“مسرح تدمر” الأثري الذي دمره الروس ونهبه تنظيم الدولة
وطن- يُعدّ مسرح تدمر من أهم المسارح الأثرية في سورية والعالم العربي، ويعتقد علماء الآثار بأنه بُني في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وقد أعيد بناؤه بعد انهياره عام 273م، عندما سيطر الرومان على المدينة، وقد كان مدفوناً تحت الرمال حتى عام 1950، ثم جرت أعمال التنقيب والترميم عام 1952.
مسرح أثري وتحفة معمارية
وبني المسرح -الذي تعرّض في السنوات الأخيرة لتخريب- على أرض مستوية، ومدرجات الجلوس فيه اتخذت شكلاً نصف دائري، متوزعة في 13 صفاً، يفصل بينها ممرات متوزعة بشكل شعاعي، والمقاعد موزعة بدقة متناهية، بحيث يمكن للجالس من أية نقطة من نقاط المدرج رؤية ما يدور على منصة التمثيل بوضوح ودونما عائق.
وأمام الأركسترا تقع منصة التمثيل المحددة بثلاثة أواويين، ذات محاريب لرفع تماثيل آلهة الفنون، ومجهزة بدرجين يؤديان إلى الصحن، ودرجين إلى الخارج، إضافة لثلاثة أبواب ذات سقفيات مزخرفة بجبهات مثلثة.
أكثر الأشياء الخفية في البتراء.. المدينة المخبأة في الصحراء
مجلس الشيوخ وحكم تدمر
وتدل بعض الوثائق على أن بناء هذا المسرح تمّ في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، كما عُثر على حاملة تمثال عليها كتابة، تشير إلى أن نقابة الدباغين قد أقامت تمثالاً في المسرح لابن الملك أذينة عام 358 ميلادية.
وبالقرب من المسرح وفي الجهة الغربية، يوجد مجلس الشيوخ الذي كان يحكم تدمر بمراقبة ممثل عسكري لروما، وذلك حتى عهد الإمبراطور “هارديان”.
والمجلس عبارة عن بناء مستطيل كان له مدخل جميل، وباحة ذات أروقة مرفوعة على أعمدة لم تزل قواعدها ظاهرة إلى الآن، وفي صدر البناء إيوان كالحنية، كان له مدرج للجلوس بشكل نعل حصان.
تنظيم الدولة
وسيطر تنظيم الدولة على المدينة مرتين: الأولى في مايو/أيار 2015، ثم استعاد جيش النظام السوري السيطرة عليها في مارس/آذار الماضي، لكن التنظيم استولى عليها مجدّداً في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وإبان ذلك تعرّض المسرح لسرقات وتعديات وتدمير.
صور بالأقمار الصناعية
ونشرت المدرسة الامريكية للدراسات الشرقية عبر صفحتها على موقع فيسبوك في يناير 2017، صوراً التقطها قمر صناعي، تُظهر الدمار الذي حل بواجهة المسرح الروماني في تدمر.
وقالت المدرسة، إن اثنين فقط من أعمدة التترابيلون الـ 16 ما زالت منتصبة، وإن الدمار أُحدث عمداً باستخدام المتفجرات.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد فجّر معابد وأبراج دفن وقوس النصر في تدمر، عندما كان يسيطر عليها في المرة الأولى، كما دمّر مسلحوه معبد بل، الذي كان يعد واحداً من أهم الصروح الدينية في الشرق في القرن الأول الميلادي.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد تعرّض أكثر من 300 موقع أثري سوري إلى الدمار أو النهب، خلال النزاع في سوريا المستمر منذ أكثر من أربع سنوات.
نهب منظم من قبل الاحتلال الروسي
ولم يسلم مسرح تدمر الأثري -مثل غيره من الآثار السورية- من تدمير الاحتلال الروسي وتعدياته، وروى الباحث “سعد فنصة ” الذي عمل لفترة تقارب 30 عاماً في حقل الآثار لـ”وطن”، أن الآثار السورية كانت طوال عقود مسرحاً لمثل هذه التعديات.
مضيفاً، أنه شهد بنفسه بعض التحقيقات “الكاريكاتورية”، التي كانت تجري إثر السرقات الكبرى للمدن التاريخية.
