“وطن” تلتقي أول امرأة سورية تحصل على الدكتوراه في الفيزياء النووية د.فاطمة الحلموشي
شارك الموضوع:
وطن – في تاريخ سوريا القديم والمعاصر الكثير من النساء اللواتي رفضن أن يكن مجرد “تاء تأنيث ساكنة” أو ينزوين في زوايا الإهمال والنسيان بل تحولن إلى نموذج مثالي باهر للمرأة العصامية المكافحة القادرة على العطاء بلا حدود ومع ذكرى الاحتفال بيوم المرأة العالمي الذي يصادف، اليوم الثلاثاء (8 من آذار)، نستذكر واحدة من النساء السوريات والعربيات اللواتي تركن بصمة واضحة في العطاء والتميز العلمي والإنساني بأنبل معانيهما وهي الدكتورة “فاطمة الحلموشي” التي استطاعت خلال أكثر من أربعين عاماً من مسيرتها العلمية أن تثبت حضوراً وفعالية في ميدان علمي دقيق وحساس كان ولا يزال يحمل الكثير من الخطوط الحمراء وهو “الفيزياء النووية” وكانت أول امرأة سورية تحصل على درجة الدكتوراه في هذا العلم.
د. فاطمة الحلموشي تتحدث لـ”وطن”
حول بدايات مسيرتها العلمية وأسباب اختيارها لهذا الاختصاص الدقيق والمعقد (الفيزياء النووية) روت د. فاطمة الحلموشي لـ”وطن” أن نشأتها كانت وسط أسرة متواضعة تتألف من أربعة أبناء لأب مكافح وأم، كرست حياتها من أجل بيتها وأولادها.
وكانت الحلموشي –كما تقول- أول فتاة من عائلة أبي وأمي تدخل المدرسة الإعدادية؛ لأن هذا المجال كان حكراً على الأبناء الشباب دون الإناث وكان شقيقها الأكبر أول من دخل المدارس الثانوية في حمص.
وتابعت :”حينما كنت طفلة كان حلمي الأكبر أن أصبح معلمة أطفال في المدارس الابتدائية لكن والدي الرجل الأمي أحب العلم ودفع أولاده للتحصيل العلمي فالتحقت بالمدرسة الإعدادية بعد أن أنهيت المرحلة الابتدائية بتفوق وفي المرحلة الإعدادية كنت من بين العشرة الأوائل على المدينة في الشهادة الإعدادية (البروفيه). وهذا سمح لي أن انتقل إلى المرحلة الثانوية التي تفوقت فيها أيضاً. وكنت الثانية على بنات حمص. مما رفع من سقف طموحي وجعلني أحلم بدخول الجامعة التي لم تكن منتشرة آنذاك وهكذا دخلت جامعة دمشق وتخرجت بشهادة بكالوريوس من كلية العلوم فيها عام 1965.
ثم أوفدت الحلموشي إلى جامعة القاهرة لدراسة الفيزياء النووية فحصلت على الماجستير عام 1975. وعادت بعد سنوات إلى جامعة القاهرة لتحصل على درجة دكتوراه فلسفة في الفيزياء عام 1980. وبدأت العمل في الجامعات السورية منذ عام 1980 وإلى الآن حيث تنقلت بين جامعة حلب وحمص وغيرهما.
الفيزياء علم الطبيعة
وعن بداية اتجاهها إلى البحث العلمي أشارت الحلموشي إلى أنها بدأت الاهتمام بالبحث العلمي منذ سنوات حينما أوفدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية – جامعة فلوريدا الحكومية لإجراء بحث نظري في مجال الفيزياء النووية والنظرية.
وتضيف: “حينها سارت الأمور شكل مقبول وأقول مقبول لأنني دائماً اشعر بالطموح إلى الأحسن. ولا شك أن البحث العلمي هو الأداة الأساسية لتطوير أي مجتمع من المجتمعات من كافة النواحي. بدءاً من طريقة بناء منازلنا مروراً بوجبة الطعام التي نتناولها والرياضة التي نقوم بها وآلية عمل المصنع. نحن بحاجة للبحث في تاريخنا لنكتبه لأنفسنا . بحاجة للبحث في أزيائنا لنترك بصمات جميلة على أزياء العالم . البحث العلمي هو آلية علمية لبناء فكرة جديدة أو التحقق منها وهو ركيزة الإبداع الإنساني في مختلف ميادين الحياة”.
وحول دواعي اختيارها للفيزياء النووية هذا الاختصاص الحساس والمعقد بالذات أشارت الحلموشي إلى أن هذا الاختيار جاء نتيجة إيمانها بإمكانياتها الذاتية ورغبتها في النجاح والتميز. وبخاصة أن نشأتها كانت في جو ثقافته التعليمية بسيطة إن لم تكن معدومة.
