“ليلة العشاء مع السلطان قابوس”.. كوشنر يثير جدلا بما أورده في مذكراته

By Published On: 25 أكتوبر، 2022

شارك الموضوع:

وطن- تحدثت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، نقلاً عن “جاريد كوشنر” صهر ترامب ومستشاره عندما كان رئيسا لأمريكا، في كتابه “كسر التاريخ: مذكرات البيت الأبيض”، عن وجهة نظر سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد حول القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.

وأشار كوشنر في (الفصل 28) من كتابه المثير للجدل، الذي كشف فيه أسرار الفترة التي قضاها مستشاراً لترامب، إلى وجهة النظر التي عبّر عنها سلطان عمان الراحل وموقفه من الإسرائيلين وأيضاً الفلسطينيبن.

جاريد كوشنر في سلطنة عُمان

وزار جاريد كوشنر بتاريخ 23 فبراير 2019، سلطنة عُمان -رفقة آفي بيركوفيتز، جيسون جرينبلات، وبرايان هوك- من أجل لقاء السلطان الراحل قابوس بن سعيد.

“كوشنر”: المغرب هدد بنسف اتفاق التطبيع مع إسرائيل لهذا السبب!

التقى “كوشنر” في فندق قريب من قصر السلطان، بالصحفي الأمريكي “توماس فريدمان”، وقال: “أثناء تناول القهوة، أخبرني أنه يتابع جهودي عن كثب وأعرب عن تقديره للطريقة المختلفة التي نتبعها في المفاوضات”.

مضيفاً: “حيث وعلى عكس من سبقونا لم نحاول لعب دور الوسيط المحايد، بل نقف بثباتٍ وبسالة مع إسرائيل بشأن السياساتِ التي اتفقنا عليها معهم، موقنين أن ذلك سيعمل على تأمين مناخٍ مليء بالثقة مع الإسرائيليين”.

وتابع كوشنر: “ذكّرني توماس بقاعدته الأساسية حول المنطقة: “تحدث التغيّرات في الشرق الأوسط، عندما يتصرف كبار اللاعبين بشكل صحيح.. لأسباب خاطئة”.

وأردف بإصرار كبير، على “أننا إن لم نكن نخطط لعرض دولة للفلسطينيين فإن كل جهودنا ستذهب هباءً”.

كوشنر يلتقي السلطان قابوس بن سعيد

ويعدُّ قابوس الوريث الثاني عشر للملك المؤسس لدولة البوسعيد في عمان، كما أنه القائد الأطول حكمًا في المنطقة، والعضو المؤسس الوحيد في دول مجلس التعاون، الذي كان لا يزال على قيد الحياة في ذلك الوقت.

عمل قابوس خلال فترة حكمه التي استمرت نصف قرن تقريبًا، (بداية من 1970) على إصلاحات مهمة بوتيرة ممنهجة، حيث ألغى العبودية، واعترف بحق المرأة في التصويت، وعمل على إنشاء بنية تحتية حديثة، يقول التقرير.

وعمل سلطان عمان الراحل على تحويل بلاده من أرضٍ تعاني من الفقر والعزلة، إلى دولة ذات اقتصاد مزدهر ومتنوع، ما أكسب عمان احترام جيرانها.

وعلى غرار معظم الدول العربية، لم يكن لسلطنة عمان علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، لكن السلطان كان قد استضاف نتنياهو مؤخرًا في زيارة رسمية (زيارة بتاريخ 26 أكتوبر تشرين الأول 2018).

كانت تلك الزيارة خبرًا صادماً فاجأ مجتمع الاستخبارات الأمريكي، والذي فسّر هذه الخطوة على أنها مؤشر على نجاح جهودنا في تغيير الانطباعات في المنطقة، يقول كوشنر في مذكراته.

تحدث كوشنر عن انتظاره لما يقرب من ساعتين حضور السلطان قابوس، وأشار إلى شعوره الشديد بالجوع، بينما كان في أحد قاعات القصر ينتظر وصوله.

غرفة اجتماعات خالية من النوافذ

اُصْطُحِبنا إلى غرفة اجتماعات خالية من النوافذ، بجدران مغطاةٍ بألواح الماهوجني أوالكابِلي (نوع من الخشب الصلب) تصطف على جانبيها الكراسي.

حيّانا السلطان -وهو رجلٌ ضئيل الهيئةِ بلحية مشذبة بعناية وعمامةٍ ملكية- بحرارة ودفء.

