وطن– التُقطت مشاهدُ بالغة القسوة، وانتشرت روايات مؤلمة، حول ضحايا الحرائق الشديدة التي التهمت مناطق شاسعة في الجزائر.
كان المشهد على طول الطريق الرابط بين الطارف والقالة على الحدود التونسية كثيف الحرائق، حيث غطّى السماء دخانٌ كثيفٌ، وتفحّمت أبقار وسْط حقول سوداء، وبقيت أخرى جاثمة بلا حراك.
أفادت بذلك صحيفة الشروق التي تحدثت كذلك عن تكدّس جثث الغنم فوق بعضها البعض، كما تهاوت أشجار الزيتون والفلين العملاقة، واحترقت المنازل والسيارات عن آخرها.
اللهم الطف بأهلنا في #الجزائر.
حرائق الغابات تسببت بموت 41 شخصا.
رحمهم الله. pic.twitter.com/AKa0Ni6tA8
— تركي الشلهوب (@TurkiShalhoub) August 18, 2022
وقالت صحيفة الشروق: “أم تعانق ابنتها وتتفحمان.. أب يحتضن أولاده الثلاثة ويتحوّلون إلى رماد.. وآخر يبحث عن ابنه تحت الردم.. وأخ يحفر عميقاً لعله يجد شقيقه تحت الأنقاض.. وعائلات بأكملها تبحث وسط الغابات المحروقة عن ذويها.. جثث وسيارات وحيوانات محترقة بالكامل.. لحظات تُحبَس فيها الأنفاس وتقشعرّ لها الأبدان وقفت عليها “الشروق”ساعات قليلة بعد الحرائق المهولة، التي حوّلت منطقة القالة بولاية الطارف من محمية طبيعية شهيرة إلى أرض محروقة”.
مأساة حقيقية عاشتها عائلة “بن عطية” القاطنة بمشتة البويرة، المحاذية لجبال واد الشوك بولاية سوق أهراس، حيث صُدِم أفرادٌ من عائلة “بن عطية” بالعثور على جثث أمهم وشقيقتهم و3 أطفال من أبنائها.
الأم “عائشة” وابنتها “حكيمة” وأولادها الثلاثة “قصيّ” و”إسحاق” و”عيسى” عُثِر عليهم من طرف أعوان الحماية المدنية وأهالي الضحايا الذين شنّوا عمليات بحث وتمشيط للمنطقة، بعد عملية إطفاء الحريق المهول الذي اندلع بالمنطقة، جثثاً متفحمة.
القالة ولاية الطارف ☝️☝️☝️ pic.twitter.com/gFFK9gcrbP
— Bilyes (@Bilyes5) August 17, 2022
جاء ذلك بعد أن حاصرتهم النيران وسط الغابة، بعد فرارهم من ألسنة اللهب التي انتشرت بسرعة البرق؛ بسبب سرعة الرياح التي قاربت تسعين كيلومتراً.
تقول الصحيفة: “من مدينة “مداوروش” أين تعيش الأم الضحية حكيمة رفقةَ أطفالها الثلاثة وزوجها، تنقلت إلى مشتة البويرة بضواحي مدينة سوق أهراس، أين تقطن والدتها الخالة عائشة التي زارتها ابنتها، رفقة أطفالها ومكثت عندها 3 أيام، أين استمتع الجميع وخاصة الأطفال بهذه الزيارة الذي قضوها في بيت جدتهم التي كانت فرِحة بزيارة ابنتها لها وأحفادها، لكن لا أحد كان يعلم بأن هذه الزيارة ستكون الأخيرة بعد هذه العطلة القصيرة”.
وتضيف: “قررت الأم الضحية حكيمة أن ترجع الى مسكنها الزوجي بمدينة “مداوروش”، لكنّ القدر كان أسرع، وبمجرد نشوب الحريق بجبال منطقة واد الشوك، ظن الجميع بأن النيران بعيدة ولا يمكنها الوصول إلى مسكنهم الذي تحيط به أشجار كثيفة، إلى غاية وصولها اليهم ولم يجدوا من حلٍّ الا الفرار وسطَ الأدغال، لكنّ النار كانت أسرع وحاصرتهم من كل جهة”.