وتابعت أن الجو الأسري ساهم في دفعها إلى ميدان التدريس في البداية وبإمكانياتي التي وهبها الله إياها وتمكنت من أن تصل إلى مدرجات الجامعة كطالبة أولاً ثم كمدرسة في وقت كانت فيه النساء المتعلمات قليلات إن لم نقل نادرات.
واستدركت أن اختيارها للفيزياء النووية جاء من كون الفيزياء هي علم الطبيعة ويعتمد هذا العلم على قوانين دقيقة وضعها الخالق لبناء الوجود المادي ومن خلال دراسة هذه القوانين نصل إلى كُنه تناغم هذا الكون ونقترب من أسراره. ولذلك أسرها هذا العلم بغموضه وعمقه، ثم أننا نعيش حالة حرب مع عدو شرس يمتلك كل وسائل الدمار وبهذا العلم صُنعت القنبلة الذرية. ولذلك لا بد أن نحصن أنفسنا وأن نتعلم كافة علوم الحياة لنكون في مأمن عما يواجهنا من أخطار ومشكلات.
اخترت الأصعب
وأردفت د.فاطمة أن هناك نوعان من النساء: النساء اللواتي يقبلن التحدي باستمرار وهذا النوع من النساء يستطيع أن يصل إلى أعلى المراكز وأن يخوض مجالات العلوم كافة وينجح فيها.
وهناك نوع آخر يفضل الحياة الهادئة والعيش في الظل فيختار المجالات البسيطة أو الأمور الأبسط دائماً. وكانت هي من النوع الأول.
ولا ترى الدكتورة فاطمة من فروق بين الرجل والمرأة في إمكانية التميز في مختلف المجالات الحياتية.
وتضيف أن المرأة السورية اقتحمت قبل سنوات الحرب كافة الميادين ولكنها وقفت تراجع نفسها وتعاين الطريق الذي سلكته. وأعتقد أن سبب ذلك هو سرعة دخول المرأة للعديد من المجالات. فالرجل لم يكن مهيئاً لتقبل وجود المرأة شريكة له في بعض الميادين .لقد نجحت جداً كمدرسة وطبيبة وصيدلانية ومهندسة (بعض ميادين الهندسة وفي بعض الحقول الميدانية). لكن هنالك مجالات أخرى أعتقد أن المرأة السورية بشكل خاص والعربية عموماً ما زالت بعيدة عنها وربما كان هذا أفضل لها وللمجتمع بأسره-حسب قولها-.
“هموم المرأة همومي”
وحول مشاركاتها العلمية في مؤتمرات وندوات خاصة بالمرأة من خلال عضويتها في منظمة العالم الثالث للنساء العلميات TWOWS وتفسيرها لذلك رغم كون اختصاصها في الفيزياء النووية لفتت الأكاديمية والباحثة المتحدرة من مدينة حمص إلى أن علم الفيزياء استهواها كإنسانة متعلمة لكن قبل هذا فهي –كما تقول- امرأة وهموم المرأة همومي وأحلامها هي أحلامي وما يشغلها يشغلني.
وتضيف: “من هنا جاء اهتمامي بكل ما يخص المرأة. وأرى أن النهضة الحقيقية ترتكز فيما ترتكز على استيعاب كل من الرجل والمرأة للدور الحقيقي الذي يمكن أن يلعبانه في المجالات كافة وأقول استيعاب الدور – لأنه كثيراً ما نسمع من يتحدث عن أن المرأة أخذت حقوقها، لكن هناك مرحلة أعمق من القانون هو أن يقر كل من المرأة والرجل ومن الأعماق أن للمرأة حقوقاً وأنها تمتلك قدرات في بعض الأحيان وفي بعض المجالات – قد تتفوق فيها على الرجل.
يذكر أن الدكتورة “فاطمة الحلموشي” شاركت في عدد كبير من المؤتمرات الإقليمية والدولية ومنها (المؤتمر الثاني لاستخدامات التقنيات النووية في الدراسات البيئية) – جامعة اليرموك – اربد الأردن 2002- و(مؤتمر استخدام تقنيات المعلوماتية في التدريس) الذي عقد في إسلام أباد – الباكستان خلال الفترة ما بين 18 – 19 /3/2002 .
إضافة إلى مشاركتها في ندوة بالمركز الدولي للفيزياء النظرية بإيطاليا حول فيزياء الطاقات العالية 1986. وورشة عمل إقليمية حول تدريس الفيزياء في الجامعات باستخدام الوسائل الحديثة في التدريس عقدت في جامعة السويس– الإسماعيلية 1-2/5/1999. وندوة حول (الفيزياء والاحتياجات المعاصرة) في الكلية الصيفية الثانية والعشرين لينتكالي – الباكستان.
كما أنها عضو لجنة البحوث والدراسات العليا في مجلس التعليم العالي. وعضو الأكاديمية العربية للعلوم. وعضو منظمة العالم الثالث للنساء العلميات TWOWS .
(المصدر: خاصّ وطن)
اقرأ أيضاً: