وطن– نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالَ لـ”أندرياس كريج“، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كينجز كوليدج لندن، تحدث فيه عن طبيعة تطور العلاقات بين قطر ومصر مؤخراً.
وفي مقاله التحليلي، قال “كريج” إنّه عندما وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة في 13 سبتمبر، سارع المعلقون إلى تفسير الزيارة على أنها مدين يسافر للقاء دائن مهم في الخليج، موضحاً أن هذا قد يكون في حدّ ذاته جديرًا بالملاحظة بالفعل، مع الأخذ في الاعتبار أن العلاقات بين البلدين فاترة منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013.
واعتبر الكاتب أن الأمر الأكثر لفتًا للنظر هو أن كلّاً من مصر وقطر، قد وفرتا مساحة للعلاقات الثنائية التي تتجاوز العلاقات المالية إلى المحافظ الجيوستراتيجية، مشيراً إلى أن ليبيا هي الأكثر إلحاحاً في الآونة الأخيرة.
وأوضح “كريج” أنّه كدولة استبدادية لها سجل مروع في مجال حقوق الإنسان، كافحت مصر لتقديم نفسها كشريك إقليمي لا غنًى عنه للغرب، حيث كانت مصر، التي تجلس على الحياد وسط حرب أوكرانيا، وتحافظ على العلاقات مع نظام الأسد في سوريا، بينما تضغط على أي شكل من أشكال المجتمع المدني في الداخل، حريصة في السنوات الأخيرة على وضع نفسها كصانع متكامل للصفقات في المنطقة، مؤكّداً أنه هنا كانت قطر قوة مضاعفة مهمة لمصر، وخاصة في غزة.
وبحسب الكاتب، فإن قطر التي انقلبت على سياسة الربيع العربي الأكثر نشاطًا منذ وصول الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى السلطة في عام 2013، مشيراً إلى أنّ ما تفعله بشكل أفضل هو جمع الأطراف غير المحتملة معًا للتوسط في حلول سياسية للصراع العنيف، وهو ما جعلها أكثر جذابة بشكل خاص لمصر، لافتاً إلى أن تحول نهج قطر المتوازن تجاه المنطقة منذ ذروة الربيع العربي تحول في نظر القاهرة من تهديد لأمن النظام إلى وسيط براغماتي، يمكن لشبكاته أن تعزز مصالح مصر الإقليمية.
وأكد الكاتب على أنه لا تزال الاختلافات الأيديولوجية قائمة حول موقف قطر المناهض للاستبداد، فضلاً عن نهج الدوحة الأكثر شمولاً لمشاركة أصحاب المصلحة المتعددين. ولكن عندما يتعلق الأمر بليبيا، يبدو أن نهج قطر الهادئ والمتعدد الأطراف منذ عام 2014 يقدّم درجة من البراغماتية اللازمة لتأمين مصالح مصر الخاصة.
ونوّه “كريج” إلى أن مسافة الدوحة المتساوية بين القاهرة وأنقرة، تسمح لقطر بلعب دور الوسيط فيما كان انقسامًا بين الشرق والغرب في ليبيا، والذي تحوّل بشكل متزايد في السنوات الأخيرة إلى صراع متعدد الأقطاب وطويل الأمد على أكثر من مجرد خطوط أيديولوجية.
السعي لتحقيق الاستقرار
رأى الكاتب في مقاله أنّه ربما تكون المؤسسة العسكرية المصرية قد أعادت تقييم الوضع الأمني في ليبيا، بعد أن أعادت الاشتباكات العنيفة في طرابلس قبل أسابيع قليلة البلادَ إلى شفا حرب أهلية، مشيراً إلى أنه لسنوات، استثمرت مصر في البنية التحتية المضادة للثورة التي ساعدت الإمارات العربية المتحدة في تثبيتها في شرق ليبيا.
واعتبر الكاتب أنّه بهدف الحفاظ على استقرار شرق ليبيا في مواجهة فوضى ما بعد الثورة، كان الجيش المصري مقتنعاً منذ فترة طويلة بأنّ أفضل طريقة لتأمين منطقة الحدود المصرية الليبية، هو وجود رجل قوي يحتكر العنف، حيث بدا أنّ أمير الحرب خليفة حفتر هو الرجل المناسب، ولكن بعد عدة انقلابات فاشلة وعمليات عسكرية لا حصر لها على مدى أكثر من ثماني سنوات، يبدو أن الرجل القوي المسن -الذي كان قوياً بما يكفي لاستمالة شرق ليبيا وإجباره على الخضوع- أضعف من أن يمنع المنافسين من الطيف الغربي الليبي من تحدي شرعيته.
وأوضح “كريج” أن الإمارات العربية المتحدة، الشريك الأقرب لمصر، أظهرت مرارًا وتكرارًا أن قدرتها على السيطرة على بديلها حفتر وجيشه الوطني الليبي كانت محدودة، مشيراً إلى أنه بينما بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، كما هو الحال بالنسبة لقطر، فإن الوضع في ليبيا ليس له سوى القليل من التداعيات المباشرة على الأمن القومي، إلا أن مصر لا تملك رفاهية التجربة في ليبيا.
وقال الكاتب، إنّ قطر ومنذ انسحابها من ليبيا في عام 2014، أصبحت أقل إثارة للجدل بالنسبة لمصر. على الرغم من أن قطر، على عكس الإمارات العربية المتحدة، لم تشارك أبدًا في ليبيا لفرض رؤيتها على البلاد، إلا أن دعم الدوحة للثوار من جميع الأطياف السياسية، وخاصة الإسلاميين، كان بمثابة شوكة في خاصرة الجيش في القاهرة المهووس بأمن النظام.
وأشار إلى أنّه مع وصول الشيخ تميم إلى السلطة في عام 2013، ابتعدت قطر عن مغامراتها الليبية لدعم الأمم المتحدة واللاعبين الآخرين من خارج المنطقة سعياً وراء حل سياسي متعدد الأطراف، بينما أصبحت تركيا أكثر نشاطاً على الأرض.
ولفت الكاتب إلى اقتراح أمير قطر خلال خطابه أمام الجمعية العامة السابعة والسبعين للأمم المتحدة حول ليبيا، مؤكّداً على أن الدوحة مهتمة ببناء إطار سياسي قائم على الإجماع والشرعية، من شأنه أن يرى كل الجماعات المسلحة تحت السيطرة المدنية متحدة في جيش وطني واحد -وهو هدف طموح تمامًا- لكنها تصيب قلب الأزمة السياسية.
المنافسة الاستقطابية
وأكد “كريج” على أن مصر، التي تدرك أن مشاركتها الأحادية الجانب مع فصائل شرق ليبيا، فشلت حتى الآن في تحقيق استقرار مستدام طويل الأمد على طول حدودها الغربية، قد تكون الآن أكثر ميلاً لبناء جسور إلى الغرب.
وولفت إلى أنه بقدرِ ما بدا فتحي باشاغا، بصفته رئيس وزراء الشرق البديل، ضعيفًا في محاولته الفاشلة للاستيلاء على طرابلس قبل بضعة أسابيع، فقد أثبت عبد الحميد الدبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة التي تدعمها الأمم المتحدة، أنه أكثر صموداً مما توقعته مصر.
وشبّه الكاتب الإمارت بـ”الفيل” الذي لا يزال في الغرفة، موضحاً أنها وشبكاتها في البلاد، أعظم المفسدين في ليبيا، حيث تتمتع شبكات أبوظبي في ليبيا بنفوذ كبير، وتتجاوز المجالات الأمنية والسياسية لتشمل وسائل الإعلام وأصحاب المصلحة القبليين، زاعماً أن الإمارات تقدّم بُعدًا جيوستراتيجيًا إلى الطاولة لا يمكن لمصر ولا قطر القيام به، منوّها إلى أنها مَن كانت وراء تسهيل دخول روسيا إلى الصراع.
وقال الكاتب إنّه بالنسبة لأبو ظبي، تظلّ شبكة الميليشيات الفضفاضة التي تصنّف نفسها الجيش الوطني الليبي تحت قيادة حفتر جوهرة تاج مشاركتها في ليبيا.
وهنا، رأى الكاتب أن أيَّ حل سياسي تناقشه قطر ومصر، لن يكون له سوى ساق للوقوف عليه إذا كان حفتر -أو على الأقل أبناؤه- ممثلين، وهو شيء تعمل عليه قطر، متسائلاً إلى أي مدى تكون شبكة رعاية حفتر حول الجيش الوطني الليبي على استعداد للخضوع للسيطرة المدنية.
ولفت “كريج” إلى أنه يجب ألا ينسى المرء أن الرعاة الرئيسيين للجيش الوطني الليبي في القاهرة وأبو ظبي هم أنظمة قائمة على قطاع الأمن، وستكافح قطر لبناء آلية للسيطرة المدنية الهادفة، حتى لو وافقت مصر والإمارات على إطار سياسي.
واعتبر الكاتب أن التعقيدات السابقة، هي السبب في أنه من السابق لأوانه الحديث عن صفقة في ليبيا، حيث تنصح كل من مصر وقطر بعدم التسرع في الإعلان عن صفقة أخرى تشتعل فيها النيران بمجرد أن تصل إلى الواقع على الأرض.
واختتم “ركيج” مقاله بالتأكيد على أن الوسطاء الرئيسيين وأصحاب المصلحة يحتاجون إلى التنسيق، مع التأكيد أيضاً على أن رؤية قطر ومصر يجلسان لمناقشة ليبيا يمكن أن يكون خطوة أولى حيوية في مواءمة الرعاة الخارجيين.