هالوين السعودية من التجريم إلى الترفيه.. محمد بن سلمان متهم بتمزيق المملكة

وطن– لا تزال مشاهد هالوين السعودية، التي أقيمت احتفالاً بعيد الهلع في المملكة ضمن فعاليات موسم الرياض، تثير الكثير من الجدل، كونَها تُظهر مدى التغير الذي لحق بالمملكة.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، نشرت تقريراً قالت فيه، إنه قبل بضع سنوات كان الاحتفال بعيد الهالوين يعني الاعتقال في السعودية، لكنّ الأمر تحوّل إلى “عطلة نهاية الأسبوع المرعبة”، التي ترعاها الحكومة.

عيد الهالوين كان يُنظَر إليه بشكل مختلف، على أنه عيد أجنبي وثنيّ، أو على أنه إثم وغريب وغير ضروري، في المملكة الإسلامية المحافظة.

مداهمة في 2018

في 2018، داهمت الشرطة حفلة عيد الهالوين واعتقلت أشخاصاً، ما جعل النساء اللواتي يرتدين الأزياء التنكرية يسارعن لتغطية أنفسهن ويهربن.

لكن هذا العام، بدت أجزاء من الرياض، وكأنها مخلوقات من منزل مسكون هربت واستولت على المدينة.

وكانت الوحوش والسحرة ولصوص البنوك وحتى الخادمات الفرنسيات المثيرات في كل مكان، متكئات من نوافذ السيارات ويتسكعن في المقاهي.

المملكة تتغير

“السعودية تتغير”.. هذا ما نقلته الصحيفة عن شاب سعودي يُدعى “ياسر الهزازي”.

كان هذا الشاب قد تخفّى بزي ساحر، وسط أضواء غريبة، وتوقف لضبط الشاش الملفوف على رأسه ووجهه والملطخ بلون الدم، ثم انحنى ابن عمه يحيى للمساعدة، ففكّ طرفاً فضفاضاً يتدلى على رداء قريبه الأبيض، ملطخاً ببصمة يد دامية، قبل أن يتجول الاثنان وسط حشد من الناس يلبسون قرون الشيطان وآذان الأرانب.

تغيرات مخيفة

هذا المشهد علامة صارخة ومخيفة بعض الشيء، على التغييرات التي مزقت السعودية، منذ أن بدأ ولي العهد محمد بن سلمان -الذي أصبح الآن وريث العرش ورئيس الوزراء- في الصعود إلى السلطة في عام 2015، وبدأ في التخلص من القيود الاجتماعية واحداً تلو الآخر، وفق الصحيفة.

وكان أبناء العم، جنباً إلى جنب مع الآلاف من الأشخاص الآخرين في العشرين من العمر في الرياض، الذين هُرعوا للوصول إلى محلات الأزياء في المدينة قبل بيعها بالكامل، سعداءَ بفرصة تخويف بعضهم البعض.

قال يحيى الهزازي: “إذا عدنا إلى ما كنا عليه الآن، فهذا لم يكن جزءا من عاداتنا وتقاليدنا”.

بينما كانت الموسيقى المخيفة تُعزف عبر مكبرات الصوت في بوليفارد الرياض، وهو مجمع مترامي الأطراف من المحلات التجارية والأروقة والمطاعم، افتُتح في عام 2019 كجزء من مساعي الحكومة لتوفير الترفيه. “نحن نحب اكتشاف أشياء جديدة”.

تضيف الصحيفة: “هذه السعودية، حيث يسود الغموض الاستراتيجي حيث تجتاح التغييرات الاجتماعية جميع أنحاء البلاد، لم يكن الحدث الذي ترعاه الحكومة، بالمعنى الدقيق للكلمة، مهرجانا للهالوين”.

بدلاً من ذلك، تمّ الترويج لها على أنها عطلة نهاية أسبوع مرعبة، والتي تتزامن بشكل ملائم مع عطلة نهاية الأسبوع التي تسبق عيد الهالوين.

مثّل العديد من أولئك الذين احتشدوا في المجمع الترفيهي ليلة الخميس، ما أدى إلى ازدحام الحي المجاور، وسدّ الطريق، وجعل البحث عن موقف للسيارة لا جدوًى منه، أراد أبناء العم من عائلة الهزازي أزياءً تجذب الانتباه.

نفّذَ الشابان زي المومياء المؤقتة الخاصة بهم باستخدام الشاش الطبي الذي اشتروه من الصيدلية، وللحصول على لون الدم صبّوا عليه شراب التوت (فيمتو).

ومع توجّههما للداخل، أصبحت الأضواء الحمراء مزاجاً غامضاً، وزيّنت الشجيرات أنسجة العنكبوت.

تذكر الصحيفة: “ملأ الرجال والنساء والأطفال ساحة شبيهة بساحة تايمز سكوير، والتقطوا الصور أمام شعار ديور يلتهمون البطاطس المقلية في مطعم ماكدونالدز”.

