وطن– في الدائرة الضيقة لرأس النظام السوري بشار الأسد، تتواجد العديد من النساء اللواتي كان لكل منهن دور متغاير عن الأخرى في التأثير على دفة الأحداث في سوريا وتأزيم ما هو مأزم في الأساس، وعلى قرارات الأسد.
ويأتي ذلك بدءاً من زوجته أسماء الأسد التي وصفتها الصحافة الغربية بـ”الوجه الأنثوي لديكتاتورية الأسد”، ومروراً بنجاح العطار وزيرة الثقافة المزمنة السابقة في سوريا وأحد وجوه ما يُعرف بالـحرس القديم، وكذلك مستشارة الأسد الأب والأبن.
أسماء الأسد واحدة من أسوأ المستفيدين من الحرب
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون، أن الأدوار العلنية لأسماء الأسد كانت بمثابة دعاية وإنسانية زائفة، لكن من المفهوم على نطاق واسع أنها كانت أكثر مشاركة في القرارات السياسية لزوجها.
كما أنها عززت صورة النظام، وغذّت دعاية النظام التي تظهرها هي وزوجها بشار على أنهما “سوريان وطنيان” مستوحيان من الإنسانية وواجبهما في خدمة شعبهما، كما قال مدير المناصرة في حملة سوريا التي تتخذ من واشنطن مقراً لها “كنعان رحماني” لموقع “فوكس نيوز“. ووصفت الحكومة الأمريكية أسماء، بأنها واحدة من “أسوأ المستفيدين من الحرب” في سوريا.
من مدينة الضباب إلى قصر الأسد
ولدت أسماء الأخرس في لندن عام 1975. وهي الابنة الوحيدة لطبيب أمراض القلب فواز الأخرس، وأمها دبلوماسية سورية هي “سحر العطري”، وهي للمفارقة شقيقة رئيس الوزراء السوري السابق “محمد ناجي العطري”.
وكان يشار إليها باسم “إيما” من قبل أصدقائها، وتخرجت آنذاك في كلية كينجز في 1996، لتحصل على درجة البكالوريوس في الأدب الفرنسي وعلوم الكمبيوتر قبل الدخول في عالم الخدمات المصرفية الاستثمارية.
ولكن في الوقت الذي كانت تستعد فيه للحصول على ماجستير إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، عاودت التواصل مع بشار الأسد الذي التقت به قبل سنوات، وتزوجا في حفل سري في دمشق في ديسمبر 2000.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2000، وبعد 5 أشهر من وراثة بشار الأسد لرئاسة الجمهورية عن والده “حافظ الأسد”، أصبحت أسماء الأخرس رسمياً الواجهة النسائية لسوريا. ولكنها لم تحظَ بلقب السيدة الأسد الذي استمرت “والدة بشار الأسد” أنيسة مخلوف” في الحفاظ عليه، وهي التي لم تكن ترغب بزواج ابنها من أسماء الأسد، وظلت الثانية واجهة نظام القمع السوري والمدافعة عنه في كل المحافل.
إيحاءات جنسية
في الأشهر الأولى من الانتفاضة، لم تُجرِ أسماء أيّ مقابلات وظهرت بشكل علني لمرات قليلة. ثم في أوائل عام 2012، جمّد الاتحاد الأوروبي أصولها وفرض عليها حظرًا على دخول المملكة المتحدة مسقط رأسها، وبالتالي كانت موضوع حملات ودعوات عديدة لوزارة الداخلية البريطانية لسحب جنسيتها.
وفي العام ذاته، بدأت الشائعات عن الاضطرابات الزوجية في الانتشار. وتم تسريب رسائل بريد إلكتروني تتضمن إيحاءات جنسية بين بشار وعشرات النساء الأخريات إلى الصحافة.
