وطن- كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أنّ سلطات الإمارات تواصل حبس ما لا يقلّ عن 51 سجينًا إماراتيًا، أنهوا مدة الأحكام بحقّهم قبل ما بين شهر وما يقرب من أربع سنوات، بذرائع لا أساسَ لها من الصحة.
وقالت المنظمة، في تقرير لها، إنّ جميع السجناء كانوا جزءاً من المحاكمة الجماعية الجائرة للغاية المعروفة بـ”الإمارات 94” لـ69 من منتقدي الحكومة، الذين انتُهكت إدانتهم حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع.
وتستخدم السلطات الإماراتية تبريرات لا أساس لها من الصحة تتعلق بمكافحة الإرهاب لمواصلة احتجازهم بعد انتهاء الأحكام الصادرة بحقهم.
وقالت جوي شيا، باحثة في شؤون الإمارات في هيومن رايتس ووتش: “عانى السجناء في قضية الإمارات 94 بشكل هائل بعد سنوات في السجن في أعقاب محاكمة جائرة للغاية”.
وأضافت: “يتعين على السلطات الإماراتية إطلاق سراحهم على الفور ووضع حدٍّ لهذه المحنة المستمرة منذ عقد من الزمن، وينبغي أيضاً لشركاء الإمارات البارزين، ومن ضمنهم الولايات المتحدة ومنظمو قمة المناخ كوب 28، الضغط على السلطات الإماراتية للإفراج الفوري عنهم”.
كيف اعتُقل النشطاء؟
وكان السجناء من بين 94 شخصاً اعتُقلوا بَدءاً من مارس 2012، في موجة اعتقالات تعسفية وسط حملة قمع غير مسبوقة ضد المعارضة، وكان للقضية تأثيرٌ مروّع على حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.
وفي يوليو 2013، أدانت “المحكمة الاتحادية العليا” في أبو ظبي 69 من المتهمين، وحكمت على خمسة منهم بالسجن سبع سنوات، و56 بالسجن عشر سنوات، وثمانية غيابياً بالسجن 15 عاماً، وبرّأت 25.
ولم يكن من الممكن استئناف الحكم، وهو ما يشكّل مخالفةً للقانون الدولي، لأنه صدر عن أعلى محكمة في الإمارات.
وحتى مارس 2023، كان 51 قد أكملوا عقوباتهم لكنهم ما زالوا مسجونين دون أساس قانوني واضح، وفقاً لنشطاء إماراتيين ووثائق قضائية. أنهى بعض السجناء مدة عقوبتهم منذ يوليو 2019.
وأدين المتهمون بموجب المادة 180 من قانون العقوبات، التي تجرّم الارتباط بجماعة تهدف إلى قلب نظام الحكم في البلاد.
اتهامات النيابة الإماراتية للنشطاء
وأصدر النائب العام سالم سعيد كبيش بياناً في يناير 2013، زعم فيه أنّ الـ94 قاموا “بإنشاء وتأسيس وإدارة تنظيم يهدف إلى الاستيلاء على الحكم في الدولة”، واعتُقل العديد من المتهمين فقط لأنهم ينتمون إلى جماعة سياسية غير عنيفة، هي “جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي” (الإصلاح)، التي دعت إلى مزيد من الالتزام بالتعاليم الإسلامية وانخرطت في نقاش سياسي سلمي في الإمارات لسنوات.
ويبدو أن “قانون مكافحة الجرائم الإرهابية” القمعي لدولة الإمارات لعام 2014 يسمح بالاحتجاز إلى أجلٍ غير مسمى للسجناء الذين تتوافر فيهم “خطورة إرهابية”، والتي لا يُعرّفها القانون بوضوح.
ويمكن إيداع هؤلاء السجناء في مراكز الإرشاد أو “المناصحة” بناءً على طلب نيابة أمن الدولة. تُعرِّف المادة 1 من قانون مكافحة الإرهاب مراكز المناصحة بأنها “وحدات إدارية تهدف إلى هداية وإصلاح من توافرت فيهم الخطورة الإرهابية أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية”.
وقال نشطاء إنّ أربعةً من الـ51 على الأقل تلقَّوا رسالة من النيابة العامة تفيد بأنهم ضمن برنامج المناصحة خلال ما كان يفترض أن تكون الأشهر الثلاثة الأخيرة من الاحتجاز.
بعد ثلاثة أشهر، تمّ عرض هؤلاء المعتقلين أمام قاضٍ قرر أنهم ما زالوا يحملون “أفكاراً إرهابية”، وقرّر أنهم بحاجة إلى مزيد من “الإصلاح”.
وبموجب المادة 48 من قانون مكافحة الإرهاب، يجوز للنائب العام وضع المحكوم عليه بجريمة إرهابية ضمن برنامج المناصحة في السجن الذي كان يقضي فيه عقوبته، تحت إشراف أحد مراكز المناصحة.
وفي حالة واحدة على الأقل، قالت السلطات لسجين إنه سيُعرض على محكمة لتحديد ما إذا كان سيتم تمديد حبسه، بحسب أحد أفراد الأسر.
وعيّنت له المحكمة محامياً، لم يقابله قط ولم يُسمح له بحضور الجلسة، وقال أحد أفراد الأسر إنه لم يُسمح للسجين بحضور الجلسة كاملة، ولم يتمّ إبلاغه بمدة تمديد حبسه.