عبّر كوشنر عن إعجابه الشديد بالسلطان الراحل قابوس، بدءاً من هيئته، وصولاً إلى عمق أفكاره وتصوراته للشرق الأوسط.

قابوس يُبدي موقفه من القضية الفلسطينية

“وعلى خلافِ معظم قادة المنطقة الذين يميلون إلى أن يكونوا حيويين ونشيطين وحتى عاطفيين، أدهشني هدوء شخصية السلطان، خصوصًا حينما أخبرني قصةً عن إقدام أحد جيرانه على قتله، ثم وببرود بالغ أوضح أنهم قاموا بحلّ المسألة، وأنه لا يحمل أي ضغينة الآن”، يقول كوشنر.

وتابع: “أدهشتني كثيرًا الطريقة التي روى بها القصة، لكن ربما لم يكن عليّ أن أندهش لهذا الحدَ، حيثُ كان قد انتصر في معاركه لأنه كان يختارها بالقدر اللازم من الحصافة والدهاء”.

“وكان -يقصد السلطان قابوس- يتقدم بخطواتٍ ثابتة وفق وتيرةٍ خاصة، كان يعرف نقاط قوته، ونقاط ضعفه، وكان يصبّ تركيزه دائمًا على المدى الطويل”.

استمر الحديث، وعند وصولنا للمسألة الفلسطينية، أعرب السلطان عن رأيه الذي كنت قد سمعته من غالبية الحكام في المنطقة.

إلا أنه نجح في تشخيص جوهر القضية بدقة ووضوح مثيرينِ للإعجاب، وهو: أن العنصر الأهم في طريق تحقيق السلام العربي الإسرائيلي، هو إمكانية الوصول للمسجد الأقصى في الحرم القدسي.

وذهب السلطان في رأيه إلى ما هو أبعد من آراء القادة الآخرين، حيث أعرب عن خيبة أمله من وسائل الإعلام العربية، التي تنشر منذ سنوات رواية مُضلّلة حول رغبة إسرائيل في تدمير المسجد الأقصى، يزعم كوشنر.

وأضاف في مزاعمه أن السلطان قابوس، قال له: “هذه الكذبة يصدّقها بشكل واسع عدد كبير من الدول الإسلامية، ولذلك يجب الوقوف عليها”.

كما أعرب بوضوح عن تعاطفه مع عبّاس، شارحاً كيف أن القادة العرب وعلى مدار سنوات، عملوا على تأجيج الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين لصرف الانتباه عن تقصيرهم المحلي، وكذلك لحشد الدعم الشعبي.

كان السلطان صريحًا بشأن الضغوطات العلنية التي مارستها الدول العربية على الفلسطينيين للوقوف في وجه إسرائيل، واصمينَ كلّ من لا يفعل ذلك بالخيانة.

القادة العرب والغرف المغلقة

ثم فاجأني باعترافه بأن كل هذه التصريحات العلنية كانت تتناقض مع ما يقوله القادة العرب في الغرف المغلقة، حيث توفر هذه الغرف أريحيةً للاعتراف بالمنافع التي جلبتها إسرائيل للمنطقة.

وتوقّّع أن النفاق لن ينتهي، إلا عندما يصرح القادة علانية بما يقولون في السر.

مع استمرار نقاشنا، ألقى السلطان بعض اللوم على عباس لعدم قدرته على إيجاد الحلول، الأمر الذي ساهم في إدامة الصراع.

وقال: “من المفترض أن نتعلم من التاريخ”، ثم أردف: “لكن لا يمكن العيش في التاريخ”.

رسالة نادرة بخط يد السلطان قابوس تكشف جانباً من شخصيته وحياته الخاصة

“العشاء مع نتنياهو”

هذه التصريحات، قادمةً من الحاكم الأطول حكمًا في العالم العربي، أعطتني الأمل في أن يدعم السلطان خطتنا للسلام، وبمزيد من التفاؤل بدا أن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أمرًٌ محتمَل في مسقط.

أخبرني بعدها عن استمتاعه بالعشاء مع بنيامين نتنياهو، وكيف أنه رأى فرصًا هائلة لعمان وجيرانها للتعاون مع إسرائيل، يزعم كوشنر.

بانتهائنا من إطلاع السلطان على الخطة، سألتُه عمّا إذا كان يعتقد أن لدينا فرصة لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

فردّ بحسب زعمه: “إن لم نبدأ فإننا لن ننجز أو نغير أي شيء. إمكانيات عبّاس محدودة، لكن قلبه في المكان السليم”.

ثُمَّ ظهرت ملامح الندم على وجه السلطان، وقال: “أشعر بالسوء لأجل الشعب الفلسطيني، إنهم يحملون عبء العالم الإسلامي على عاتقهم”.

انتهى الاجتماع بعد منتصف الليل، وبينما كنّا نهمّ بالمغادرة، سأل السلطان: “هل نأكل؟”

ويتابع كوشنر: “كانت سمعة السلطان أسطورية في استضافة حفلات عشاء أكثر رسميةً من تلك التي تقام في قصر باكنغهام، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا ليهيئنا لما هو قادم”.

حاولت تجنب الطعام غير المباح حسب التعاليم اليهودية، وتناولت قضمات صغيرة حتى أتمكن من الانتقال للوجبة التالية، بينما واصل السلطان شرح الآلية التي تسير عليها الأمور في المنطقة.

أظهر السلطان فهمًا دقيقًا للتاريخ، بينما كان يمتعنا بقصص الغزو والمكائد.

وكان عندما ينسى تاريخًا ما، ينظر إلى أحد وزرائه سائلاً: “هل كان ذلك عام 1942؟”، “لا، كان عام 1943″، ردّ الوزير بسرعة.

انتهاء اللقاء بعد 30 وجبة والتوجه إلى البحرين

بعد أربع ساعات وثلاثين وجبة لذيذة، انتهينا من تناول العشاء في الرابعة صباحًا.

كنت في أقصى سعادتي نظرًا للحوار المثمر والمناقشة المثيرة، فقد تمكّنت خلال 6 ساعات من بناء صداقة جديدة، والحصول على تصوّر جديد حول أكثر القضايا الدبلوماسية تعقيدًا حول العالم، وأشعرني كل هذا بأن شريكًا جديدًا قد انضمّ لخطة السلام.

بينما كان السلطان يرافقنا إلى الباب لتوديعنا، سأل عرضًا: “هل ترغبون بمشاهدة مجموعة سياراتي؟”

أجبت السلطان بعدما أشار لي مرافقي بأنهم متعبون: “من الأفضل ألّا نفعل ذلك اليوم.. لكنني أتطلع لمشاهدتها في زيارتي المقبلة”.

“كوشنر” يعترف: “ابن سلمان” سمح لي باستثمار أموال السعودية في شركات إسرائيلية (شاهد)

بمجرد أن أغلقت أبواب سيارتنا، التفتُّ إلى آفي وهوك بابتسامة، وقلت: “أردت أن أرى مجموعة السيارات.” فأجاب آفي : لقد “كانت تلك ثماني ساعات مرعبة.. لم ننم منذ ثلاثين ساعة، ورحلتنا إلى البحرين بعد أقل من أربع ساعات”.

وأضاف: “أثار ذلك تعاطفي، لكننا كنا قد قطعنا نصف العالم للقاء سلطان عمان وكان من الواضح أنّه قدّر صحبتنا حيث إنه أبقانا لوقت طويل برفقته”.

واستطرد: “كنت مستعدًا للتخلي عن بضع ساعاتٍ من النوم من أجل بناء ثقة أكبير بيننا وبين السلطان الأمر الذي سيمنحنا فرصةً أكبر لتحقيق السلام”.

علاوةً على كل هذا، لقد استمتعتُ شخصيًّا بكل دقيقةٍ من تلك الليلة، إذ متى ستتاح لنا فرصة كهذه للحديث طوال الليل مع سلطان عمان؟

اتضّح لاحقًا أن ذلك اللقاء كان الأخير، حيث توفي السلطان في يناير من عام 2020، عن عمر يناهز التاسعة والسبعين.

أثناء الرحلة إلى البحرين، لم أستطع التوقف عن التفكير في حديثي مع السلطان في الليلة الفائتة.

سطرٌ واحدٌ يتكرر في رأسي: “أشعر بالسوء لأجل الشعب الفلسطيني، إنهم يحملون عبء العالم الإسلامي على عاتقهم”.

جعلني ذلك أتساءل: “من الذي اختار محمود عبّاس ومجموعته غير الكفؤ من المفاوضين لتمثيل العالم العربي بأسره في قضية المسجد الأقصى”، يقول كوشنر.

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment