس للإسلام، بعد مرحلة مكة، كان انتهازيًّا، بهدف حصول من يعلن إسلامه على مغانم الحرب.
وتابع افتراءاته على صحابة النبي:”سيرة خالد بن الوليد فيها مكاسب دنيوية وملذات جسدية.
وتعقيبا على تصريحات القمني تلك قال طه خليفة في مقاله، إن هذا الحديث الأخير يدلّ، لمن لم يقرأ كل ما كتبه القمني. أو لم يستمع إلى كل ما قاله، على نهجه وتوجهه، حيث يتجاوز هدف تنقية التراث والتجديد والتطوير في الأفكار، إلى التجرؤ الخشن على المقدسات نفسها. وهذا عمل لا يستهدف الإصلاح، إنما الهدم، ولا البناء، إنما التخريب.
وتابع:”أما أسلوبه في الحديث، وعرض ما يؤمن به، فهو غالبًا لم يكن يعكس عالمًا رصينًا. أو مفكرًا كبيرًا، أو باحثًا عميقًا. والمفكر هو الأسلوب، والتعبير برهان على تكوين العقل وطبيعة الشخص، ومخاطبة الجمهور مثل مرآة عاكسة للفكر المرتب المنظم الواثق من نفسه، ومن صحة اجتهاداته، ونبل رسالته.
وأوضح:”دور العالِم والمثقف أن يجذب المستمع والقارئ إليه، ويدفعه للاهتمام بما يقوله. لا أن يجعله ينفر منه، ويشكل رأيًا سلبيًّا فيه، وما لم تصل الرسالة إلى الجمهور الواسع، فلا فائدة من التحصيل العلمي، والمجهود الذي يبذله من يُفترض أنه يحمل رسالة حتى لو كانت معادية للثوابت المقدسة.”
القمني ورفاقه ظاهرة غوغائية
كما اعتبر الكاتب أن القمني، وآخرون في مصر، يمثلون عبئًا على الفكر النقدي للتراث، ومحاولة غربلته من كل ما يشد للوراء. أو يبقي على الجمود، هم ظاهرة ضجيجية أكثر منهم مدرسة علمية رصينة، وهم عبء كذلك على العلمانية. وتحرير العقل ويشوهون الدعاة الجادين المشغولين بالتجديد الحقيقي.
وتابع:”ومن حيث هم يرفعون شعار الحداثة، فإنهم يمثلون جانبًا من أزمة الحداثة والتجديد. حيث إن أسلوبهم وطريقتهم وضآلة التحصيل العلمي ومهاجمة كل ما له علاقة بالدين لا تجعلهم قادرين على خلق بيئة مواتية لهم، أو لفت انتباه الجمهور العام لهم.”
بينما لفت الكاتب إلى أن المفكرون في المغرب العربي. أكثر نضجًا وتطورًا وانفتاحًا وقبولًا لدى الجمهور العام، وهم يتجنبون الصدام مع العقيدة. وهم يحترمونها، ولا يتجرؤون عليها بعكس ما يحدث من بعض المفكرين في مصر، حيث إن لديهم مهارة كبيرة في الاستفزاز والاستعلاء، وتشكيك الناس فيما يؤمنون به.
وشدد طه خليفة في مقاله على أنه رغم كل هذه الضجة فإن تأثير سيد القمني وأمثاله بالمجتمع لا يكاد يذكر. ودلل على ذلك متسائلا: ماذا كان سيد القمني، وكل من سيأتون بعده، مقارنة بعتاة مشركي الجاهلية الذين لم ينجحوا في هز الدعوة حينما كانت وليدة وتضم أفرادًا قلائل. ومع هذا انتصرت عليهم تدريجيًّا.
وأضاف:”وبدأ العود يشتد وصار الإسلام ينتشر ويؤسس دولة قوية تقوم على العقل الرشيد والتفكير القويم والإيمان والأخلاق والمعاملات الحسنة. وأصبح يزيح كل الإمبراطوريات، ثم ينتشر بشكل واسع في مختلف أصقاع الأرض.”
المستشرقون يشككون بالإسلام
وتابع:”من هو سيد القمني بجانب طابور طويل من عتاة المستشرقين الذين بحثوا ونقبوا وقرؤوا وتفحصوا في الدين والقرآن والتراث. وقدموا أفكارًا وقراءات وكتبًا للتشكيك ثم زالوا وبقي الإسلام قويًّا جاذبًا للناس لأنه دين فطرة وحقيقة وعقل وحرية. والقرآن معجزة وإعجاز، وطوال أكثر من 1400 سنة لم يستطع أي كاره أو معاند أن يحاكي آية واحدة فيه.
وأشار “خليفة” أيضا إلى أن المشكلة ليست في سيد القمني، ولا غيره. ولا المستشرقين، فهؤلاء لا جمهور لهم، ولا أحد يتجاوب معهم. عندما يتجاوزون الثوابت المستقرة المتفق عليها ويتطاولون عليها، المشكلة عندنا نحن في البيت الإسلامي.
كما تابع:”المشكلة في كيف نحترم هذا الدين ونطبقه على الوجه الصحيح على أنفسنا أولًا في تعاملنا ومعاملاتنا؟ وكيف نقدم صورة أخرى للعالم عنه وعنا غير صورة بن لادن والظواهري والزرقاوي والبغدادي والقرشي والقاعدة وداعش وحركة الشباب وبوكو حرام. وغيرها من تنظيمات وجماعات التشدد والتطرف والإرهاب.”
بينما تساءل:”كيف نقدم صورة مغايرة لصور الاستبداد والقمع والحروب الأهلية والدماء والفقر والمجاعات والتشرد والتهجير والفساد في بلدان الإسلام. وأن نتوقف عن الحديث في فكرة المؤامرة الخارجية علينا، فنحن المتآمرون على أنفسنا. وهذا العنف والتخلف والجهل ينبع من بيئاتنا لأسباب سياسية اقتصادية اجتماعية فكرية ثقافية تراثية.
(المصدر: الجزيرة مباشر – متابعات)
إقرأ أيضا: