(وطن) تخترق ملف المفقودين بسوريا.. شهادات غريبة مضحكة وأخرى مؤلمة حد البكاء

وطن- “خرج ولم يعد” عبارة تحمل الكثير من الدلالات الرمزية والنفسية وتلخص على نحو كبير مشكلة اجتماعية بدأت تتفاقم مؤخراً في العديد من المدن السورية.

مشكلة المفقودين في سوريا

ونعني بها مشكلة المفقودين الذين تنتشر ملصقات الإعلان عنهم في مختلف شوارع المدينة وأمام مراكز الانطلاق وأبواب المساجد والملاعب حيث يكثر تواجد الناس، وعلى صفحات الجرائد السورية على شكل إعلانات مأجورة.

ويحفل مجتمع حمص بالكثير من القصص الأليمة والمحزنة عن مفقودين خرجوا ولم يعودوا، وآخرين أُعلن عن وفاتهم، وغيرهم ممن لم تُعرف مصائرهم، وتختلف قصص تغيب هؤلاء باختلاف أعمارهم وحالاتهم العقلية وظروفهم الاجتماعية والنفسية.

مع الإشارة إلى أن غياب الذكر ليس كغياب الأنثى بالنسبة للأسرة، حيث لا يتم تبليغ مركز الشرطة عن غياب الفتاة إلا بعد استنفاذ الوسائل الأخرى خوفاً على سمعة الفتاة والأسرة معاً.

ويمكن القول عموماً إن البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك تلعب دوراً كبيراً في دفعه للهروب من المنزل أوالتغيب عنه وبخاصة إذا كان هذا الشخص سوياً لا يعاني من أية إعاقة ذهنية أو جسدية.

وفي هذا التحقيق نتعرف على قصص بعض المفقودين وأسباب هذه المشكلة وانعكاساتها السلبية على الأسرة والمجتمع.

قصص بعض المفقودين

( غ ، أ ) صبية في الثامنة عشر من عمرها مصابة بمرض نفسي إثر صدمها من قبل سيارة طائشة عندما كانت في السادسة من عمرها، وبعد ثلاث أشهر في غرفة العناية المشددة استعادت وعيها.

لكن هذه الصدمة أفقدتها الإدراك، وبدأت تخرج من بيت ذويها باستمرار وتحت جنح الظلام أحيانا، ومنذ ثلاث سنوات ذهبت من مدينتها حمص إلى دمشق – 185 كم- وظلت تائهة هناك أكثر من عشرين يوماً.

حتى عثر عليها أهلها في أحد مخافر الشرطة علماً أنها لم تكن تحمل ما يثبت شخصيتها ، وهذا ما صعَّب مهمة التعرف عليها والاستدلال على ذويها.

وبعد هذه الحادثة أصبحت “غ ، أ ” شبه عادية ولم تعد تخرج من منزل ذويها أو تسبب المتاعب كما قال شقيقها “ع ، أ” لـ”وطن”.

“خبرني يا طير”

و” س . خ” شاب مصاب بمرض نفسي منذ ولادته خرج منذ سنوات من منزل ذويه في حمص فبدأوا رحلة البحث المضنية عنه في كل مكان – كما يقول خاله الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ”وطن”-.

وتم الإعلان عن فقدانه في برنامج “خبرني يا طير” الذي كان يُعرض على شاشة التلفزيون العربي السوري حينها، إلى جانب الإعلان عن فقدانه في كل أنحاء المدينة وبعض المدن المجاورة بمختلف الوسائل ولكن دون جدوى .

لوحة معدنية على الصدر

وبعد عامين من تغيبه صادفه في إحدى حدائق مدينة حماة القريبة من حمص شخص كان يعمل بستانياً في مزرعة أهله فقام بإبلاغنا، وعلمنا أنه كان يقطن لدى أسرة ميسورة الحال اهتمت به وبسلوكه وهندامه.

ولكي لا تتكرر تجربة ضياعه قام ذوو المفقود العائد بوضع لوحة معدنية على صدره وتم وشمه في ساعده الأيمن بعبارة تبين اسمه ورقم هاتف ذويه. ومنذ ذلك الحين لم يخرج من المنزل- كما يقول خال الشاب العائد- بل إنه اكتسب صفات جيدة في التعامل والسلوك لم يكن يعرفها من قبل.

ابتزاز بمليون ليرة

وإذا كان بطلا القصتين السابقتين خرجا من منزل ذويهما بلا وعي أو إدراك لخطورة هذا الأمر فإن “م ـ ع ” المقيم في إحدى ضواحي حمص افتعل التغيب عن منزل ذويه منذ أشهر بحجة اختطافه من قبل عصابة وبهدف ابتزاز أهله بمليون ليرة سورية.

وعندما كان أهله يحاولون الاتصال به لم يكن يرد عليهم أو كان يلجأ في بعض الأحيان إلى تغيير لهجته ورفع حدة صوته، باعتباره أحد أفراد العصابة الوهمية.

بينما كان يقضي أيام مسرحيته التي أتقن حبك فصولها في مدينة اللاذقية الساحلية، وإمعاناً بإيذاء نفسه قام بتشطيب يده اليمنى بشفرة للتأكيد على أنه تعرض للخطف والتعذيب أيضاً.

ولكن عملية الاختطاف المزعومة لم تكتمل فصولها، إذ استطاعت قوة من الأمن الجنائي الوصول إليه ومواجهته بالدلائل ومنها تذاكر السفر من حمص إلى اللاذقية ذهاباً وإياباً.

