وطن– شكّك موقع “المونيتور” الأمريكي في أن تتمكنَ مصر من كبح جماع معدل التضخم على الرغم من زيادة البنك المركزي المصري لأسعار الفائدة بنسبة 200 نقطة أساس.
وقال الموقع في تحليل له، إنّ فشل الزيادات المتكررة في أسعار الفائدة خلال العام الماضي يغذّي الشكوك بين بعض الاقتصاديين حول قدرة رفع المعدل الجديد على النجاح بينما فشلت الارتفاعات السابقة.
ونقل الموقع عن علياء المهدي العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة قولَها: “لا يمكن أن تنجح الزيادة الأخيرة في المعدل حيث فشلت سابقاتها، لأنّ حكومتنا تتبع سياسة توسعية بدلاً من الانكماشية التي يجب أن تتبعها”.
وكانت لجنة السياسة النقدية، هيئة صنع القرار في البنك المركزي، قد رفعت أسعار الفائدة الرئيسية في 30 مارس بنسبة 2٪، لأول مرة في عام 2023، وللمرة الخامسة منذ مارس من العام الماضي.
رفع أسعار الفائدة
ورفعت سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة وسعر الإقراض لليلة واحدة وسعر الفائدة التشغيلية الرئيسية إلى 18.25٪ و19.25٪ و18.75٪ على التوالي.
وأشار البنك المركزي إلى اضطرابات سلسلة التوريد محليًا وانخفاض قيمة الجنيه المصري وضغوط جانب الطلب لتبرير معدلات التضخم.
كما أشارت إلى الأثر الموسمي لشهر رمضان الإسلامي، مشيرةً إلى أنّ ذلك أثّر على أسعار المواد الغذائية.
وبلغ معدل التضخم السنوي الرئيسي في مصر 31.9٪ في فبراير، وهو أعلى معدل في خمس سنوات ونصف، في حين قفز التضخم الأساسي إلى مستوًى قياسيّ بلغ 40.26٪ في نفس الشهر، وفقًا للحكومة المصرية.
اتخذت أسعار الموادّ الغذائية والسلع اتجاهاً تصاعدياً غير متغيّر منذ عام كامل حتى الآن، مما يجعل من الصعب على بعض المصريين التأقلم وإجبار السلطات المصرية على زيادة الدعم الاجتماعي والمالي لأضعف أفراد المجتمع، خوفاً من ردّ فعل عنيف من ذلك تدهور الوضع الاقتصادي.
ووفقاً للموقع، فإنه على الرغم من ذلك، فإن الاقتصاديين الذين يدعمون رفع سعر الفائدة الأخير من قبل البنك المركزي يعلّقون آمالهم على الخطوة الجديدة لخلق مزيد من الطلب على العملة الوطنية المصرية، وكبح الأسعار من خلال تقليل الطلب على السلع.
وفي هذا السياق، قال محمد عبد الحميد، عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب (مجلس النواب)، لـ”المونيتور”، إنّ زيادة النسبة ستقلل السيولة الفائضة في السوق. ونأمل أن يساهمَ نقص الطلب على السلع والخدمات في خفض الأسعار، وبالتالي كبح موجة التضخم الحالية.
وبحسب الموقع، تطمح مصر إلى خفض معدل التضخم الرئيسي إلى 7٪ في المتوسط بحلول الربع الرابع من عام 2024، و5٪ في المتوسط بحلول الربع الرابع من عام 2026.
وأشار الموقع إلى أنه بعد يومين من رفع البنك المركزي لأسعار الفائدة في 30 مارس، قدّم أكبر بنكين في البلاد -البنك الأهلي المصري وبنك مصر- شهادتي إيداع بعائد ثابت بنسبة 19٪ وعائد متناقص بنسبة 22٪.
وكشف البنكان عن الشهادات الجديدة في الوقت الذي بدأ فيه أفراد الجمهور الذين أودعوا مئات المليارات من الجنيهات في شهادات إيداع مقدمة من البنكين بعائد 18٪ قبل عام، باسترداد أموالهم مع استحقاق الشهادات.
وكانت شهادات العائد البالغة 18٪ محاولة من قبل بنوك الدولة لامتصاص السيولة الفائضة في السوق وكبح جماح التضخم، حيث حاولت مصر الحدّ من الآثار المترتبة على الضربات المؤلمة التي تلقتها من حرب روسيا على أوكرانيا، وهو تطور أثبت أنه مدمر اقتصاديًا على الدولة، وهي أكبر بلد عربي يعتمد على الاستيراد.
وأدى ارتفاع أسعار السلع في السوق الدولية بسبب الحرب إلى اضطرار مصر إلى جمع المزيد من الدولارات لتلبية احتياجاتها من الواردات، لا سيما غذاء شعبها ومتطلبات الإنتاج.
أزمة السياحة
لكن هذا حدث أيضًا مع انخفاض عائدات قطاع السياحة، وهو مصدر رئيسي للعملة الأجنبية للبلاد، بشكل حادّ، حيث شكّلت الدولتان ما يقرب من ثلث السياح الوافدين في سنوات الذروة.
كما اعتادت مصر على استيراد معظم وارداتها الزراعية، وخاصة القمح والذرة وزيوت الطبخ، من روسيا وأوكرانيا، ما يعني أنّ الدولة العربية اضطرت إلى البحث عن مصادر أخرى لطعامها، ولكن بأسعار أعلى.
البنك المركزي يخفّف قبضته عن سعر الصرف
ونبّه الموقع إلى أنّ نفس الأضرار أجبرت البنك المركزي على تخفيف قبضته على نظام سعر الصرف في مصر، مما تسبّب في انخفاض الجنيه المصري بحرية أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكي الذي لا يزال عملة الاستيراد الرئيسية.
وتسبّبت الانخفاضات المتكررة في قيمة الجنيه في خسارة أكثر من 50٪ من قيمته خلال العام الماضي.
وأشار الموقع إلى أنّ عمليات الدفع المتكررة لأسعار الصرف من قبل البنك المركزي تهدف في المقام الأول إلى دعم الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية من خلال خلق طلب على العملة الوطنية، حتى وإن كان لها تأثير سلبي على الاستثمار والأنشطة الاقتصادية.
زيادة أسعار الفائدة تخالف المنطق
بدورهم، تساءل بعض الاقتصاديين عن منطق هذه الزيادات في الأسعار، في ظل الإخفاقات السابقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بفشل هذه الارتفاعات في خفض التضخم.
وقالت مهدي: “بدلاً من الاعتماد على رفع أسعار الفائدة وحده، يتعين على الحكومة اتباع سياسة انكماشية من خلال خفض الإنفاق وتعليق الزيادات في رواتب موظفي الدولة الذين يزيد عددهم عن 5 ملايين موظف.. هذا الإنفاق سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع التضخم، لأنه لا يقابل بزيادة في الإنتاج”.
وبحسب الموقع، فقد شارك هذا الرأي الأشخاص العاديون الذين اشتروا خطط الادخار في البنوك المحلية قبل عام، موضحاً الموقع أنّ الانخفاض المتكرر في قيمة العملة الوطنية يعني أن مدخرات هؤلاء الأشخاص يتم تآكلها، خاصة وأن الفوائد على خطط الادخار لا تعوض هذه الخسارة.
ولفت إلى أنّ هذا السبب دفع بعض الناس للقول إنهم سيبتعدون عن الادخار ويبدأون في الاستثمار في المتاجر ذات القيمة، مثل: الذهب والعقارات والسيارات.
فقدان الثقة في الاستثمار بشهادات الإيداع
ونقل الموقع عن محمد صبيح البالغ من 55 عاماً قولَه، إنه وضع كلّ مدخراته في شهادات الإيداع ذات العائد 18٪ منذ ما يقرب من عام.
وقال إنّ مدخراته الآن انخفضت إلى نصف قيمتها الأصلية بسبب تخفيض قيمة الجنيه، حيث أكد أنه سينتظر حتى استحقاق شهاداته قبل صرفها، مضيفاً: “بعد ذلك سأشتري الذهب أو العقارات بدلاً من الادخار في البنوك”.
ويقول الاقتصاديون، إنّ فشل خطط الادخار الجديدة في ضخ الأموال في جيوب الناس سوف يترجم إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات في السوق.
وقال خالد الشافعي، مدير مركز كابيتال للدراسات الاقتصادية، وهو مركز أبحاث محلي، لـ “المونيتور”، إنّ هذه الزيادة في الطلب سترفع معدل التضخم أكثر.
في غضون ذلك، هناك زيادة في الودائع بالعملات الأجنبية في البنوك الوطنية، مما يعكس على الأرجح تراجع الثقة في العملة الوطنية، ولهذا السبب يدعو بعضهم إلى سياسة أكثر شمولية لإخراج مصر من أزمتها الاقتصادية الحالية ومساعدة المواطنين على حماية مدخراتهم.