تقديرات المرحلة القادمة: صعود ترامب و”انهيار” المجتمع الأمريكي

يبدو واضحا بعد سلسلة من الانتصارات التي حققها المرشح الجمهوري، الأوفر حظا، دونالد ترامب، أنه في الطريق لأن يكون مرشح الجمهوريين القادم، وفقا لتقديرات متابعين.

 

ولم تنجح محاولات الحزب الجمهوري حتى الآن في وقف عجلة تقدم ترامب في الانتخابات التمهيدية وحتى في استطلاع الرأي القومية والشعبية. ولم يؤثر هجوم المرشح الجمهوري السابق لانتخابات عام 2012 ميت رومني على ترامب ووصفه بالمجنون والمزيف على موقعه في استطلاعات الرأي إلى تقدمه على منافسيه الجمهوريين. وحتى في المناوشات التي حدثت في حملاته الانتخابية والاعتداء على المناهضين له لم تغير على خيارات الناخبين له.

 

وكما يرى مايكل توماسكي في مجلة “نيويورك ريفيو أوف بوكس”، فإن كل جدال أو مواجهة يخوضها “تثبت لمؤيديه أن ترامب يتحدى وبهين المؤسسة وهم يحبونه بسبب هذا” و”يكذب كل يوم وحتى كل ساعة ومن دون خوف من العقاب”. ويرى “توماسكي” أن حركة ترامب تنطوي على ملامح من الفاشية على الأقل من ناحية النبرة والأثر، فهو وإن لم يدع إلى ديكتاتورية الحزب الواحد إلا أنه أظهر استعداداً لاستخدام القوة ضد معارضيه وعبر عن استعداد للتعبير عن العنصرية والقومية والقوة العسكرية بالمعنى الحقيقي.

 

كما إن الحماس الذي يزرعه ترامب في أتباعه مثير للخوف، فبعد الشغب الذي اندلع عندما كان ترامب يحضر لإلقاء خطاب في شيكاغو، بدأ عدد من مؤيدي ترامب بالحديث على التويتر عن رغبة ببناء جيش خاص “لحماية” مرشحهم من جماعات العنف المزعومة التي تخطط للهجوم عليه.

 

ورغم قبح ورداءة الحملة الانتخابية التي يخوضها رجل الأعمال وأتباعه إلا أن أحداً لم يستطع حتى الآن وقف قطاره. فقد تساقط منافسوه واحداً بعد الآخر. ولم يعد لمؤسسة الحزب الجمهوري أي صوت تعول عليه، خرج جيب بوش وكريس كريستي وروبيو ريكو. ولم يبق إلا تيد كروز الذي لا يختلف في خطابه عن ترامب. فالأخير دعا لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة ليدعو كروز في الشهر الماضي لحراسة الأحياء الأمريكية المسلمة قبل أن يصل إليها التشدد. ولم يعد من قائمة المرشحين أمامه سوى كروز وجون كاسيت، حاكم أوهايو، وقد تظل الصورة كما هي حتى الانتخابات الرئيسية للحزب في الصيف المقبل. وعليه، فمن المؤكد أن يواجه الحزب أزمة كبيرة، وهناك احتمالات اندلاع حرب أهلية.

 

كما لم تنجح حملات بعض رموز الحزب في توجيه ضربة قاضية لحظوظ ترامب. وكما يقول توماسكي فإنه يسمع من قادة الجمهوريين منذ نوفمبر الماضي، عن خطط لحملة إعلامية تضرب ترامب. ولم ينتج شيء بسبب الخلافات بين الحزب حول المرشح الأفضل الواجب دعمه. فالحزب الجمهوري غير قادر على مواجهة مسألة العنصرية. ويمثل صعود ترامب أزمة وجودية بالنسبة للجمهوريين. فمحاولات متعجلة لتفريخ مرشح جمهوري محافظ ستكون لها تداعيات على مصير الحزب. وفي ظل ميل عدد من رموز الجمهوريين نحو ترشيح ترامب باعتباره مرشح الأمر الواقع، فالمسألة تعبر عن معضلة كبيرة تحتاج إلى تفكير عميق قبل أن تحل ساعة الحقيقة.

 

وعلى العموم، فظاهرة ترامب ليست جديدة على سباقات الرئاسة الأمريكية، كما أشارت صحيفة أوبزيرفر في افتتاحيتها الشهر الماضي، ذلك أننا لو جردنا حملة رجل الأعمال من خطابها المعادي للمسلمين والهسبانو ودعوته لبناء جدار على حدود المكسيك، فما يتحدث عنه لا يختلف عن حملة المرشحين بات كونان وروس بيرو في التسعينيات من القرن الماضي.

 

وكون ترامب لا خبرة سياسية له لا تمنعه من الفوز في الانتخابات، فهو مثل غيره من الشعبويين السياسيين عادة ما يجذبون أبناء الطبقة العاملة ممن لم يتلقوا تعليما جيدا والمسيحيين البروتستانت.

 

لكن، يبقى التساؤل المحير عن أسباب السخط التي تدفع الناس للمضي وراء الخطاب الشعبوي؟ هل هي نابعة من النخبة السياسية في واشنطن المنعزلة والبعيدة عن واقع الناس؟ أم إنها متعلقة بأمر أعمق وأكثر خطورة؟ ولعل الأمر متعلق على ما يبدو بخوف الأمريكيين على مكان بلدهم في العالم.

 

ولا يمكن فصل القلق حول موقع أمريكا في العالم عن التحولات التي شهدها المجتمع الأمريكي في العقود الماضية، والتي كانت أوضح صورها انتخاب أول رئيس أمريكي أسود عام 2008. ولا تزال التحولات جارية، حيث اختفت القيم التي تسيدت صورة أمريكا والمستلهمة من القيم الألمانية عن البيت والكنيسة والوطن. ولا يستطيع أحد في أمريكا اليوم تجاهل القوة التي يمثلها الهسبانو أو الأمريكيون السود. وأصبحت أمريكا أكثر تنوعا دينياً وعرقياً وسياسيا. والمثير أن أسطورة “بوتقة الصهر” التي لم توجد أصلاً أصبحت اليوم واقعاً وحقيقة. فالمسألة لم تعد محصورة في اختيار كلينتون أو ترامب، بل بكيفية إدارة التغيير ومن يقوم به.

 

وهناك مسألة أخرى لها علاقة بخوف المحافظين الذين ظلوا يتعاملون مع البلد وكأنه بلدهم “هم”، وهي مخاوف واضحة لدى الليبراليين الذين ينظرون بقلق إلى مسار البلد. وفي المحصلة يجد المحافظون في الهجوم على فكرة التصحيح السياسي، أي المثليين والسود والمهاجرين، فرصة للتعبير عن غضبهم.

 

ومن هنا، عبَر ترامب بنباهته عن هذه المشاعر وقدمها للخائفين على مكانتهم بلغة بسيطة وشعبوية. فالمسألة لترامب وفريقه ليست، في النهاية، عن الإرهاب أو الإجهاض ولا عن الضريبة، ولكن عن الذين يخافون من ضياع مكانتهم بسبب المنافسة.

 

وكما علق المفكر نعوم تشومسكي في مقابلة، فالسبب في صعود ظاهرة ترامب وغيره يعود إلى الخوف وتحطم المجتمع الأمريكي فيما سماها المرحلة الليبرالية الجديدة. وقال: “يشعر الناس بالعزلة والعجز وأنهم ضحية لقوى مؤثرة لا يفهمونها ولا يستطيعون التأثير فيها”، مضيفا: “ومن السهل مقارنة الوضع مع الثلاثينيات من القرن العشرين، والتي أتذكرها، ومع ذلك كان لدى الناس الفقراء والعاطلين عن العمل حس بالأمل نفتقده اليوم، والسبب هو نمو الحركات العمالية المتطرفة ووجود منظمات سياسية خارج التيار الرئيس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى