وطن– أظهرت دراسة نُشرت هذا الأسبوع في Lancet Psychiatry، زيادة مخاطر الإصابة ببعض اضطرابات الدماغ بعد عامين من الإصابة بفيروس كورونا، مما يلقي ضوءًا جديدًا على الجوانب العصبية والنفسية طويلة المدى للفيروس.
التحليل الذي أجراه باحثون في جامعة أكسفورد، وفق صحيفة واشنطن بوست، التي نشرت التقرير، واستنادًا إلى بيانات السجلات الصحية لأكثر من 1 مليون شخص حول العالم- وَجد أنه في حين أن مخاطر العديد من الاضطرابات النفسية الشائعة عادت إلى طبيعتها في غضون شهرين، إلا أن الناس ظلوا معرضين لخطر متزايد للإصابة بالخرف والصرع والذهان والعجز المعرفي (أو ضباب الدماغ)، بعد عامين من الإصابة بالضيق. يبدو أن البالغين معرضون بشكل خاص لخطر الإصابة بضباب دائم في الدماغ، وهي شكوى شائعة بين الناجين من فيروس كورونا.
النتائج الجيدة والسيئة
قال بول هاريسون، أستاذ الطب النفسي بجامعة أكسفورد وكبير مؤلفي الدراسة: إن الدراسة كانت مزيجًا من نتائج الأخبار الجيدة والسيئة. من بين الجوانب المطمئِنة الحل السريع لأعراض، مثل الاكتئاب والقلق.
وقال ديفيد بوترينو، مدير ابتكار إعادة التأهيل في Mount Sinai Health System في نيويورك، والذي كان يدرس الآثار الدائمة لفيروس كورونا منذ أوائل الجائحة-: إن الدراسة كشفت عن بعض النتائج المقلقة للغاية.
وقال: “إنه يسمح لنا برؤية -بلا شك- ظهور تتابعات عصبية ونفسية كبيرة لدى الأفراد الذين كانوا مطمئنين وبشكل متكرر، أكثر بكثير من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك».
نظرًا لأنه ركّز فقط على الآثار العصبية والنفسية لفيروس كورونا، فقد أكّد مؤلفو الدراسة وآخرون أنّه ليس بحثًا طويل الأمد تمامًا.
قال بوترينو: “سيكون من المبالغة وغير العلمي افتراض فوري بأن كل فرد في مجموعة [الدراسة] كان يعاني منذ فترة طويلة”، لكنه قال: إن الدراسة “تسترشد بأبحاث طويلة الأمد”.
كورونا يؤثر على الصحة الجنسية .. هكذا يحدث الأمر!
ما هي الاضرابات النفسية؟
ما بين 7 ملايين و 23 مليون شخص في الولايات المتحدة، لديهم كورونا منذ فترة طويلة، وفقًا لتقديرات الحكومة الأخيرة ، وهو مصطلح شامل لمجموعة واسعة من الأعراض، بما في ذلك التعب وضيق التنفس والقلق الذي يستمر بعد أسابيع وأشهر من تراجُع العدوى الحادة. ومن المتوقّع أن ترتفع هذه الأرقام مع استقرار فيروس كورونا كمرض مستوطِن.
قاد الدراسة ماكسيم تاكيه، كبير الباحثين في جامعة أكسفورد، والمتخصص في استخدام البيانات الضخمة؛ لتسليط الضوء على الاضطرابات النفسية.
قام الباحثون بمطابقة ما يقرب من 1.3 مليون مريض مع تشخيص كوفيد-19، بين 20 يناير 2020 و 13 أبريل 2022، مع عدد متساوٍ من المرضى الذين أصيبوا بأمراض تنفسية أخرى أثناء الوباء. جاءت البيانات، التي قدمتها شبكة السجلات الصحية الإلكترونية TriNetX، إلى حد كبير من الولايات المتحدة، ولكنها تضمّنت أيضًا بيانات من أستراليا، وبريطانيا، وإسبانيا، وبلغاريا، والهند، وماليزيا، وتايوان.
