مصر تواجه أكبر أزمة اقتصادية منذ الثورة: “الكل يعيش على حافة الهاوية”
وطن-نشرت صحيفة “إل دياريو” الإسبانية تقريرًا سلطت من خلاله الضوء على الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها حاليًا الشعب المصري، مشيرة إلى أن هذه الأزمة تولّدت منذ الثورة وظلّ الشعب المصري يتكبّد عنائها إلى أن وصلت إلى أوضاع سيئة للغاية، بحيث باتت هناك مخاوف من أن يعيش الشعب المصري مصير أو سيناريو الشعب اللبناني.
وفي سياق وضع حلّ لهذه المشكلة، أصبح صندوق النقد الدولي يواجه تحديًا لمنع تدخل الجيش في الاقتصاد المصري، وهذا من أحد أكبر التحديات للصندوق، على الرغم من اعتقاد الخبراء من أن الجنرالات المصرية ستقاوم إلى آخر نفس حتى تمنع تطبيق مطلب صندوق النقد الدولي.
ويُذكر أن أحد المطالب الرئيسية للمصريين خلال الاحتجاجات ضد نظام حسني مبارك، في يناير 2011، هي كلمة “عيش”، التي تعني باللغة العربية “الحياة”، ولكنها في اللهجة المحلية تشير أيضًا إلى الخبز أو الرغيف. بيد أنه بعد أكثر من عقد من الزمان على الهتاف في الشوارع بعبارات: “خبز وحرية وعدالة اجتماعية”، بات يصعب على غالبية السكان الحصول على هذا الخبز وتحقيق الحياة الكريمة التي طمحوا إليها سابقًا.
ووفقًا لما ترجمته “وطن“، خسر الجنيه المصري أكثر من 50٪ من قيمته أمام الدولار في أقل من عام، ووصل في 11 يناير إلى أدنى قيمة له حتى الآن، حيث يساوي الدولار الواحد ما قيمته 32 جنيها. وعلى الرغم من ارتفاعه بشكل طفيف هذا الأسبوع، فإن الفارق الكبير في سعر الصرف يؤثر على اقتصاد البلاد الذي يستورد العديد من المواد الخام والسلع الاستهلاكية، بما في ذلك المواد الأساسية ، مثل القمح لصنع “العِيش”.
وفي الواقع، تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وحتى اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت الحبوب تأتي في الغالب من هذا البلد ومن روسيا أيضًا. وفي الحقيقة، لم يؤثر الصراع على الواردات فحسب، بل أثر أيضًا على السياحة، وهي أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية للدولة المصرية. فالزوار الروس والأوكرانيون ومن دول أخرى مثل بيلاروسيا، لم يكن عددهم على شواطئ البحر الأحمر على عادته منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي نهاية عام 2022، اضطرت الحكومة المصرية إلى اللجوء مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي، وحصلت على قرض بقيمة 3 آلاف مليون دولار خلال 46 شهرًا، ووعدت الحكومة المصرية من أجله بـ “جعل سياسة الصرف أكثر مرونة”. ووفقًا للخبراء، فإن انخفاض قيمة الجنيه أثرت على هذه المرونة بشكل معاكس، بحيث أصبحت القدرة الشرائية للمصريين متدنيّة منذ سنوات.
وفي ديسمبر الماضي، تجاوز معدل التضخم على أساس سنوي 21٪، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2017، آنذاك كان الاقتصاد قادر على أن يمتص تأثير أول تخفيض كبير لقيمة العملة المحلية، بعدما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي في عام 2016.
الفئة الأكثر ضعفًا
وتحدّثت أم شابة من حي شعبي في ضواحي القاهرة لـصحيفة “إل دياريو”، قائلةً أن كل شيء أصبح أغلى؛ من الطعام والشراب إلى الأدوية. كما أضافت هالة: “الـ100 جنيه مصري الآن تساوي 10 جنيهات في السابق، ناهيك بأن الوضع صعب للغاية بسبب النفقات. فالجميع يعيش على حافة الهاوية والأشياء الصغيرة التي اعتدنا أن نتمتّع بها أصبحت كماليات اليوم”. أعربت الفتاة البالغة من العمر ثلاثين عامًا عن أسفها، مشيرة إلى أنها لم تعد قادة على أخذ طفليها للعب في عطلة نهاية الأسبوع أو توفير بضع عشرات من الجنيهات للوصول إلى معظم المتنزهات أو المرافق الرياضية في العاصمة.
وحسبما أكدته، الشيء الوحيد الذي لا تستطيع التخلى عنه هو تعليم الأطفال المسجلين أساسًا في أحد أرخص المراكز الخاصة. كما قالت: “لا يمكنني اصطحابهم إلى مدرسة عامة لأنهم لن يتعلموا شيئًا. هذه المدرسة هي الأفضل من بين الأسوأ، لكنهم على الأقل يحصلون على تعليم أساسي، وهذا ما يمكنني تحمله”.
يُذكر أن حلا تعمل خبيرة تجميل وزوجها مصفف شعر، لكن دخلهما يختلف ولا يغطي في كثير من الأحيان نفقات الأسرة. وخلصت حلا قائلة: “تحمّل النفقات اليومية صعب للغاية”.