وبتدقيق المكالمات الصادرة والواردة إلى هاتفه الخلوي وقرائن أخرى تمت مواجهته بها انهار واعترف بالحقيقة كاملة، وأقر بأنه قام بهذه التمثيلية المفضوحة بغرض الحصول على مليون ليرة سورية دفعة واحدة من ذويه.

“اختطاف كاذب”

وفي قصة أخرى نشرت تفاصيلها صفحة وزارة داخلية النظام” على صفحتها في “فيسبوك” تقدم أحد الأشخاص بشكوى إلى مركز شرطة ضاحية 8 آذار في ناحية صحنايا بريف دمشق تفيد باختطاف ولده (محمود . ط) بعد خروجه من عمله واتصاله مع ذويه وإعلامهم أنه مخطوف من قبل عصابة ( مسلحة) سيتواصلون معهم من أجل طلب فدية.

وبعد إبلاغه من قبل ذويه أنهم قدموا بلاغاً بذلك عاد في اليوم التالي من تلقاء نفسه وادعى أن عصابة مؤلفة من أربعة أشخاص مسلحين ببنادق حربية. قاموا باختطافه إلى مكان مجهول على طريق المطار وتعذيبه وسلبه مبلغ ستمائة ألف ليرة سورية وإجباره على بيع آلة صناعية عائدة لوالده بقيمة خمسين مليون ليرة سورية بعد تركه في اليوم الثاني على طريق المطار.

ومن خلال التدقيق بإفادة المخطوف ومواجهته بالأدلة اعترف أن حادثة الخطف ملفقة وغايتها سرقة قيمة الآلة الصناعية العائدة لوالده، فتم توقيفه وتقديمه إلى القضاء المختص أصولاً.

الفرق بين الغائب والمفقود

وشدد القاضي والنائب العام السابق “محمد نور حميدي” أن هناك فرقا بين المفقود والغائب في القانون السوري رغم وحدة الأحكام التي تعالج موضوعهما وهي مشكلة لا تخص المناطق المحررة، بل تشمل سوريا برمتها نظراً للأحداث المتوالية عليها؛ إذ لا يخلو بيت في هذه المناطق تقريباً إلا وفيه معتقل أو مفقود.

وأوضح حميدي لـ”وطن” أن المفقود وفق المادة (202) من الأحوال الشخصية السورية هو “كل شخص لا تعرف حياته أو مماته أو كانت حياته محققة ولكن لا يعرف له مكان وجود رغم أن كلا الطرفين يمكن لهما اكتساب حقوق وتحمل التزامات”.

وأردف المصدر أن كلا المفقود والغائب-حسب القانون والقضاء- بحكم الموجودين، ومع ذلك إذا حكم بدعوى قضائية يمكن التنفيذ على أمواله، أما بالنسبة للحقوق المالية التي تترتب له أو عليه، فتبقى قائمة ويتحقق ذلك من خلال وكيل قضائي تعينه المحكمة بعد التأكد من أهليته ما لم يكن الغائب قد سمى وكيلاً عنه من نفسه قبل غيابه”.

انسياق الشباب وراء رغباتهم وأهوائهم

“خيرو أبو عبدو”– معقب معاملات- رأى أن هناك حالات كثيرة قد تكون سبباً في فقدان أو ضياع شخص ما ومنها الإعاقة الذهنية التي قد تكون ولادية أحياناً أو نتيجة حادث صدم أو ضربة على الرأس أومن جرَّاء صدمة نفسية ما نتيجة ضغوط أو ظروف اجتماعية غير طبيعية.

وأشار “نزار فياض” وهو صاحب مكتب تجاري إلى أن لرفاق السوء دور كبير في انسياق الشباب وراء رغباتهم وأهوائهم، ولا ننسى طبعاً ما تبثه بعض الفضائيات من أفكارغريبة وشاذة أحياناً تجعل من هؤلاء الشباب فريسة سهلة للضياع وتصور لهم طريقهم مفروشة بالأزاهير والأحلام الوردية.

“شعور بالرفض”

وقال”شجاع الفهد” -استشاري البرمجة العصبية إن عملية الفقدان الناجمة عن حالات الهروب من المنزل تنطوي في معظم الأحيان على الشعور بالرفض لسلوك أو شخص – أو أكثر – في الأسرة.

وما زالت ثقافتنا الجمعية للأسف لا تفصل بين الشخص وسلوكه، حيث البداية تكون مع رفض سلوك الشخص ومع التعميم تبلغ المأساة ذروتها، برفض الشخص ذاته رغم أن كل واحد يطالب الآخرين بقبوله ولكن عندما يتعلق الأمرعنده بقبول الآخر فالأمر مختلف تماماً.

اختلال توازن

وأضاف الفهد أن هروب المراهق أو المراهقة السويان أو المضطربان نفسياً هو علامة ومؤشر على أن هناك اعتداءاً سافراً على استقلاليته الطبيعية في المنزل ومحاولة ما للتسلط عليه برفض الحوار معه، أو فرض متكرر لمحظورات “سواء كانت هذه الأمور حقيقة أو موجودة فقط في مخيلة المراهق “.

والنتيجة هنا اختلال توازن في حياة هذا المراهق وأسرته، وحالة التمرد- الهروب هذه إن لم يتم تداركها قبل وقوعها بالحوار والتفهم لمتطلّبات هذه المرحلة العمرية فإنّها ستفتح الباب على مصراعيه أمام حالات تمرّد لاحقة، بدأت هنا بالهروب من المنزل ولن تكون القطيعة النفسية أو المكانية بعد سنوات آخرها.

دون معرفة مصيره حتى الآن .. قوات سوريا الديموقراطية تخطف طفلاً من مدينة منبج منذ 7 سنوات

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث