وطن– مع مرور 20 عاماً على ذكرى الغزو الأمريكي للعراق، نشرت صحيفة جلوبال تايمز الصينية، تقريراً دعت فيه إلى محاسبة صناع القرار في الولايات المتحدة، والعمل على احتواء الهيمنة التي تهدّد السلام العالمي.
صحيفة جلوبال تايمز الناطقة باللغة الإنجليزية، قالت إنّ حرب العراق، التي بدأت في 20 مارس 2003 عندما شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها غزوًا ضد دولة ذات سيادة في الشرق الأوسط بناءً على معلومات استخبارية مزيفة حول “أسلحة الدمار الشامل”، جلبت على المنطقة كوارثَ مدمّرة لا رجوعَ فيها، وتسبّبت في كثيرٍ من الأضرار الجانبية للعالم.
في الأيام الأخيرة، نشرت العديد من وسائل الإعلام في الولايات المتحدة والغرب مقالاتٍ تتأمل الحرب، لكنها فشلت في توضيح السبب الأساسي لحدوث مثل هذه المأساة، وفشلت أيضًا في انتقاد الهيمنة الأمريكية التي لا تزال تفرض تهديدات على السلام العالمي.
وأضاف التقرير: “ما تسمى بالديمقراطية أو الضوابط والتوازن في النظام السياسي الأمريكي لا يمكن أن يمنع واشنطن من اتخاذ قرارات طائشة على أساس الاحتيال أو الأكاذيب أو التلاعب بالرأي العام، وقد أدى ذلك إلى كوارث مدمرة لدول مثل: العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان”.
وقال محللونَ، إنّ المجمع الصناعي العسكري وبعض كبار السياسيين الأمريكيين، ومن بينهم بعض الرؤساء السابقين، هم مَن استفادوا من الحروب.
وأكّد المحللون، أنّ الغزوات والتدخلات والحروب بالوكالة التي شنّها الغرب في العقود الماضية أدت إلى الفوضى وسقوط أعداد كبيرة من القتلى مع تفشّي الفقر، مما شكّلَ معاً “أرضًا خصبة” للإرهاب، وهو ما يثبت أنّ “مبادرة الشرق الأوسط الكبير” التي أطلقتْها واشنطن لتغريب المنطقة قد فشلت تمامًا.
الأمر الأكثر إزعاجًا للمجتمع الدولي؛ هو أنه على الرغم من أنّ الحروب التي شنّتها الولايات المتحدة قد تسبّبت في فوضى متكررة لا نهاية لها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في جميع أنحاء العالم، وألحقت أضراراً جسيمة بحقّ السكان المحليين في البقاء والتنمية.
ولم يقلقْ قادة الولايات المتحدة أبدًا من تعرّضهم للملاحقة القضائية، بسبب الحروب التي شنّوها في الخارج، ولم تقبل الولايات المتحدة قطّ اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على مواطنيها.
محاسبة صناع القرار الأمريكيين
وذكرت الصحيفة: “يجب محاسبة صناع القرار الأمريكيين الذين يقفون وراء تلك الحروب على الكوارث الإنسانية الفعلية وجرائم الحرب التي تسبّبوا فيها في العراق، وأن يدفعوا أو يعوضوا الخسائر الفادحة التي تسبّبوا فيها خلال الحرب والاحتلال في العراق”.
ووفق التقرير، حاولت بعض وسائل الإعلام والسياسيين الأمريكيين القول، إنّ الولايات المتحدة “حررت الشعب العراقي من الديكتاتورية الشريرة”، وأدخلت تغييرات إيجابية على العراق على الرغم من بعض السجلات المشينة مثل تعذيب أبو غريب، وإساءة معاملة السجناء، وقتل المدنيين في أثناء العمليات العسكرية الأمريكية، لكن من وجهة نظر الشعب العراقي، فهناك قصص مختلفة تمامًا.
وقال وليد خالد مفتان، مهندس سلامة عراقيّ شهدَ التغييرات في العقدين الماضيين لبلاده، ويعمل الآن في مشروع بناء مدرسة، إنّ القوات الأمريكية في بلاده “طغاة”، وأكّد أنّ المستبد لا يصنع السلام.
وذكر حيدر قاسم التميمي، رئيس معهد البحوث التاريخية في بيت الحكمة، وهي مؤسسة فكرية في العراق، أنّ الحرب كانت مخططة جيدًا، وتستند إلى الأكاذيب والأدلة المزيفة، وتخدم مصالح الولايات المتحدة السياسية والإستراتيجية، لكن في النهاية جلبت كارثة على الشعب العراقي، حيث قتل أكثر من 200 ألف مدني وشرد عشرات الملايين، وأنّ الخسائر الاقتصادية لا تعدّ ولا تحصى.