وبحسب التقرير، فإنه في كانون الثاني (يناير) الماضي، تجاوز سعر كيلو الدجاج 70 جنيها، وارتفع سعر الذرة وزيوت عباد الشمس، بعد ما مرت هذه المنتجات بعدة زيادات منذ عام 2022. كما أن الخبز المدعوم من الدولة والذي يحصل عليه أفقر المصريين يكلف أقل من جنيه للرغيف (الخبز المدعوم من الدولة). ناهيك بأن حجمه وجودته يتناقصان منذ بعض الوقت. أما في السوق يمكن أن يُكلف ما بين 1 و 6 جنيهات حسب وزن رغيف الخبز الذي عادة ما يملأه المصريون بكرات الفلافل أو الفول المهروس لملء بطونهم في الصباح.
سنوات من المعاناة
وبحسب البيانات الرسمية، بلغ معدل الفقر في مصر حوالي 30٪، لكن هذه بيانات ما قبل الوباء. وفي هذا السياق، قال تيموثي كالداس، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة برشلونة المستقلة (UAB) لـلصحيفة: “من المحتمل أن يكون عدد المصريين الذين يعيشون في فقر، قد زاد الآن”.
كما أفاد: “سيواجه المصريون العاديون سنوات من المصاعب الاقتصادية، ولا توجد آلية في يد الحكومة لدرئها، فكل ما يمكن فعله هو إشراك المزيد من الأشخاص في برامج الإغاثة وتوزيع المزيد من الأموال”.
ومن جانبه، يطالب صندوق النقد الدولي مصر: “بتوسيع الإنفاق الاجتماعي للتخفيف من حدة الفقر وحماية المستضعفين”، لكن برنامجي المساعدات اللذان تم إطلاقهما بعد اتفاقية 2016 أثبتا أنهما غير كافيين.
وأوضح كالداس أن المشكلة الرئيسية هي أن بلدًا مثل مصر يمكن أن يستغرق “سنوات أو عقودًا” لبناء شبكة مساعدة فعالة، لذلك على مدى فترة من الزمن سيعاني نسبة كبيرة من السكان دون تلقي أي دعم.
هذا ويقدر تيموثي المحلل المصري الأمريكي أن حوالي 65 مليون مصري يعيشون في فقر أو بالقرب من عتبته، أي حوالي 104 مليون شخص.
وأضاف: سيعاني الكثيرون من الأزمة الاقتصادية، كما أنها ستكون أزمة موجعة، وإذا لم يتم تخفيفها قدر الإمكان، فإنها ستؤثر على النمو لأن الطلب سينخفض وسيؤدي ذلك إلى تثبيط الاستثمار الخاص”.
القوة الاقتصادية للجيش
البيروقراطية وانعدام الأمن القانوني والخوف من العوامل الأخرى التي تثبط عزيمة رجال الأعمال والمستثمرين، كما أشار “المدون الفرعون الكبير”(الفرعون العظيم) الذي يختبئ وراء هذا الاسم المستعار منذ عهد مبارك لانتقاد الحكومة، والذي يتساءل “ماذا لو رأى النظام أن عملي مربح، ثم انتهى بي المطاف في زنزانة مع مالكي شركة جهينة؟” في إشارة إلى أكبر شركة ألبان في مصر، والتي سُجن رئيسها التنفيذي لمدة عامين.
يعد الحد من تدخل الجيش في الاقتصاد المصري من أكبر التحديات التي يواجهها صندوق النقد الدولي، والذي نص على أن الدولة يجب أن تحقق التوازن في المشاركة الاقتصادية بين القطاعين العام والخاص، وأن يكون الأخير هو من “يقود النمو”.
لكن بحسب كالداس، فإن الجنرالات “سيفعلون كل ما في وسعهم ليمنعوا ذلك”. ويرى خبير الاقتصاد السياسي أن صندوق النقد الدولي “ينبغي ألا يصرف الشرائح التالية ( الشركات الخاصة) من القرض، وإذا لم يكن هناك تقدم في هذا الصدد: “يمكن لصندوق النقد الدولي ممارسة نفوذ كبير ومحاسبة الحكومة المصرية”.
ومنذ اتفاق عام 2016، وسع الجيش إمبراطوريته الاقتصادية من خلال الدولة والشركات المملوكة لها ولم ينفذ “أي إصلاح اقتصادي جوهري”، كما يقول كالداس.
وتابع: “البرنامج الأخير الذي وضعه صندوق النقد الدولي يعالج للمرة الأولى بالفعل القضايا الهيكلية التي فشلت في السنوات السبع الماضية والتي لم يكن فيها الصندوق صريحًا للغاية في تقييماته، ما أدى إلى إلحاق الضرر بمصر”.
واستنكر الأستاذ تيموثي كالداس: “الفساد السياسي للنظام وتعاون الدول القوية التي قدمت وصولاً غير محدود إلى الائتمان – من خلال صندوق النقد الدولي أو على المستوى الثنائي – تسبب في سقوط مصر في ديون هائلة وتسبب في معاناة كبيرة لسكان البلاد”.
كما تابع: “ومن المفارقات، أنه للخروج من هذا الوضع، تحتاج مصر إلى الاقتراض أكثر وستكون معاناة السكان أسوأ لأن البلاد في وضع محفوف بالمخاطر أكثر بكثير مما كانت عليه في عام 2016، عندما منحها صندوق النقد الدولي 12 مليار دولار. ناهيك بأن نظام السيسي قوض عمداً الصحة المالية للدولة المصرية وحصول المواطنين على الخدمات العامة لتحسين أوضاعهم وإمكاناتهم”.
يجب إعدام مرتضى والسيس بحبل مشنقة واحد وإقالة فيريرا وتسريح الزمالك وتجريم وإلغاء مخدر الكرة حتى يتم تحرير مصر من خونة العسكر