حيث كان السارق المحمي بسلطة الأمر الواقع، ينقل الأحجار الأثرية الضخمة والتماثيل الإنسانية وتيجان الأعمدة التي يبلغ وزنها مئات الأطنان وتُنقل بالرافعات وتهرب عبر المنافذ الحدودية، ويُلقى القبض على المنفذين، ويبقى صاحب الأمر بمنأى عن أي محاسبة أو ملاحقة.
واستدرك الباحث، الذي عمل مديراً لقسم التصوير والتوثيق والأرشيف العلمي للآثار السورية في المديرية العامة للآثار والمتاحف، أن بعض كبار ضباط الجيش، وفي مقدمتهم رفعت الأسد وأفراد من الدائرة المحيطة بحافظ الأسد وبعض الشخصيات المعروفة في الأمن العسكري وغيرهم، دأبوا على ممارسة النشاط غير القانوني في نهب وسرقة وتهريب وبيع الآثار السورية.
وعندما خرج رفعت الأسد في سوريا، في العام 1984 -كما يقول- تسلّم هذه المهمةَ النجلُ الأكبر لحافظ الأسد، “باسل الأسد”.
ووفق تأكيد المؤرخ العالمي “أندرياس كيلب”، فإن تهريب الآثار السورية والاتجار بها كان من اختصاص “رفعت الأسد” في ثمانينات القرن الماضي، الذي “خرج من سوريا بثروة هائلة جناها من عمليات التهريب لسنوات طويلة مكّنته من شراء شارع كامل في باريس، وورث ماهر الأسد مهنة عمّه، لتزدهر قبل اندلاع الثورة وخلالها، وتصبح حكراً على آل الأسد.
حكم العصابة
ونقل “فنصة” عن عالم الآثار الإسباني “رودريغو مارتن”، الذي قاد العديد من بعثات التنقيب في سوريا قولَه: “الحقائق تبين أن الحكومة تعمل مباشرة ضد التراث التاريخي للبلاد”.
وكشف الخبير الآثاري، نقلاً عما قال إنها تقارير من داخل غرف القرار لأعضاء “حكم العصابة” في دمشق، أن “هناك مافيات روسية على أرض تدمر حمت خطوط التهريب للآثار التدمرية وغيرها عبر شخصيات روسية نافذة من ضباط خبراء تفكيك المفخخات وشخصيات أخرى، وكانت تمنع دخول الخبرات الدولية سورية وأوروبية، جاءت للكشف عن الأضرار التي قامت بها عصابات تنظيم “الدولة”.
بينما كانت عمليات الحفر في الحرم الأثري للمدينة تقوم على قدم وساق، وسمحت لمافيات محددة من الضباط الروس بتهريب تماثيل ومومياءات تدمرية مكتشفة حديثاً في بعض المدافن، والكلام ما زال لـ”فنصة”.
روسيا دمرت الآثار وعادت لتستثمرها
والمفارقة أن روسيا، التي دمّرت جزءاً كبيراً من الآثار السورية تحت سمع ونظر النظام وبمساعدته، عادت من النافذة لتستثمرها، مدّعيةً حرصها على هذه الآثار، واستعدادها لترميم ما دمر منها.
إندبندنت: المسرح الروماني بتدمر من الباليه إلى الذبح
وذكرت وسائل إعلام روسية في كانون الأول 2020، أن الحكومة تفاوض منظمة التراث العالمي “يونيسكو” من أجل “ترميم” مدينة تدمر التاريخية، وذلك بعد حصولها على عقود من نظام الأسد تخولها القيام بعمليات الترميم.
وكشفت وسائل الإعلام حينها، أن روسيا شكلت مجموعة من “علماء الآثار” برئاسة مدير المتحف الحكومي “ميخائيل بيوتروفسكي”، للتواصل مع المنظمة، لبحث أمور إعادة إعمار مدينة تدمر.
وأوضحت أن عمليات التواصل تمت مع مدير أندية اليونسكو في مصر “أيمن عبد القادر”، الذي عبّر عن “اتفاقه مع العلماء الروس بخصوص تشكيل لجنة لإعادة إعمار المدينة”، مشيراً إلى أن “مهمات اللجنة لا تقتصر فقط على أعمال إعادة الإعمار والترميم، وإنما على إعادة التحف والآثار المنهوبة من تدمر”، على حدّ قوله.