تلغراف: القصة الكاملة لمحاولة السعودية القضاء على طيران قطر والإمارات
شارك الموضوع:
وطن– ضمن ما يُعرف بـ”رؤية 2030″ السعودية، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رسمياً، يوم الأحد الماضي، عن إنشاء شركة طيران وطنية جديدة، وهي شركة “طيران الرياض”، برئاسة المخضرم في الصناعة توني دوغلاس، في الوقت الذي تتحرك فيه المملكة للتنافس مع النقل الإقليمي والنقل محاور السفر.
وكان طيران الرياض الناقل الجوي الوطني الجديد الذي أطلقه صندوق الاستثمارات العامة، أعلن منذ أيام عن أول طلباته لأسطول الطائرات عبر شراء 72 طائرة “بوينج دريملاينر” من طراز “787-9″، بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني. وذلك في أولى خطواته نحو تحقيق أهدافه الطموحة وبمعايير عالمية.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية، شملت الصفقة 39 طائرة مؤكّدة، مع احتمالية شراء 33 طائرة إضافية ذات البدن العريض، الأمر الذي يؤكد طموح المملكة العربية السعودية لتكون مركزاً عالمياً للطيران، يخدم أكثر من 100 وجهة حول العالم بحلول عام 2030، مستفيدًا من موقع المملكة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وفي تعليقها على هذه الخطوة الضخمة من قبل ولي العهد السعودي -حاكم المملكة الفعلي- تقول صحيفة “تلغراف” البريطانية، إن محمد بن سلمان أنفق بحكم الأمر الواقع بحرية، منذ صعوده إلى السلطة في محاولته لتحديث المملكة، بما في ذلك خطط لمدينة في الصحراء بقيمة 500 مليار دولار.
وتابعت: “لذلك عندما قرر MBS، كما هو معروف، أنه يريد تحويل المملكة إلى قوة عظمى في قطاع الطيران، لم يكن خجولاً في طموحاته”.
ولفتت الصحيفة إلى أنّه بدلاً من الاستثمار في شركة الطيران الحالية في البلاد، أعلن عن خطط لإنشاء شركة طيران جديدة بالكامل من الصفر، ويقال لمرشحي الوظائف المحتملين، إنّ الرياض للطيران تريد أن تصبحَ “شركة طيران جديدة ذات مستوًى عالمي ستشكّل مستقبل الطيران”.
كشفت المملكة النقاب عن الشركة رسمياً قبل أسبوع، وبعد أيام أنفقت 30 مليار جنيه إسترليني على شراء أسطول مكوّن من 72 طائرة بوينج لشركة الطيران، فيما كان خامس أكبر طلب تلقّته الشركة المصنعة على الإطلاق.
يمثّل إطلاق طيران الرياض أحدث تطور في التنافس الخليجي، حيث تتنافس السعودية مع شركات الطيران الإماراتية (الإماراتية التابعة لدبي وشركة طيران الاتحاد التابعة لأبو ظبي) والخطوط الجوية القطرية.
وبحسب تقرير “التلغراف”، يقول أحد كبار المسؤولين التنفيذيين الذين عملوا عن كثب مع محمد بن سلمان والنظام السعودي: إنها “منافسة في أنقى صورها”، مضيفًا: “أنها قائمة على فكرة أنّ شركتِي أكبر من شركتك، وهي فكرة مدفوعة من ولي العهد وغروره”.
تتفوق السعودية في تاريخ الطيران التجاري على جيرانها، فقد تمّ إطلاق شركة الطيران السعودية الأصلية في عام 1945، أي قبل أكثر من نصف قرن من طيران الإمارات، وقبل ما يقرب من 60 عاماً من الكشف عن خطط إنشاء الخطوط الجوية القطرية، وقبل ما يقرب من سبعة عقود من إطلاق طيران الاتحاد.
