وطن- بعد مضيّ نحو سنتين ونصف من “عملية الأقصر” ضد إسلاميي النمسا، الحملة الأمنية التي استهدفت شخصيات ومنظمات إسلامية في الدولة الأوروبية، ظهرت تدريجيّاً الأمورُ التي وقفت وراء هذه الفضيحة الملفّقة: مستشارون متحيزون، وحماة دستور متساهلون، واستفتاءٌ شعبيّ مشبوه في الاتحاد الأوروبي، وباحث إسلامي مشتبه في قَبوله أموالاً من الإمارات العربية المتحدة، مقابل عمله حول أعضاء يُزعم انتماؤهم لجماعة الإخوان المسلمين في النمسا.
الإمارات تقف وراء عملية الأقصر
في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، شنّت سلطات الأمن النمساوية، بدعم من القوات الخاصة في الشرطة، مداهماتٍ استهدفت أكثر من 70 هدفاً محسوبين على تنظيم الإخوان المسلمين في 4 ولايات بالبلاد، وصادرت أصولاً وأموالاً، على خلفية اتهامات بـ”دعم وتمويل الإرهاب”.
لكنّ تحقيقاً جديداً من إعداد منصة “بروفايل” المتخصصة في التحقيقات الاستقصائية بالنمسا، أكّد ضلوع دولة الإمارات في شنّ تلك الحملة وتأليب الرأي العام النمساوي على “جماعة الإخوان المسلمين” و”حركة حماس”.
ويقول التحقيق، الذي أشرفت عليه رئيسة تحرير المنصة “آنا ثالهامر”، ونشر موقع “نون بوست” نسخة مُترجمة منه، أنّ جذور الحملة الأمنية والتصعيد ضد المسلمين في النمسا تعود لعام 2017، عندما تمّ إطلاق توقيعات شعبية على مستوى الاتحاد الأوروبي بَدءاً من النمسا بعنوان: “أوقفوا التطرف”، بهدف مكافحة الإسلام السياسي المتطرف وتنظيم حملات في عدة بلدان.
في ذلك الوقت، كان يتعيّن جمع مليون توقيع على الأقل في سبع دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي.
وكانت الشخصية الرائدة في النمسا في هذا السياق، إيفغاني دونمز، الذي ترشّح على قائمة سيباستيان كورتس (زعيم حزب الشعب النمساوي)، وانضمّ لاحقًا إلى المجلس الوطني كنائب عن حزب الشعب النمساوي.
تظهر المئات من المحادثات التي تمّ الحصول عليها، أنّ هناك أكثر مما كان يدور وراء الكواليس من مجرد مكافحة التطرف، فقد كان يتمّ وضع الجدول الزمني للتأثير ضد جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم.
ويؤكد التقرير وجودَ أدلة على وجود صلات بين مبادرة “وقف التطرف” والإمارات العربية المتحدة.
ويذكر شخصية “إنغو إف”، وهو عالم سياسي يدير الجمعية النمساوية لتحليل السياسات، وهي جمعية كانت وراء إطلاق حملة “وقف التطرف”، وعمل “إنغو إف” في الماضي في جامعة أبو ظبي، ويعمل اليوم مستشاراً لمكتب حكومي هناك، لذا فهو يكسب قوت يومه من المال القادم من دولة الخليج.
ومع ذلك، ينفي “إنغو إف” أن يكون استفتاء “وقف التطرف” قد تلقّى أيّ دعم مالي من الدول الأخرى.
المخابرات الإماراتية على الخط
في أيلول/سبتمبر 2017، وبينما تستمرّ منظمة “أوقفوا المتطرفين” في حملاتها الكبرى لجمع التوقيعات، كتب خبير مكافحة الإسلاميين الإيطالي الأمريكي دراسة حول جماعة الإخوان المسلمين في النمسا، واسمه: لورينزو فيدينو، وكان من كلّفوه بهذه المهمة: صندوق التكامل التابع لوزارة الخارجية (كان وزير الخارجية آنذاك سيباستيان كورتس)، ومكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب (بي في تي BVT)، والمكافأة: مبلغ كبير بخمسة أرقام، وتم عرض البحث في أيلول/سبتمبر 2017، وربما ليس من قبيل الصدفة أنّ ذلك قبل انتخابات المجلس الوطني.
في الدراسة، يُصنّف “فيدينو” بعض الشخصيات المعروفة في المجتمع المسلم النمساوي على أنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، مما جعل هؤلاء الأشخاص يشعرون بالتشهير ويتحدثون عن تشويه سمعتهم، بينما يبدو أنّ المكلّفين بالمهمة راضون عن النتائج. وستصبحُ دراسةُ “فيدينو” في وقت لاحق أيضًا الأساسَ الرئيسي لتحقيقات النيابة العامة في غراتس بشأن عملية الأقصر.
يتمتع “فيدينو” أيضًا بعلاقات جيدة في إمارة أبو ظبي؛ حيث يمكن العثور على اسمه في فريق المركز البحثي “هداية” الموجود هناك، والذي يكرّس نفسه -مثل حملة وقف المتطرفين- لمكافحة التطرف العنيف. ويظهر المركز البحثي على أنه مركز دولي، لكنّه يتألّف بشكل رئيسي من ممثلي العائلة المالكة الحاكمة في الإمارات.
يظهر “لورنزو فيدينو” مرة أخرى في قائمة مرتبات جهاز المخابرات الخاص “ألب سيرفيس”، الذي يعمل بتكليف من الإمارات العربية المتحدة. ففي عام 2018؛ عقد فيدينو اتفاقية استشارية مع “ألب سيرفيس”، وصرّح لـ”ميديابارت” قائلاً: “أقدم استشارات لمؤسسات مثل مكاتب المحاماة وشركات الاستشارات وشركات العلاقات العامة والشركات الخاصة، لذا ليس هناك ما يثير الدهشة بالنسبة لي ولا بالنسبة للعديد من الباحثين الآخرين”.
ويؤكد أنه لا يعرف هوية عملاء “ألب سيرفيس”، حيث قال: “كان تعاملي مع “ألب سيرفيس”، وليس لدي أي فكرة عما فعلوه ببحثي”.
ويَنظر إلى الأموال التي تلقاها من جهاز المخابرات الخاص على أنها ليست مشينة؛ حيث يقول فيدينو لـ”بروفيل”، إنه تلقّى نحو 3000 يورو، ومقابل ذلك؛ سلّم بعض المذكرات حول جماعة الإخوان المسلمين والاتجاهات وأهم الشخصيات، وأضاف: “أفعل ذلك بانتظام، حتى لحكومتكم، كما تعلمون”.