ولا تزال الأضرار التي سبّبتها الحرب مستمرة، وفق التقرير الذي أشار إلى أنّ الولايات المتحدة لم تدمّر فقط دولة كانت مزدهرة وجميلة، لكنّها حطّمت أيضًا ميزان القوى في الشرق الأوسط، وقال التميمي إنّ هذا أدى إلى تغيير عميق في المشهد الجيوسياسي للمنطقة، وتسبّب في فوضى وشكوك لا نهاية لها.
ومزّقت الحرب السياسة والاقتصاد والمجتمع في العراق، ووفّرت الفوضى تربة خصبة للإرهاب، لذلك تصاعد خطر الإرهاب بسرعة بعد الحرب، وقال الخبراء إن الجماعات الإرهابية مثل داعش ارتفعت واحدة تلو الأخرى، مما يثبت فشل ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة، والتي تعدّ أيضًا ذريعة للتدخلات الأمريكية في المنطقة.
وقالت التقرير: “لم تتعلم الولايات المتحدة من دروس التاريخ.. أزمة أوكرانيا هي مثال على ذلك”، ونقلَ عن الخبير العراقي قولَه إنّ توسّع الناتو الجامح أثار ردّ فعل قوياً من روسيا، وتسبّب في اندلاع الصراع العسكري، وهو ما أظهر مرة أخرى أن السياسات الدولية للولايات المتحدة تنطوي على مشاكل خطيرة.
العراق ليس الضحية الوحيدة
وأوضح محلّلون صينيون أنّ العراق ليس الضحية الوحيدة للهيمنة الأمريكية، إذ تشترك العديد من البلدان في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا وآسيا في نفس الألم، ولقد تضرّرت هذه البلدان بدرجات متفاوتة، ولم يتحسن الأمن والسلام في مناطقها، وبدلاً من ذلك ساءت بعد تدخلات الولايات المتحدة.
حرب العراق كانت بداية تراجع القوة الناعمة الأمريكية
وقال تشو ويلي، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي الدولية للدراسات، إنّ حرب العراق كانت بداية تراجع القوة الناعمة للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.
وأضاف: “الثقة العالمية في الولايات المتحدة تراجعت بعد حرب العراق.. فشلت الولايات المتحدة في تقديم أيّ دليل مقنع لدعم ذرائعها لشنّ الحرب، والحجة نفسها أثبتت أنها كذبة.. بعد الحرب، فشلت الولايات المتحدة في توفير حكم وتنمية أفضل للمنطقة، لكنها جعلت كل شيء أسوأ”.
خطر الهيمنة الأمريكية
ووفق التقرير، عندما يدرك المزيد من أعضاء المجتمع الدولي أنّ الولايات المتحدة غير جديرة بالثقة، ولا يمكن الاعتماد عليها، ويدركون خطر الهيمنة الأمريكية، فسوف يفكرون في كيفية التعامل مع الهيمنة وحماية بعضهم بشكل أفضل من التدخلات الأمريكية، والولاية القضائية طويلة المدى والعقوبات، كما يرى الخبراء.
ويعدّ الانتصار الدبلوماسي الأخير لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران بوساطة ودعم الصين إشارة إيجابية تُظهر أنّ القوى الكبرى في الشرق الأوسط قد أدركت أهمية اتخاذ القرار المستقل، وأن تجدَ بشكل مشترك السبيل للتعايش السلمي والتعاون، والتعاون في المستقبل للخروج من فخّ “صدام الحضارات” الذي نصبته الولايات المتحدة.
والأهم من ذلك، أنّ القوة الصارمة للولايات المتحدة آخذة في التراجع، حيث إنها لا تملك القوة لشنّ غزو آخر ضد بلد بحجم العراق، وقد جلبت الصين ذات النفوذ والقوة المتزايدة مزيدًا من الطاقة إلى جانب العدالة في الساحة الدولية، وقال الخبراء إنّ المزيد من الدول النامية لديها الثقة في البحث عن طرقها الخاصة للتنمية والأمن.
قال لي هايدونغ، الأستاذ بمعهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، إنّه لاحتواء الهيمنة الأمريكية، من الضروري أن تحترم جميع الدول في العالم سلطة الأمم المتحدة، مما يجعل واشنطن غير قادرة على إضفاء الشرعية عملياتها العسكرية أحادية الجانب ضد دول أخرى. لكن هذا لا يكفي، ولدينا كثير من الأشياء لنفعلها”.
ومقارنةً بالولايات المتحدة التي تُصدّر الحروب والفوضى، فإنّ الصين الآن تقدّم السلع العامة بشكل أكثر نشاطًا للمساهمة في السلام والتنمية العالميين، مثل مبادرة الحزام والطريق، ومبادرات التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، وأشار تشو إلى أنّ هذه المبادرات ليست مجرد كلمات، ولكنها تأتي مع إجراءات فعالة.