ومع ذلك، سرعان ما أثبتت شركات الطيران الثلاثة المتنافِسة نفسَها كلاعبين من الوزن الثقيل دوليًا، على عكس السعودية.
طيران الإمارات
طيران الإمارات، على سبيل المثال، هي أكبر شركة طيران دولية في العالم، وفي الوقت نفسه، تمتلك قطر 25٪ من الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية، وصندوق ثروتها السيادية يمتلك حصة تصل إلى 20٪ في مطار هيثرو.
قامت شركة طيران الاتحاد في بناء سمعتها على مستوى العالم من خلال رعاية بطل الدوري الإنجليزي الممتاز مانشستر سيتي، الذي يُعرف ملعبه الذي يتسع لـ53 ألف متفرج مقعد ببساطة باسم “الاتحاد”.
يقول مطّلع آخر على الصناعة عن طيران الرياض: “إنه (محمد بن سلمان) يقول للعالم: انظر إلى الأعلى ولاحظ.. لقد تجاهلتنا منذ زمن طويل، ولكن لدينا دلائل كثيرة من المال ويمكننا أن ننفق أكثر منك”.
قام محمد بن سلمان باقتناص البريطاني توني دوغلاس من الاتحاد للطيران لتشغيل طيران الرياض، في حين قام السعوديون أيضاً بتجنيد بيتر بيللو، اليد اليمنى لمايكل أوليري، ورئيس العمليات السابق في إيزي جيت.
بالنسبة لدوغلاس الداعم لإيفرتون، يعني التبديل أنّه لن يضطر بعد الآن إلى مشاهدة مانشستر سيتي خلال أيام عمله، على الرغم من أنّ رعاية السعودية لنيوكاسل يونايتد، تعني أنه قد لا يزال يتعيّن عليه مشاهدة منافسي فريقه.
لا تقتصر خطط ولي العهد على شركة طيران جديدة؛ بل سيتم تحويل مطار الملك خالد في العاصمة السعودية، وتم الإعلان عن هذا المشروع في نوفمبر.
تتوقف خطط تحويل المملكة إلى مركز للسفر والسياحة والتجارة على إعادة تطوير مطار الملك خالد الدولي. سيفتخر المطار الجديد بستة مدارج متوازية، وسيتمّ تصميمه لاستيعاب ما يصل إلى 120 مليون مسافر بحلول عام 2030، نحو 50٪ أكثر مما يتفاخر به مطار هيثرو في ذروته في عام 2019.
بعيداً عن دبي والدوحة
حذّر ويلي والش، رئيس الخطوط الجوية البريطانية السابق، في ديسمبر، من أنّ أيّ مطار رئيسي جديد يجب ألا يكون “على مقربة من دبي والدوحة”.
كانت الإشارة في حديثه واضحة: “بعيداً عن أن يكون المطار الجديد مكمّلاً لمطارات المنطقة، سيوفّر مطار ولي العهد الجديد منافسة للمراكز الإقليمية الحالية”.
يقول روبرت بويل، رئيس الإستراتيجية السابق في شركة بي ايه بارنت، ويعمل حاليًا كمستشار مستقل: “السوق المحلية لا تبرّر بأيّ حال من الأحوال هذا الحجم من القدرات.. هل نحتاج إلى (مطار) آخر؟”، ويجيب: “لا”.
وقال والش: “إن جعل مطار الملك خالد ناجحاً سيكون مهمة صعبة حقاً”. مضيفًا: “إذا كان بإمكان أيّ جهة تحقيق هذا الطموح.. فمن المحتمل أن تكون المملكة، لأنّ لديك رؤية للمستقبل تدعمها الموارد المالية التي يتم توفيرها وتصميم واضح على تحقيقه”.
التسوية مع إيران وتنويع الاقتصاد السعودي
من الناحية الاقتصادية، بحسب “التلغراف”، هذا يعني تنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط والتركيز في السياحة والبنية التحتية والترفيه، ويريد MBS أيضاً أن تكون السعودية مركزاً تجارياً رئيسياً يربط أوروبا وآسيا وأفريقيا.