وتابعت: “وبعد وقت ليس بالطويل حُوِّلَت أجسادُهم إلى جثثٍ متفحمةٍ تقشعرّ لهول منظرِها الأبدانُ، وبعد رحلة بحثٍ طويلة، تمّ العثور عليهم في الساعات الأولى ليوم الخميس الفارط، بعد أن التهمت النيران أجسادهم”.
فيديو يوثق لحظات عصيبة عاشتها إحدى العائلات الجزائرية أثناء محاولتها الهروب للنجاة من الحرائق التى اندلعت في ولاية الطارف …
الحمد لله على سلامتها. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 💔 pic.twitter.com/HGxxQNBFRm
— Ania El Afandi آنيا (@Ania27El) August 19, 2022
أحد رعاة الغنم كان يبحث في أكوام الرماد، وعندما سُئِل عن ذلك أجاب بأنه يبحث عن ابنه الذي كان يرعى الغنم في المنطقة، لكنه لم يعثر على جثته بعد.
وقال محمد: إنه يبحث عن شقيقه بعد أن عثر على بقايا هاتفه النقال بالقرب من الغابة المحترقة، وقد كان يحفر بيديه علّه “يعثر على جثته حتى يرتاح ويدفنُها تحت التراب بدلاً من تناثر أشلائه بين الرماد.
كما قضت النيران على أسر بأكملها، ولقي نحو 12 شخصاً حتفَهم، حاصرتهم النيران داخل حافلة أمام حديقة حيوانات القالة في منطقة الطارف.
ويَذكر المزارع “حمدي الجميدي” بعد أن نفقت مواشيه- مأساته: “هذا مصدر رزقنا، نحن مزارعون، نربي المواشي كالأبقار والأغنام والدواجن. لا نعرف ماذا سيحل بنا ولا كيف سنحصل رزقنا”.
وعلى مقربة منه، كانت المزارِعة “غزالة” حاضرةً حين احترق، منزلها ونفق كلبها وقطتها، وقالت: “جاء الناس وطلبوا مني إخلاء المنزل؛ لأن هناك خطراً أن أحترق، ولكن لم أهتم… أخرجني المنقذون مع بعض الحيوانات”.
وكانت الحماية المدنية الجزائرية، الجمعة، قد أعلنت السيطرة على غالبية الحرائق التي اجتاحت منذ يومين، مناطقَ حرجية وحضرية في شمال شرق البلاد، بالرغم من اندلاع حرائق جديدة في منطقة الطارف بالقرب من الحدود مع تونس.
وفي وقت لاحق، قالت الشرطة: “إنها أغلقت العديد من الطرقات في الطارف؛ بسبب عودة النيران”.
حصيلة القتلى
وارتفعت الحصيلة “غير النهائية” إلى 37 قتيلاً، ثلاثون منهم في الطارف على الحدود مع تونس، بينهم 11 طفلاً وست نساء، فضلاً عن خمسة آخرين قضَوا في منطقتي سوق أهراس (شرقاً)، وقتيلين في سطيف (شرقاً).
ويرى خبراء أنّ نقص التجهيزات ،وخاصة بالطائرات، وكذلك عدم تحصين الغابات بالشكل الجيد، هو من أهم الأسباب التي تتسبّب في اندلاع الحرائق.
ونقلت صحيفة “الشروق”، عن وزارة الدفاع الوطني، إعلانَها تسخيرَ مروحيات تابعة للقوات الجوية؛ للمشاركة في عمليات إطفاء الحرائق بكلٍّ من ولايتي سوق أهراس والطارف.
وقال بيان لوزارة الدفاع: “على إثر الحرائق التي اندلعت بغابات الولايات الشرقية للوطن، سخّرت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي مروحياتٍ تابعةً للقوات الجوية؛ للمشاركة في عمليات الإطفاء بكلٍّ من الطارف وسوق أهراس بالناحية العسكرية الخامسة، وخاصةً في المناطق ذات التضاريس الوعرة التي يصعب الوصول إليها”.
وأضاف البيان، “وهو ما شكّل دعماً كبيراً لعمل مفارز الجيش الوطني الشعبي المشارِكة في إخماد الحرائق المندلعة بمختلِف المناطق الغابية والقرى المنكوبة”.