الأميرة العمانية التي عشقت وحملت من ألماني وتنصرت ثم هربت بسفينة بريطانية وعادت ببارجة حربية ألمانية احتلت جزءاً من زنجبار!
وطن- بعد وفاة سلطان عمان سعيد بن سلطان البوسعيدي عام ١٨٥٦، والذي ترك إمبراطورية مترامية الأطراف ضمّت مع عمان جزءاً من إفريقيا وآسيا وجزءاً من بلاد فارس، دخل الصراع أشدّه بين ورثته، فكان القتل والانقلابات ومحاولات الانقلاب والانقسامات عنوانَ تلك الفترة، فكلّ واحد منهم يحاول أن يحصل على النصيب الأكبر من هذا الإرث الواسع.
أدّت هذه المرحلة إلى مذابح وتفكك أسري وتشريد بحق الأسرة، فأميرات هربنَ إلى الهند ومناطق أخرى، ومنهن من اتُّهمن في أعراضهن، ومنهن من هربن بحياتهن من الجحيم الذي كان يجري، فقد هربت زوجة ثويني بن سلطان بعد الانقلاب على عرش ابنها سالم بن ثويني على ظهر سفينة، وباعت بعض مجوهراتها لأحد التجار الهنود كي تأكل.
وحتى أن والدة الأميرة -بطلة موضوعنا- قتلت بالسم؛ وإن ذكرت ابنتها في مذكراتها أنّ والدتها ماتت بالكوليرا.
فأميرتنا هذه كانت من ضحايا الطمع وصراع كرسي الحكم، ولكن كل هذا لا يبرر لها الانتقام الذي فعلته فيما بعد.
فكانت الأميرة سالمة بنت سعيد في الطرف الآخر من ممتلكات عمان؛ زنجبار، حيث وقفت مع أخيها برغش في محاولة الانقلاب على أخيه حاكم زنجبار آنذاك ماجد، ولكن بعد فشل الانقلاب اضطر برغش للهروب للهند بمساعدة بريطانيا، والتي -نفسها- نفّذت قصف قصره عقاباً له على محاولة الانقلاب.
بقيت الأميرة في زنجبار دون أن يتعرض لها اخوها الحاكم ماجد، ولكنها تعرّضت للتجاهل والإبعاد، مما أدى الى أن تقع في براثن شاب ألماني يُدعى رودولف روته، والذي كان يعمل مندوباً لإحدى الشركات الألمانية في زنجبار، وربما عمله كان “غطاءً”! كديدن معظم تجار أوروبا في تلك البقاع، فأحبته، وحين حملت منه وظهر حملها، قرر أخوها الحاكم ماجد التخلص منها، فهربت إلى عدن بمساعدة زوجة القنصل البريطاني عام ١٨٦٧، حيث أمّنتها السلطات البريطانية لدى أسرة أوروبية في عدن، لتنتظر عشيقها من أجل الزواج.
حُجز عشيقها الالماني روته لفترة في زنجبار، ثم التحق بها، حيث تزوجا في إحدى الكنائس، وغيّرت اسمها إلى إيملي روته، ومن ثم غادرا إلى ألمانيا.
مصور عماني يبرز جمال زوجة السلطان عهد البوسعيدي بلقطة خاصة
في ألمانيا وبعد ٣ سنوات، توفي زوجها رودولف في حادث سير، تاركاً لها قسوة الحياة مع ٣ أطفال.
ففي نفس الوقت حرمتها أسرة زوجها من ممتلكاته فعانت طويلاً، مما اضطرها لأن تعمل مدرّسة، وأن تكتب سيرتها كي تعتاش مع أطفالها، ثم طلبت من أخيها “برغش” الذي سبق وأن وقفت معه ضد أخيها ماجد الحاكم السابق، فبعد وفاة ماجد أعادت السلطات البريطانية برغش من الهند ليحكم مكان أخيه، ولكن حال الحاكم الجديد اختلف حتماً مع اأخته بعد العار الذي ألحقته بالأسرة.
وعندما قرّر بسمارك مستشار ألمانيا آنذاك دخولَ المنافسة مع القوى العالمية الاستعمارية للسيطرة على شرق إفريقيا، عاد وتذكّر مطالبات هذه الأميرة لحكومته في السابق، وتمت دراستها للنظر في كيف ستسخدم هذه المصالح لصالح الألمان، فقد كانت الأميرة تسعى دوماً فيها لاستعادة عرش زنجبار من أخوتها، لذا استخدمت هذه الأميرة من أجل السيطرة على زنجبار لصالح الألمان، على أن يكون ابنها سعيد سلطاناً عليها.
وبالفعل، غادرت الأميرة سالمة ألمانيا على متن بارجة ألمانية حربية، واستطاعت دخول زنجبار بأمان، لكنّ تفاهماً بريطانياً ألمانياً جرى بحيث تحصل ألمانيا على بعض الحقوق في زنجبار أو موطئ قدم، والذي أدى فيما بعد لسيطرتها على تانجنيقا عام ١٨٩٠، حيث تقاسمت بريطانيا وألمانيا المنطقة؛ لبريطانيا زنجبار، ولألمانيا تانجنيقا.
السيدة الجليلة.. إطلالة جديدة ورسالة مؤثرة بمناسبة يوم المرأة العمانية(شاهد)
لم تستفد الأميرة من هذه الفريسة التي استولى عليها وحوش الاستعمار سوى لقرون؛ بل وقرون عفنة، فقد استمرت معاناتها وخلافاتها مع أخيها وإن حصلت على بعض الحقوق.
فبعد الاتفاق الألماني البريطاني، أجبرت بريطانيا أخاها برغش على إعادت بعض ميراثها، وتنقّلت بين فلسطين ولبنان، ثم عادت إلى ألمانيا، حيث ماتت.
توزّع أولادها وأحفادها في أمريكا وبريطانيا، في العشرينات من القرن الماضي حين قدِم ابنها سعيد للحصول على الجواز البريطاني، قدم له في القدس حيث كان يقيم. ولله الأمر من قبل وبعد.