جاء الكشف عن خطط محمد بن سلمان لطيران الرياض، بعد 48 ساعة فقط من الاتفاق على الانفراجة مع إيران الذي توسّطت فيه بكين.
كانت التسوية مع إيران أمراً بالغ الأهمية. كانت إيران ذات الأغلبية الشيعية والسعودية ذات الأغلبية السنية على خلاف مع بعضهما منذ عام 2016، عندما أعدمت المملكة عالماً شيعياً بارزاً، وردّاً على ذلك، غزا المتظاهرون المباني الدبلوماسية السعودية في إيران. التوترات في المنطقة بين البلدين ستجعل الخطط السعودية للسيطرة على السماء فوق الشرق الأوسط صعبة.
الإصلاحات الاجتماعية هي أيضاً مفتاح خطة MBS المعروفة باسم “رؤية 2030”.
يدّعي المراقبون الأجانب المحنكون أنّ الالتزام بالقيم الإسلامية الصارمة يتم تقليصه في البلاد، وإن كان بوتيرة أبطأ مما يرغب فيه كثيرون في الغرب.
تغيّرت حقوق الإنسان الأساسية مثل الاعتراف بدور المرأة في المجتمع بشكل أساسي على مدى العقد الماضي، ومع ذلك، لا تزال منظمة فريدوم هاوس غير الربحية في واشنطن تمنحها ثماني نقاط من 100 للحقوق السياسية والحريات المدنية في أحدث مراجعة لها.
في الأسبوع الماضي، اضطر الفيفا إلى إلغاء خطط للمملكة لرعاية كأس العالم للسيدات 2023، بعد شكاوى من المضيفين المشاركين في أستراليا ونيوزيلندا، ويقول أحد رجال الأعمال الذين زاروا البلاد بانتظام لسنوات: “لا تزال البلاد متأخرة بسبع أو ثماني سنوات عن أمثال دبي”.
ثم هناك حقيقة أنّ وضع الأموال على شركة طيران -حتى وإن كان ذلك بقيم هائلة- قد لا يضمن النجاح.
كان على شركة طيران الاتحاد أن تمرّ بإعادة هيكلة مؤلمة في عهد توني دوغلاس، على الرغم من ثروات أبو ظبي، وقد أدت خطة التحول الخمسية إلى انخفاض أعداد موظفي الاتحاد من 29 ألفاً إلى 8500 فقط، وقال دوغلاس لصحيفة التلغراف في يوليو الماضي: “لقد أجرينا جراحة القلب المفتوح في الميزانية العمومية”.
يوضح بويل أنّ طيران الإمارات، التي أطلقت في عام 1985، وأدارها بريطاني آخر، السير تيم كلارك، “كانت فكرة رائعة وحققت نجاحًا هائلاً”. لكنه يضيف: “يشير التاريخ إلى وجود مجال لشركة أخرى إضافية”.
المال الكثير له مزاياه
ويقول: “السعودية لديها كل المال اللازم، لكن ذلك المال لم يساعد شركة طيران الاتحاد حقاً في النهاية، لكنك تعرف ما يقولونه: المال الكثير له مزاياه.. لدى المملكة خطط كبيرة لتنويع الاقتصاد وبناء أعمال سياحية.. ولديهم بالتأكيد مشكلة “نشر العلامة التجارية الخاصة بهم”، يحتاجون التغلب عليها، ولكن الدولارات الكبيرة يمكن أن تعوّض ذلك بمرور الوقت”.
بخلاف طلبه 72 طائرة دريملاينر -الممولة من صندوق الاستثمار العام الضخم (PIF) في المملكة- حافظ MBS على التفاصيل الدقيقة لطيران الرياض من التسريبات.
من المزاعم المنتشرة أنّه من المتوقّع أن تضيف شركة الطيران 20 مليار دولار من نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى السعودية، وتخلق أكثر من 200 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة.