وفي جزء آخر من المدينة، امتدّ خطٌّ من الغيلان والعفاريت إلى أسفل المبنى خارج متجر للحفلات، يبيع الكثير من أزياء الهالوين، لدرجة أن الموظفين بالكاد يستطيعون إعادة ملء الرفوف بالسرعة الكافية، وموسيقى المتجر يمكن أن تسمع من بابه، الذي يحرسه حارس يرتدي حلة سوداء.

نقلت الصحيفة عن عبد العزيز خالد (23 عاماً)، طالب تجارة في انتظار دوره في الصف: “السعودية تتغير”.

وقال، وهو يتحول بسلاسة بين اللغتين العربية والإنجليزية، إنه يرتدي ملابس ساحر هذا العام.

في انتظاره، أرادت ريما الجابر، البالغة من العمر 23 عاماً، والتي لديها غرة شقراء بلون الكراميل، أن تذهب كملاك بأجنحة بيضاء للاحتفال في منزل إحدى الصديقات.

قالت ريما: “يمكن أن أكون ملاكا أسود. علينا أن نرى ما لديهم من أزياء”.

مثل معظم السعوديين، لم تحتفل الجابر مطلقاً بعيد الهالوين، رغم أنها شاهدته في الأفلام.

في السابق، تم حظر السحر والشعوذة مع محاكمة بعض الممارسين المتهمين، وقطع رؤوسهم من قبل الدولة، وكان الاحتفال بأعياد غير إسلامية -مثل: عيد الحب وعيد الميلاد وعيد الهالوين- من المحرمات.

كانت السعودية تمنع النساء من القيادة، وكان يُطلب منهن ارتداء عباءات طويلة على الأرض تسمى العبايات في الأماكن العامة، وتلتجئ بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصراخ في وجههن لتغطية شعرهن ووجههن.

تطلّبَ عدد لا يحصى من قرارات الحياة موافقةَ ولي الأمر الذكر، وتم فرض الفصل بين الجنسين في المكاتب والمقاهي والعديد من الأماكن الأخرى، وكان تشغيل الموسيقى في الأماكن العامة محظوراً تقريباً.

وفي 2016، أعلن الأمير محمد بن سلمان عن خطة تنويع اقتصادي، دعت إلى تحويل المملكة إلى قوة استثمارية ومركز أعمال عالمي.

فقدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطتها في إجراء الاعتقالات، ما جعلها في الغالب من دون أسنان، وسُمح للنساء بقيادة السيارات، وتمّ التراجع عن العديد من قيود نظام ولاية الرجل، على الرغم من بقاء قيود أخرى.

ولي العهد بدأَ أيضاً حملةً لتطوير خيارات الترفيه، كقطاع اقتصادي جديد بعيداً عن النفط.

يقول العديد من الـ 58% من السعوديين الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً، إنهم كانوا يتوقون للترفيه قبل التغييرات.

وفتحت دور السينما أبوابَها لأول مرة منذ عقود، وسيطرت سلسلة من الاحتفالات التي ترعاها الحكومة على المملكة، أكبرها هو “موسم الرياض” المستمر، وهو سلسلة امتدت لأشهر، وستتوج بدي جي خالد وبرونو مارز بأداء في حفلة صاخبة في الصحراء.

تقول الصحيفة: “تركت التغييرات بعض السعوديين في حالة من الذهول والبعض الآخر غاضبا أو مهموما، حيث لا يمكن التعرف على البلاد تقريبا للأجانب والمواطنين على حد سواء”.

ترافق تخفيف بعض القيود الاجتماعية أيضاً مع زيادة ملحوظة في القمع السياسي، مع حملة قمع ضد المعارضة المحلية أدت إلى سجن مئات الكتاب والنشطاء وأصحاب النفوذ على “سناب شات”، إلى جانب المليارديرات ورجال الدين وأفراد العائلة المالكة.

واستخدمت الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، مزيجاً من التلاعب والسيطرة، مما أدى إلى خطاب موحد بشكل متزايد يُبجّل ولي العهد وخطته: “رؤية 2030”.

وفي السر، يشكو بعض السعوديين من أن الدفع نحو الترفيه يبدو وكأنه إلهاء عن التحديات الاقتصادية، مثل: ارتفاع معدل البطالة بين الشباب، والتحديات السياسية، مثل: الافتقار إلى حرية التعبير.

تعقب الصحيفة: “الجو الفوضوي الشبيه بالكرنفال الذي يُسمح له بالاندلاع لفترة وجيزة في مناسبات مثل العيد الوطني السعودي والآن يتم تعبئة زجاجات الهالوين مرة أخرى بسرعة، لكن أي عذر للاسترخاء أمر مرحب به لدى الكثير من الشباب”.

ويبدو أن احتفالات عيد الهالوين العامة في نهاية هذا الأسبوع، وهي السنة الثانية التي تقام فيها، تجتذب عدداً أكبر من البالغين أكثر من الأطفال.

بدا أن بعض المحتفلين في الرياض بوليفارد سيتي لديهم فكرة غامضة عن ماهية الهالوين، وقد جاؤوا ببساطة للاستمتاع بالجو.

Exit mobile version