محلل يتحدث لـِ”وطن” عن تداعيات استقبال “سعيد” لـِ”غالي” على العلاقات بين تونس والمغرب
شارك الموضوع:
وطن- شهدت العلاقات التونسية المغربية في الآونة الأخيرة توتراً غير مسبوق؛ على خلفية استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد -في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد)- زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي. عقب الاستقبال، قامت المملكة المغربية بسحب سفيرها من تونس، وبالمثل ردّت تونس بسحب سفيرها من المغرب.
وتوتر العلاقات لا ينتهي عند هذا الحد، بل تطور في المملكة المغربية إلى شنّ حملة إعلامية على تونس، مما ينبئ بأن الأزمة قد تتطور.
في الحوار التالي، تستضيف “وطن” الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التونسي وائل الونيفي، للحديث حول استقبال سعيد لغالي، وتداعيات ذلك على مستقبل العلاقات بين تونس والمغرب.
-
هل أن استقبال قيس سعيد لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي خطوة مدروسة، أم إنه خطأ بروتوكولي؟
في البداية، يجب وضع الأمور في إطارها، لا بد من التذكير بموقف المملكة المغربية يوم 20 أوت/أغسطس حين توجهت إلى زعماء العالم بشكل عام وإلى زعماء دول الجوار بشكل خاص، بأن ملف الصحراء الغربية هو محدد طبيعة العلاقات بين المملكة وهذه الدول. وبعد أسبوعين انطلق مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد) بتونس.
كقراءة مني أستبعد أن يكون الاستقبال البروتوكولي لأمين عام جبهة البوليساريو إبراهيم غالي من قبيل الخطأ البروتوكولي، أعتقد أن المسألة تتجاوز ذلك، وهي رسالة ضمنية واضحة من الرئيس التونسي للمملكة المغربية حول ملف الصحراء الغربية من خلال الاستقبال البروتوكولي، من رئيس دولة لرئيس دولة مماثلة، وعبر وضع علم الجمهورية الصحراوية في قاعة الجلوس وقاعة الاستقبال، وكذلك هناك رمزية الصورة التي كانت واضحة وجلية، وهي وجود طائرة الخطوط الجزائرية في الخلفية عند الاستقبال في بهو مطار تونس قرطاج.
باعتقادي ومن خلال قراءة لهذا الاستقبال، هي رسالة ضمنية موجّهة للمملكة المغربية، مفادُها أن تونس تعترف بحقّ الشعب الصحراوي في الاستقلال عن المملكة المغربية، وبذلك تصطفّ مع الموقف الجزائري، وتتوافق معه في هذه القضية بالذات.
-
في مرحلة أولى نشرت صفحة رئاسة الجمهورية صوراً لاستقبال سعيد لغالي وأرفقت الصور بصفة رسمية، بعد ذلك تمّ حذف الصور وإعادة نشرها مع حذف الصفة والاكتفاء بكلمة السيد ابراهيم غالي. ما تعليقك على الموضوع؟
لا بد أن نذكر كواليس انعقاد القمة، استقبال رئيس الدولة قيس سعيد لإبراهيم غالي، خلقَ نوعاً من الجلبة داخل الكواليس وهناك حتى مذكّرة وُجّهت من البعثة اليابانية للاتحاد الإفريقي، قالت فيها بصريح العبارة، إنها لا تعترف بهذا الكيان وأطلقت عليه اسم كيان. وهذا ما استدعى -ربما- رئيس الجمهورية إلى تدارك الأمر عبر سحب الصور وسحب صفة إبراهيم غالي من بلاغ رئاسة الجمهورية؛ في تدارك للموقف ومحاولة تصويبه وتخفيف وطأة الحدث، من أجل أن تسير القمة بشكل سلس ودون إشكاليات. وهو ما لم يحدث في الحقيقة، لأن المغرب انسحبت في نهاية الأمر من القمة، والرسالة التي وجهتها تونس وصلت للمملكة المغربية، فسحبت سفيرها، وبالمثل قامت تونس بسحب سفيرها كذلك.
أعيد تغيير البلاغ على صفحة رئاسة الجمهورية في علاقة بالأمور التنظيمية لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد)، وما حدث من إشكاليات في علاقة بالمنظمين أنفسهم؛ اليابان من جهة وتونس من جهة والاتحاد الأفريقي من جهة أخرى. أرادت تونس أن تمسك العصا من الوسط عبر سحب البلاغ وإعادة نشره بصورة أخرى.
