وطن- كان من أسوأ البشر، وأحط مَن حكموا جزءاً من بلاد المغرب، لطّخ تاريخ المغرب ببقعة غاية في السواد.
أنه التهامي الكلاوي الذي حكم مراكش ما بين عامي ١٩٢٧ – ١٩٥٥، متقرّباً للفرنسيين وذليلاً لهم وتحت حمايتهم، في الوقت الذي أجرم فيه بحق أهل المغرب، فكان يد فرنسا التي نالت من كل مقاوم أو من يعترض على سلطانه على مراكش.
وبلغت عمالته أن ينكسر لكلّ من يدفع، فلم يتوقف الأمر على الفرنسيين بل وحتى الإسبان والأمريكيين والألمان في وقت من الأوقات، والإنجليز كما تتحدث هذه الوثيقة، ووثائق أخرى متفرقة في الأرشيف البريطاني عن تجنيده، لكنه لم يكن مرتشياً كأكثر أهل المغرب كما تتحدث الوثيقة، لكنها العقلية الإنجليزية البغيضة التي تعودت أن تحطّ من كل أعراق الدنيا، وإن كان بهذا الخلق لماذا ارتبط بعلاقة وثيقة مع إليزابيث الثانية ودعي إلى عرسها وعلاقة أوثق برئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، لِمَ أطلقت بريطانيا عليه لقب (سيد الأطلس)؟، لأنه الأقرب لمن استخدمه ومكّنه ليكون بهذه الوضاعة.
كان فاحش الثراء حتى يقال إنه يملك أكثر مما تملكه الخزينة المغربية بأكملها، فقد امتلك أراضي زراعية واسعة وقصوراً لا حصر لها، وبيوت دعارة في مراكش وفي فرنسا وإسبانيا، حتى يقال انه يأكل من كدّ ستة آلاف عاهرة، ناهيك عن ١٠٠ جارية وخادمة تعمل في قصره.
في ١٩٥٣ اختلف خلافاً “صبيانياً” مع الملك محمد الخامس، أدى لمنعه من دخول القصر، فقام الكلاوي بطلب فرنسا إبعاده أو بتخييرها: “أنا أو هو”، فقالوا له: بل هو، وفعلاً عزل ونفي.
ولكن جماعة سرية تدعى “الهلال الاسود” هدّدته تهديداً مرعباً إن لم يتراجع، بل تعرّض لأكثر من محاولة قتل، مما أدى في النهاية أن يطلب من الفرنسيين إعادته، والتي فعلت ذلك حالاً، وذهب له معتذراً كما طلبت منه هذه الجماعة السرية.
كتب عنه عسكري فرنسي يدعى غوستاف بابين كتاباً مثيراً؛ حيث التقاه عدة مرات، والذي شهد على مجازر الفرنسيين بحق القبائل المغربية وبمشاركة من الكلاوي، والذي ضمّنه خيانات الكلاوي بحق شعبه، بل تحدّث عما فعل بأقرب الناس إليه، كما تساءل في الكتاب عن ثروته الخيالية في بداية حياته ومن أين مصدرها، ويجيب بقصة مرعبة ذكر فيها كيف تزوج من امرأة مسنة وهي أرملة أحد كبار أثرياء المغرب وهو ببكر بن البشير الغنجاوي، وأعلن الكلاوي أنه صار وصياً عليها وعلى أطفالها القصّر ومسؤولاً عن ثروتهم، لكنّه حقيقة لم يتزوج تلك المرأة وإنما سجنها طيلة خمسة عشر عاماً حتى ماتت جوعاً، وذكر العديد من قصص نهبه وجرائمه، كما وصفه بالقاتل والسفاح والسارق والكذاب، وأنه زنجي هجين وليس كما يدّعي أنه من أشراف مكة.
يظل هذا الكتاب من أخطر السيَر التي كتبت فيه وأكثرها تقزّزاً، حتى أنّ المؤرخ الإسباني راميرو سانتاماريا كيسادا قال عن هذا الكتاب، إنه “قضّ مضجع الكلاوي فكان على استعداد أن يدفع وزن نسخه ذهباً من أجل جمعه ومصادرته من الأسواق”، ترجم من الفرنسية للعربية بعنوان: “الباشا الكلاوي.. الأسطورة والحقيقة في حياة باشا مراكش- جوستاف بابين”.
كما كتب الشاعر المصري بيرم التونسي قصيدة عن الكلاوي تكشف جانباً من حقيقته: “رأيته في باريس يشبه صبي فران… لا هو عربي ولا هندي.. ولا إنسان… جلاوي كل أملاكه.. بيوت وفجور”.
هذا مقتطف من وثيقة بريطانية تتحدث عن تجنيده من قبل الإنجليز بثمن “مرتفع” لمقاومة الألمان، وتتحدث عن جزء من سيرته، وبسببه تنتقص من أكثر أهل المغرب، كما تتحدث أن عمليات الدفع تأتيه عبر صديقه اليهودي في جبل طارق ألبرت ناحوم. الوثيقة في الأرشيف البريطاني تحت رقم (CAB 79/11/3).