ويقال إن أسماء استخدمت هذا لصالحها للتوسط في دور أكثر أهمية في حظيرة دمشق، مما عزز صعودها إلى السلطة وزيادة مكانتها العامة، ومن النساء المتورطات في هذه الرسائل “شهرزاد الجعفري” ابنة سفير النظام لدى الأمم المتحدة “بشار الجعفري”، الذي تلقبه الصحف الغربية بـ”صاحب الشارب المبلول”.
وتقول “شيري” -كما يلقبها المقربون- إن والدها يعلم بعلاقتها مع بشار، وهي حسب مذهبهم ومعتقدهم حلال حلال -المعتقد العلوي- بل إن أسماء زوجة الرئيس نفسها تعلم بالعلاقة، وهو ما نقلها الى أن تصبح ضمن الدائرة الأولى المحيطة به، وصاحبة قرار داخل القصر.
لقاء مجلة فوغ
وكانت أسماء الزوجة القادمة من بلاد الضباب قد أعجبت بشهرزاد، التي رتبت الأخيرة للأولى لقاءً صحافياً مع مجلة (فوغ) في مارس 2011، وتم تشبيهها فيه بـ”زهرة الصحراء” بعد أن بدأ مسلسل قتل الشعب السوري، فطلبت من بشار تعيينها في القصر مستشارة إعلامية. وبدأت بعد ذلك حملة تلميع الرئيس لدى الصحافة والشعب الأمريكيين.
ومن مواقف شهرزاد الجعفري المثيرة للاستغراب محاولتُها مع لونا الشبل، تضخيم الجماعات المسلحة المعارضة للنظام، لوضع حدٍّ لها حسب ادعائهما، بأن يكون النظام جزءاً من الحل. هذا يعني: إما بشار وإما دمار سوريا، معلّلةً ذلك بأنّ النفسية الأمريكية يمكن التلاعب بها حين تسمع بوجود مثل هذه الجماعات المسلحة، وهي الذريعة التي لم يكفِ والدها عن التشدق بها تحت أروقة الأمم المتحدة في دفاعه عن نظام الأسد الدموي.
غيرة النساء
وتقول المذيعة التلفزيونية الأمريكية “باربرا والترز”، التي رحلت منذ أسابيع، لصحيفة “دايلى تلغراف”، إن مَن اقترح على الرئيس السوري فكرة أعمال القمع والعنف الذى يمارسها النظام ضد الثوار وأبناء الشعب السوري، ثم نسبها إلى الإرهاب والبلطجية هي شهرزاد الجعفري.
وبالفعل أخذ الأسد بنصيحة سيدة القصر، وأصبح فى كل تصريحاته وخطبه يرهب الشعب من الثوار ويصورهم على أنهم بلطجية مأجورين من جهات إرهابية لتدمير سوريا داخلياً.
ورغم ما يتردّد من عشق وحب بشار الأسد لزوجته السرية، فإنه تم إخراجها من القصر وإرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حتى تكون بعيدة عن الصورة والمشهد في سوريا وبالذات بعد تسرّب أخبار عن العلاقة بين الاثنين، والتي وصلت إلى أسماء الأسد.
كما تردّدت معلومات آنذاك، أنّ مَن كان وراء إرسال شهرزاد إلى أمريكا هي غيرة زوجة بشار بعد ما سمعته عن شكل العلاقة بين زوجها ومستشارته الإعلامية، خاصة مع تبادل الاثنين لرسائل الحب والغرام وإرسال بشار الأسد لها العديد من مقاطع الأغاني الرومانسية على بريدها الشخصي.
لونا الشبل وموجة العداء للثورة
إلى جانب شهرزاد الجعفري، لعبت “لونا الشبل” الدرزية التي تنحدر من مدينة السويداء، دوراً لا يقل إفساداً عن دور شهرزاد، وتعد واحدة من أبرز المدافعات عن نظام بشار الأسد.
وكانت لونا الشبل تعمل مذيعة في قناة الجزيرة سابقًا، وتركت كل شيء بعد اندلاع الثورة السورية وعجلت للوقوف إلى جانب النظام السوري، ثم تولت مباشرة منصب رئاسة مكتب الإعلام والتواصل في الرئاسة السورية، كي تتمكن من تقديم الاستشارة الإعلامية للأسد الخاصة بمسار أحداث الثورة.