-
استبعدت أن يكون استقبال سعيد لغالي بالخطأ البروتوكولي، هل هذا يشير الى أن تونس دخلت مرحلة جديدة في التعاطي مع ملف الصحراء الغربية، تونس على مدى سنوات كانت محايدة، ماهي الأسباب وراء تخليها عن موقفها الحيادي وتنحاز للجزائر ضد المغرب؟
موقف تونس عبر التاريخ كان منحازاً في الكواليس للمملكة المغربية، حتى الرؤساء المتعاقبون من الحبيب بورقيبة إلى زين العابدين بن علي، كان هناك اعتراف في الكواليس بأحقية المملكة المغربية بالسيادة على الصحراء الغربية، ويرفضون استقلالها عن المملكة المغربية، وحتى الحبيب بورقيبة لا يريد تكرار مساندته لموريتانيا في وقت سابق في صراعها مع المملكة المغربية.
السياق التاريخي لتونس كان دائماً في الكواليس مع المملكة المغربية، وضد استقلال الصحراء الغربية، لكنها لا تعبّر عن هذه المواقف؛ حفاظاً على علاقتها بجارتها الأقرب الجزائر، لكن تونس في المدة الراهنة تمرّ بأزمة اقتصادية واجتماعية، وأطول شريط حدودي لها مع الجارة الجزائر. بالتالي من حيث المصالح الاقتصادية والاجتماعية تونس ربما ترى في أن تحسين علاقتها بالجزائر أكثر من المغرب، هذا من جهة.
من جهة ثانية، كان هناك تقارب واضح بين الرئيسين الجزائري والتونسي في أكثر من مناسبة، وتابعنا الزيارات الرئاسية الأولى والثانية لتبون في تونس وسعيد في الجزائر وما رافق الاستقبال من حفاوة كبيرة، بين التقارب الكبير بين الرئيسين.
كذلك مسألة التطبيع التي ذهبت فيها المملكة المغربية مع الكيان الصهيوني، والتي يعتبرها الرئيسان سعيد وتبون مسألةً خطرةً وهما متوافقان أن مسألة التطبيع لا يمكن أن تمر مرور الكرام، وبالتالي التقارب الواضح بين الرئيسين يفضي في الأخير الى هذا الموقف باعتبار أن العلاقة الدبلوماسية التونسية المغربية تعرف منذ سنة فتوراً، ومردّ ذلك التقارب الكبير بين تونس والجزائر. واستقبال إبراهيم غالي يصبّ في هذه الصيرورة الكاملة والتقارب بين البلدين.
-
تحدّثت عن تقارب تونسي جزائري برزت ملامحه من خلال رسالة سعيد، عند استقباله غالي في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد)، هل يمكن القول إن تونس والجزائر ذاهبتان معاً في شراكة اقتصادية أفريقية وتنافسية ضد المغرب؟
في البداية لا بد من الإشارة للصراع الدائم بين المغرب والجزائر من أجل قيادة المغرب العربي الكبير، هذا سياق تاريخي معترَف به، كل من الجزائر والمغرب تريدان قيادة المغرب العربي هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن العلاقة الاقتصادية التونسية المغربية منذ القِدم تعرف تنافساً في المستوى السياحي والانتشار داخل أفريقيا، وحتى المجالات التنافسية متقاربة من ناحية السياحة والخدمات، بالتالي المغرب استثمرت في مدة ال 10 سنوات الماضية الوضع الذي تعيشه تونس من انتقال ديمقراطي وانتقال سياسي، أثّر على علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية، واستثمرت المغرب هذا الوضع الذي تعيشه تونس؛ من أجل تكثيف استثماراتها وجلب مستثمرين للمغرب على حساب تونس.
وهذا ما يتحدث عنه أغلب رجال الأعمال التونسيين، وهذا الأمر مشروع لأن العلاقة بين الدول تحكمها دائما التنافسية الاقتصادية؛ مَن يجلب الاستثمار أكثر، ومَن يحرّك دواليب الاقتصاد في بلاده من أجل جلب مستثمرين أجانب أكثر، حتى أن في تونس رجال الأعمال أصبحوا يرون النموذج المغربي نموذجاً رائداً؛ باعتبارها قامت بإصلاحات هيكلية فيما يهمّ الاقتصاد والإدارة والخدمات، بالتالي المغرب عندما فازت بأسواق استثمارية فهو أمر مشروع، لكن أن يكون هناك تحالف بين تونس والجزائر من أجل إقصاء المغرب من الاستثمار داخل أفريقيا، فهذا في الحقيقة أمر مستبعَد، ولا يمكن أن نحكم على المسألة في الوقت الحالي.
المغرب كذلك لها سند دولي كبير، فالولايات المتحدة الأمريكية مع الموقف المغربي ضد استقلال الصحراء الغربية وكذلك دول الخليج، وبالذات السعودية هناك تنسيق كبير مع المغرب، وهو ما يؤثر حتى على علاقاتها في أفريقيا، والمغرب في السنوات الماضية قامت بنوع من الذكاء والدهاء بربط علاقات اقتصادية جيدة داخل أفريقيا، وهذا ربما ما حزّ في نفس الجزائر وتونس، ويريدان محاولة الدخول في تنافسية مع المغرب، لكن هذه المسألة من المبكر الحديث عنها، لأنها ذات منطق دبلوماسي.
فالصحراء الغربية كانت معوّقاً منذ القدم، وفي كل مرة يظهر، إما لصالح الجزائر أو لصالح المغرب، وتونس دائماً كانت هي المتضررة، ونذكر هنا موقف هواري بومدين رئيس الجزائر الأسبق، عندما لمّح الحبيب بورقيبة إلى قضية الصحراء الغربية وسيادة المغرب عليها، قام بومدين في الحين بقطع الكهرباء على تونس؛ كردة فعل أولى ومن ثم تبعتْها ردود فعل ديبلوماسية أخرى.
-
انتقادات واسعة طالت تونس والرئيس سعيد من مسؤولين من المغرب ومن وسائل اعلامية وحتى على صفحات التواصل الاجتماعي، في حين أنها لم تتعدَّ في تونس فيسبوك، هل تسعى تونس إلى تهدئة الموقف بذلك وعدم توتير الأجواء أكثر؟
ردة فعل المملكة المغربية والنخبة المغربية ردة فعل مبالغ فيها، ووصلت إلى مستويات لا تقبلها لا أخلاقيات العمل الصحفي ولا المعاملات الدبلوماسية.
في تونس هناك نوع من ترشيد الخطاب حتى في المستوى الاعلامي والقنوات والصحافة، وإن كانت لها إشكاليات مع الرئيس قيس سعيد، إلا أنها لم تنخرط في هذا الجدال والنزول بمستوى العلاقات إلى مستويات هابطة عكس ما تقوم به القنوات الرسمية المغربية وحتى النخبة التي وصلت ردود فعلها إلى مستويات متدنية جداً.
حمداً لله أن تونس لم تنخرط لا رسمياً ولا في مستوى النخبة في رد فعل مماثل. ربما بعد توجيه تلك الرسالة من طرف الرئيس قيس سعيد لا يريد مزيداً من توتير العلاقات، فهو يعتبر أن الرسالة كانت واضحة وموجّهة ويكتفي بذلك القدر، باعتبار أن المسألة إذا أخذت منحًى آخر، فمن الممكن أن تعود بالضرر على تونس دولياً وديبلوماسياً.
أعتقد أن الرئيس قيس سعيد رسالته عدّها موجهة وواضحة وسيكتفي بهذا القدر، لكن ما يخيف أن الماكينة الإعلامية المغربية ما زالت مواصلة في حربها الاعلامية ضد تونس، وهذا يفتح الباب لأنْ يأخذ توتر العلاقات منحى أخر ربما قد يقود إلى ردّة فعل تونسية، وهو ما سيعقّد الوضعية أكثر فأكثر.
في الحقيقة الصراع بين الدولتين لا يوجد به رابح ولا خاسر، ولا نعرف مَن الرابح ومَن الخاسر مِن هذه الحرب الإعلامية. تونس إلى الآن ما زالت ضابطة نفسَها رسمياً ودبلوماسياً، وحتى في مستوى النخبة ووسائل الاعلام التونسية.
-
ماذا بعد سحب السفراء؟ برأيك إلى أين تتجه العلاقات في ظلّ هذه التطورات؟
هذا ستحدّده المملكة المغربية بنفسها، إذا ما واصلت المغرب هجمة التصعيد وسياسة قطع العلاقات الدبلوماسية، فتونس أكيد ستتعامل بالمثل وهو ما سيزيد من تعقيد المسألة وتصل إلى مستويات لا يمكن التراجع فيها. وقد تطول الأزمة لسنوات بين البلدين وهو ما لا نحبّذه، ولا يساعد اتحاد المغرب العربي ذلك الحلم الذي حلمت به شعوب المغرب الكبير.
أعتقد أن المسألة بيد المملكة المغربية أكثر من تونس، هناك ضبط النفس من قبل القنوات الرسمية الدبلوماسية وعدم انجرار وراء ردود الفعل، لكن المغرب تواصِل في سياسة تصعيد إعلامية ودبلوماسية، والأمر متوقّف عند المغرب والملك والدبلوماسية المغربية التي إذا ما واصلت في سياسة قطع العلاقات، فإن تونس ستتعامل بالمثل.