وذكر أفراد الأسر أنّ السجناء الآخرين لم يتلقَّوا أيّ معلومات عن إطلاق سراحهم أو تمديد عقوباتهم، وقال أحد أفراد الأسر: “الحقيقة هي أننا نعلم أنه لن يتم الإفراج عنه لعدم وجود أيّ دليل على احتمالية ذلك، ولا يمكننا ممارسة أي ضغط قانوني، ولا يمكن لأحد الضغط على السلطات للإفراج عنه، لذلك لا نملك سوى الأمل. حكمت عليه [المحكمة] بالسجن عشر سنوات، وانقضت السنوات العشرة، فلماذا لا يزال في السجن؟ لا يوجد سبب ولا عدالة”.
ولا يحدّد قانون مكافحة الإرهاب حدّاً زمنياً لاستمرار الحبس، ويطالب بدلاً من ذلك النيابة العامة لأمن الدولة برفع تقرير إلى المحكمة كلَّ ثلاثة أشهر.
ويجوز للمحكمة أن تأمرَ بالإفراج عن شخص إذا وجدت أنّ “حالته تسمح بذلك”. ليس من الواضح ما إذا كان للمدّعى عليه أيّ حق في حضور الجلسة أو الاطلاع على الأدلة المستخدمة لتبرير اعتقاله أو الطعن فيها.
وتضمّنت انتهاكات معايير المحاكمة العادلة في محاكمة 2013 حرمان المتهمين من المساعدة القانونية في أثناء الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي قبل المحاكمة، ومزاعم التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.
واحتُجز 64 من المعتقلين في أماكن غير معلن عنها لمدة تصل إلى عام، وحُرموا من المساعدة القانونية حتى أواخر فبراير 2013، ومُنع أفراد الأسر والمراقبون الدوليون ووسائل الإعلام الدولية من حضور المحاكمة الجماعية. تعرّض محامو المتهمين للمضايقة واعتُقل بعضهم.
وتقاعست السلطات عن التحقيق في مزاعم ذات مصداقية بأنّ أقوال المتهمين التي استُخدمت كدليل في أثناء المحاكمة تمّ انتزاعها تحت التعذيب.
وفي جلسة المحاكمة، شرح المتهمون للقاضي مزاعم سوء المعاملة الجسيمة في أثناء الاحتجاز، بما في ذلك الحبس الانفرادي المطوّل، والتعرّض لإضاءة ساطعة على مدار 24 ساعة مما جعل النوم مستحيلاً، والتدفئة غير الكافية، والإهانات المتكررة من قبل حراس السجن.
وكان لعقد من السجن غير العادل عواقب وخيمة على أسر السجناء، وقال أحد أفراد الأسر إنّ ابنة أحد السجناء الصغيرة ما زالت لا تفهم سبب وجود والدها في السجن. قال أحد أفراد الأسر: “سألتني، نحن نحب بلدنا وقادتنا، لماذا يفعلون ذلك بوالدي؟”
ويُحتجز العديد من السجناء في “سجن الرزين” سيئ السمعة، ويُزعم أن العديد منهم في الحبس الانفرادي، وقال أحد أفراد الأسر: “كل السجناء يعانون هناك، ليس لديهم حقوق ومن الصعب جداً زيارتهم”. قال فرد آخر من العائلات: “على مر السنين، تزداد الظروف سوءاً”.
وأوضح أفراد الأسر أنّ الزيارات غير منتظمة ويصعب إجراؤها. غالباً ما تقود العائلات السيارة لساعات إلى السجن في وسط الصحراء، إلا أنها تُحرم من الزيارة دون تفسير.
وقال أفراد الأسر أيضاً إنّ المحادثات الهاتفية غالباً ما يتم قطعها في منتصف المكالمة دون تفسير. لم يتمكن بعض السجناء من التحدث مع أفراد عائلاتهم عبر الهاتف لسنوات.
وأوضح أفراد آخرون من الأسر أنّ هناك فترات طويلة امتدت لأشهر كان فيها السجين، كما قال أحد أفراد أسرته، “مختفياً تماماً” دون “مكالمات هاتفية، أو أي شيء”، مما دفع الأسرة إلى الاعتقاد بأنه “ربما يكون قد مات”. يُحرم السجناء أيضاً في كثير من الأحيان من الكتب والصور.
ويحظر “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” في المادة 15 العقوبة الجنائية بأثر رجعي. قالت “لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان”، في تعليقها العام على المادة 9 من العهد الدولي، إنه “في حالة لجوء الدولة الطرف، في ظلّ ظروف استثنائية مشددة، إلى استخدام ذريعة التهديد الماثل والمباشر والملحّ لتبرير احتجاز الأشخاص الذين ترى أنهم يشكّلون مثل هذا التهديد، يقع عبء الإثبات على الدول الطرف ويتعين عليها أن تبرهن على أن الأشخاص المعنيين يشكّلون تهديداً على النحو المذكور، وأنّ ذلك التهديد لا تمكن معالجته باتخاذ تدابير بديلة، ويتعاظم هذا العبء بشكل طردي مع طول فترة الاحتجاز”.
قالت شيا: “من خلال التمديد التعسفي للأحكام الجائرة بحق المنتقدين السلميين باستخدام مبررات زائفة لمكافحة الإرهاب دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، تُظهر الإمارات مرة أخرى تجاهلها التام لسيادة القانون”.