وسرعان ما اجتهدت في تقييم تصرفاته وتصريحاته من أجل دعم روايات النظام الأسدي، فهي كما يقول أحد الصحفيين الأجانب: “لاعب خطير، وهي تتحدث مع الأسد مرات عدة في اليوم”، لذلك لم يتردد الأسد في إرسالها منذ سنوات للمشاركة في مؤتمر “جنيف- 2″، في مدينة مونترو السويسرية مع وفد النظام السوري.
وبحسب سفير سابق للنظام، ركبت “لونا الشبل” موجة العداء للثورة ليس قناعة بل مصلحة، وما إن دخلت حتى تربعت مكان الصدارة في نفس بشار، وأصبحت من عصابة مغامراته النسائية. فهي ذات الوجه الصبوح والجسم النصوح مقابل تلك الزوجة التي تربت في مدينة الضباب، وكان جل أحلامها أن تكون عارضة أزياء.
وأضاف أن “الفرصة جاءت لزوجة الإعلامي اللبناني السابق “سامي كليب” لتتقمص هذا الدور، ولكن من برج عاجي، وكيف لبشار أن يقارن الأخيرة التي لو تبارى جميع جزاري حلب المهرة … لن يستطيعوا أن يجرموا منها ولا كيلو لحم كبده أو كباب”. حسب تعبيره.
فساد في العلن والخفاء
واعتادت لونا الشبل في سياق دفاعها عن سياسات بشار الأسد التي دمرت البلاد وأفقرت العباد، دعوة السوريين إلى الصبر وشد البطون والتناظر بالصمود، بينما ترتدي أغلى الماركات العالمية.
وفي يونيو الماضي، تداولت وسائل إعلام كثيرة خبر افتتاح لونا الشبل لمطعم “كراي ناش”، أي “بلادنا” باللغة الروسية، الذي يعد أغلى وأفخم المطاعم في قلب العاصمة دمشق.
ويقدم المطعم الواقع على “أوستراد المزة” مقابل وزارة المواصلات، وجبات على الطريقة الروسية لم يسمع بها السوريون لا قبل الحرب ولا بعدها، وتبلغ قيمة أرخص وجبة فيه 100 ألف ليرة سورية، وهو ما يعادل نحو راتب للموظف الحكومي لدى نظام الأسد، في وقت يعاني فيه سكان دمشق من الفاقة والعوز ويقف الناس في طوابير الخبز لساعات.
ومن كواليس فساد لونا الشبل، هو تأمين المقابلات الإعلامية لبشار مع بعض وسائل الإعلام الدولية والفضائيات لتلميع صورته، ومن المفيد هنا الإفصاح عن أن ثمن السمسرة لمثل تلك المقابلات تتجاوز المليون دولار؛ حيث كانت مثل هذه الأمور من اختصاص بثينة واقتنصتها منها، ومن يعمل في وزارة الإعلام السورية يعلم بالتسعيرة لتأمين التوسط لدى مسؤولي النظام والسمسرة لمثل تلك المقابلات.
وتعد أبرز هذه المقابلات هي مقابلة الصحافي الأمريكي “تشارلي روز” من قناة “سي بي إس” الأمريكية، كانت هذه المقابلة عقب الهجوم بالسلاح الكيماوي في ٢١ أغسطس 2012، أدى لمقتل أكثر من ١٨٠٠ شخص من المدنيين معظمهم من الأطفال، إذ نسقت الشبل جيدًا لكي تخرج هذه المقابلة، وهي أيضًا تقدم الاقتراحات بشأن تحسين صورة هذا النظام، كأن تقترح أن “يصدر النائب الذي لم تسمه بيانًا مصورًا أو على الأقل مكتوبًا يرفض فيه كل ما صدر عن الجامعة العربية، أو تقترح ترتيب زيارة الأسد إلى مكان ما وتنصح بتوحيد الحشود لاستقبال الأسد في مكان واحد لتظهر بشكل أقوى، أو تقترح طريقة ما لظهور مناسب، وما الذي يجب عليه أن يقوله الأسد أو يشير به.