الرياض للطيران هي جزء من خطط تحويل المملكة إلى “بوابة إلى العالم ووجهة عالمية للنقل والتجارة والسياحة”.
على الرغم من قيود السعة في هيثرو، فإن شركة الطيران الجديدة التابعة لشركة MBS، لديها إمكانية تشغيل في ثلاثة أزواج من فتحات الإقلاع والهبوط.
عندما استحوذت الخطوط الجوية البريطانية على شركة ميدلاند الدولية البريطانية، اضطرت شركة النقل الوطنية إلى التخلي عن فتحات المطار (إذن الهبوط والإقلاع في أوقات معينة) لإرضاء منظمي المنافسة.
وتمّ عرض تلك الفتحات على المنافسين، ولكن لا يمكن استخدامها إلا على مسارات معينة، وبالصدفة، أحد هذه المسارات هو ذلك الواصل بين لندن والرياض.
تمتلك شركة الطيران السعودية هذه المسارات حاليًا.
ومع ذلك، هناك بالفعل تذمر بأنّ شركة طيران الرياض ستطلب من طيران السعودية هذه المسارات عندما تكون جاهزة للإقلاع، وبالتالي تسليم طيران الرياض موطئ قدم حيوياً في أحد أكثر المطارات ازدحامًا في العالم.
بالنسبة لدوغلاس وبيلو، وهو محارب أيرلندي قديم وكان أيضاً في السابق الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية الماليزية، هناك الكثير ليكون متفائلًا بشأنه، ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان طيران الرياض أن تتسلق عالياً بما يكفي لتلبية طموحات محمد بن سلمان النبيلة.
طيران الرياض “ورؤية 2030” السعودية
ويهدف “طيران الرياض” للريادة في قطاع الطيران، وسيقوم بتجهيز أسطول طائراته بأحدث المميزات الرقمية وأكثرها تقدّماً مع تزويدها لتجارب سفر مبتكرة تعدّ الأفضل في فئتها من ناحية تصميم المقصورة الداخلية للطائرات، بالإضافة إلى الجيل الحديث من نظام الترفيه والاتصال على متن الطائرة. حيث تمت جدولة استلام أول طائرة ذات البدن العريض في بداية 2025.
وقالت وكالة “رويترز” للأنباء، إن الإعلان عن إنشاء الشركة العملاقة قد يؤدي إلى معركة أكثر صرامة، حيث ستتنافس وجهاً لوجه مع عمالقة المنطقة طيران الإمارات، والخطوط الجوية القطرية، والخطوط الجوية التركية مع تعافي صناعة السفر من الوباء.
ووفق المصدر، فشركة الرياض مملوكة بالكامل لصندوق الثروة السيادية السعودي، صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الذي يمتلك أكثر من 600 مليار دولار من الأصول، وهو المحرك الرئيسي لجهود المملكة لتنويع اقتصادها والتخلص من النفط.
صندوق أسود
ولفت التقرير إلى أنّ شركة الطيران المؤمل إنشاؤها لا تقوم بإعادة تدوير الأفكار القديمة فحسب؛ بل تقوم أيضًا بإعادة تدوير الرؤساء التنفيذيين. وسيتولى توني دوغلاس دفة القيادة في طيران الرياض.
وأضاف التقرير أنّ الشيء المضحك، هو أنه تمّ إحضار توني دوغلاس إلى الاتحاد لتنظيف الفوضى المتضخمة والخاسرة التي أوجدها جيمس هوجان، وسيطلب من توني أن يخلق فوضى خاصة به متضخمة وخاسرة للمال.
وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يكون صندوق الاستثمارات العامة قادرًا على العمل بشكل مستقل، فإنّه بات صندوقاً أسود، والافتراض هو أنّ محمد بن سلمان يتحكم في الأمور كما يراه مناسبًا.