وكشفت مجموعة الدراسة، التي ضمّت 185000 طفل و242000 من كبار السن، أن المخاطر تختلف وفقًا للفئات العمرية، حيث يتعرّض الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكبر، لخطر الإصابة بتأثيرات عصبية نفسية دائمة.
بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عامًا، كان الخطر المتزايِد بشكل خاص، هو استمرار ضباب الدماغ، مما أثّر على 6.4 في المائة من الأشخاص الذين لديهم طموح مقارنة بـ 5.5 في المائة في المجموعة الضابطة.
كبار السن والاصابة بالخرف
بعد ستة أشهر من الإصابة، لم يتمَّ العثور على أطفال معرضين لخطر متزايد للإصابة باضطرابات المزاج، على الرغم من أنهم ظلوا أكثر عرضةً للإصابة بضباب الدماغ والأرق والسكتة الدماغية والصرع. لم يكن أي من هذه التأثيرات دائمًا للأطفال. مع الصرع، وهو أمر نادر للغاية، كان الخطر المتزايد أكبر.
ووجدت الدراسة أن 4.5 في المائة من كبار السن أصيبوا بالخرف في العامين التاليين للعدوى، مقارنةً بـ3.3 في المائة من المجموعة الضابطة. وقال الباحثون: إن هذه الزيادة بمقدار 1.2 نقطة في التشخيص على أنها ضارة مثل الخرف مثيرة للقلق بشكل خاص.
وأثار اعتماد الدراسة على مجموعة من البيانات الصحية الإلكترونية غير المحددة، بعض التحذيرات، لا سيما خلال الوقت المضطرب للوباء. وقد يكون تتبُّعُ النتائج طويلة المدى صعبًا، عندما يكون المرضى قد طلبوا الرعاية من خلال العديد من الأنظمة الصحية المختلفة، بما في ذلك بعض الأنظمة خارج شبكة TriNetX.
وقال هارلان كرومهولز، العالم بجامعة ييل _الذي طور منصة على الإنترنت حيث يمكن للمرضى إدخال بياناتهم الصحية الخاصة_: إن الباحثين استخدموا عدة وسائل لتقييم البيانات، بما في ذلك التأكد من أنها تعكس ما هو معروف بالفعل عن الوباء، مثل انخفاض معدلات الوفيات خلال موجة أوميكرون.
وقال “تاكيه” أيضًا: “إن صحة البيانات لن تكون أفضل من صحة التشخيص. إذا ارتكب الأطباء أخطاء، فسنرتكب نفس الأخطاء”.
ثلث المرضى المطمئنين عانوا من اضطرابات مزاجية
وتأتي الدراسة في أعقاب بحث سابق من نفس المجموعة، والذي أفاد العام الماضي، أنّ ثلث المرضى المطمئنين عانوا من اضطرابات مزاجية أو سكتات دماغية أو خرف، بعد ستة أشهر من الإصابة بفيروس كورونا.
فيما حذّر الباحثون من أنه من المستحيل إجراء مقارنات كاملة بين تأثيرات المتغيرات الحديثة، بما في ذلك الأوميكرون والمتغيرات الفرعية، التي تقود العدوى حاليًا، وتلك التي كانت سائدة قبل عام أو أكثر، أوجز الباحثون بعض النتائج الأولية، على الرغم من أن أوميكرون تسبّب في أعراض فورية أقلّ حدة، إلا أن النتائج العصبية والنفسية طويلة المدى، بدت مشابهة لموجات الدلتا، مما يشير إلى أن العبء على أنظمة الرعاية الصحية في العالم قد يستمر حتى مع المتغيرات الأقل حدة.
قالت هانا ديفيس، المؤسس المشارك لـ Patient-Led Research Collaborative، التي تدرس منذ فترة طويلة: إن الاكتشاف كان ذا مغزى. وقال ديفيس: “إنه يتعارض مع السرد القائل بأن أوميكرون أكثر اعتدالًا لفترة طويلة، وهو أمر لا يعتمد على العلم”.
وقال بوترينو: “نرى هذا طوال الوقت”. “تستمر المحادثة العامة في التغاضي عنها لفترة طويلة. لا تهم شدة العدوى الأولية عندما نتحدث عن التتابعات طويلة المدى التي تدمر حياة الناس”.