بثينة شعبان من مستشارة إلى مترجمة
وتعدّ “بثينة شعبان” ابنة قرية المسعودية بريف حمص الغربي، وتنتمي للطائفة العلوية كما هم كبار مسؤولي قصر بشار الأسد، واحدة من وجوه الحرس القديم؛ حيث عملت لسنوات طويلة لدى والده مترجمةً، كونها حاصلة على شهادة الدكتوراه في اللغة الإنجليزية.
ولولائها الشديد للنظام السوري، اختارها بشار الأسد لتكون من أبرز الشخصيات المقربة منه، فهي مستشارته السياسية والإعلامية، ولأنها لا تطمح إلى السلطة كما يظن الأسد فهي إحدى الشخصيات الأقرب له، تراه على الأقل أربع مرات أسبوعيًّا إن لم تكن حاجة لأن تراه كل يوم.
وتصرّ شعبان التي تجاوزت الخامسة والستين عامًا، على دعم الأسد، ويعد هدفها الرئيس هو بقاء الرئيس في الحكم بسوريا بدوافع طائفية، لذلك لا تترك مناسبة إلا تصرح بما يتوافق مع هوى النظام السوري، وقد أعربت عن ارتياح سوريا عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني بين طهران ودول الغرب، وقالت: “إنّ إيران وبعد هذا الاتفاق ستلعب دورًا إيجابيًا في الشرق والغرب لإحلال السلام في المنطقة والعالم”.
وأدت شعبان -وهي زوجة دكتور عراقي يدعى “خليل جواد”- دورًا هامًا في استعطاف الغرب لصالح نظام بشار الأسد، مستغلّةً العديد من الأوراق ومنها الأقليات، واعتادت على التمثيل والبكاء وهي تتحدث عنها قائلة: “ألا يخشى الغرب المسيحي على مصير المسيحيين في سوريا”، أو تقول خلال حوارها مع صحيفة “لوموند” الفرنسية: “لماذا تفضلون الإرهابيين على الحكومة السورية؟ لماذا لا يتهم الغرب بالمنظمات الإرهابية مثل: “داعش” و”جبهة النصرة” الموالية للقاعدة آنذاك”.
ولم تتوانَ شعبان عن فعل أي شيء من أجل تبييض وجه الحكومة السورية، كأن تدّعي أن صور 55 ألف جثة لضحايا تعذيب النظام السوري، هي صور قامت قناة الجزيرة بفبركتها، أو أن عدم وصول المساعدات الإنسانية للمحاصرين في القرى السورية يقف خلفه المعارضة السورية.
ولكنّ المضحك ادعاءاتها بعد وقوع مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقي بدمشق، التي وقعت في 21 أغسطس/آب، وراح ضحيتها 1400 شخص بحسب التقديرات الأمريكية، أنّ المسؤول عن ذلك المعارضة التي قامت بخطف الأطفال والرجال من قرى اللاذقية وأحضرتهم إلى الغوطة، وقامت بوضعهم في مكان واحد واستخدمت ضدهم الأسلحة الكيماوية، زاعمة أن ضحايا المجزرة هم من الطائفة العلوية لانتمائهم إلى قرى اللاذقية العلوية.
ويبدو التصريح غريباً، خصوصاً أن المسافة بين تلك القرى التي تتحدث عنها شعبان وبين دمشق لا تقل عن 400 كم، وإذا افترضنا أن الحواجز المنتشرة في جميع طرق سوريا لن توقف تلك الباصات التي حملت الأطفال والرجال “المخطوفين” من قرى اللاذقية إلى غوطة دمشق، فإن الفترة الزمنية اللازمة للوصول لن تقل عن 5 ساعات.