السودان وسيناريوهات محتملة.. مصير الصراع المسلح بين الدعم السريع والجيش
شارك الموضوع:
وطن– يحاول المجتمع الدولي حثّ المكون العسكري المتصارع في السودان -قوات الدعم السريع والجيش- الدخولَ في هدنة لوقف إطلاق النار بعد أيام من القتال العنيف الذي -في حالة تواصله- يُنذر بتأزيم الأوضاع الداخلية في البلاد وتحويلها نحو حرب أهلية مفتوحة على مصراعيها؛ وفي الأثناء تبقى كلّ السيناريوهات مطروحة في ظلّ تعقّد المشهد السياسي في السودان.
ما مصير الصراع بين الدعم السريع والجيش؟
يشهد السودان، منذ السبت، صراعاتٍ مسلحة ضارية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، مما أسفر عن مقتل 180 قتيلاً و1800 جريح، في حصيلة أولية أوردتها الأمم المتحدة.
رجّح محلّلون “استمرار” الصراع بين المكوّن العسكري، مما يُنذر باستمرار المعارك الدامية في البلد الأفريقي الفقير.
ويرى مراقبون للمشهد السياسي العسكري في السودان، أنّ الاحتمالات لا تزال مفتوحةً على مصراعيها سياسياً وعسكرياً.
وفي هذا الصدد، قال اللواء المتقاعد والخبير العسكري، محمد عجيب، في حديث لموقع “الحرة“، إنّ “الوضع الراهن في السودان منفتح على كل الاحتمالات”.
بدوره، رجّح المحلل السياسي، الجميل الفاضل، أنّ التكهنات بانتهاء الصراع خلال وقت قريب “صعب جداً”، لافتاً إلى وجود “معلومات مضللة وكاذبة تصدر من كلا الطرفين”.
أما الكاتب والمحلل السياسي، محمد عثمان الرضي، فاعتبر أنّ “هناك تعنّت من الطرفين وتمسّك بالتصعيد العسكري”، مما قد يؤدي إلى استمرار المعارك.
على الأرض، لا توجد مؤشرات واضحة على انتصار أيٍّ من الطرفين بالمعارك التي تتركز بالعاصمة الخرطوم، وسط أزمة إنسانية باتت تلوح في الأفق ومناشدات من قبل المجتمع الدولي بضرورة إيقاف العنف.
مستقبل السودان لو انتصر عبد الفتاح البرهان
إذا استطاع الجيش السوداني أن يحسمَ الصراع عسكرياً، وينتصر على قوات الدعم السريع في المعارك الدائرة حالياً، يرسم “الرضي” مساراً سياسياً جديداً للسودان يختلف كليّاً عن الاتفاق الإطاري الذي أعلن عنه في ديسمبر.
وقال إن انتصار الجيش “يعني أنّ هناك واقعاً سياسياً جديداً ستتحكم فيه القوات المسلحة بزمام الأمور، وهي التي ستحدّد مَن الذي يدير البلاد في الفترة المقبلة وستختار رئيس الوزراء والوزراء ومؤسسات الدولة والقرار سيصبح عسكرياً”.
وتابع: “حتى (المدنيون) الذين سيتم اختيارهم سيكونون داخل بيت الطاعة العسكري.. وبذلك سنرى نسخة جديدة للحكم العسكري بثوب مدني”، على حدّ قوله.
وهو اتجاه يذهب إليه أيضاً، اللواء المتقاعد محمد عجيب، الذي قال إنّه في حال كسبت القوات المسلحة المعركة، فإنّ ذلك “سيفرز واقعاً سياسياً وعسكرياً جديداً يختلف عن الواقع الذي سبق اندلاع الصراع”.
مضيفاً أنّ “الواقع السياسي الجديد لن يعود لتلك النقطة”، في إشارة إلى الاتفاق الإطاري.
وتابع ذات المتحدث أنه ستكون هناك “عملية سياسية جديدة لتغيير الواقع السياسي القديم المأزوم الذي قاد لهذه النقطة ومن المنطقي أنّ انتصار القوات المسلحة يعتبر هزيمة لذلك (الاتفاق) واستبداله بواقع جديد يستوعب كل القوى السياسية الأخرى”.
وعلى صعيد آخر، يعتقد المحلل السياسي الجميل الفاضل، أنّ الجيش لن يتوقف عن عملياته إلا “بتفكيك كامل لقوات الدعم السريع التي لن تتوقف هي الأخرى ما لم يستسلم قادة الجيش”.
ويشير المحلل السياسي السوداني إلى أنّ انتصار القوات المسلحة على قوات الدعم السريع في هذه المعركة “يصبّ في إعادة هيمنة الحركة الإسلامية السودانية بأقوى مما كانت عليه”، إذ تستطيع العناصر الإسلامية داخل القوات المسلحة أن تستعيدَ نفوذها في حالة شلل العملية السياسية، بحسب تحليله.
مستقبل السودان لو انتصر حميدتي
يقول المحلل السياسي الجميل الفاضل، إنّه “ليس من السهل الافتراض أنّ قوات الدعم السريع قادرة على الانتصار ميدانياً” قياساً على التفوق العسكري للقوات المسلحة.
وتابع بقوله، إنّ “قوات الدعم السريع كانت تؤيد العملية السياسية وخروج المؤسسة العسكرية من السياسة وعودتها إلى الثكنات، وهذا اتجاه ينصب في مشروع الثورة والمطالبة بحكم مدني كامل”، بحسب قوله.
وفي حال انتصرت قوات الدعم السريع في المعركة، فإنّها “لا تستطيع التراجع عن التعهدات التي أطلقتها سابقاً باستمرار العملية السياسية وإخراج المكون العسكري من السياسة”.
أما اللواء “عجيب”، فيعتقد أنه حالَ فازت قوات الدعم السريع بالمعركة، فستستخدم الاتفاق الإطاري لإقصاء القوى السياسية الأخرى “مما يجعل من الحكومة التي تشكّلها حكومة أقليات تحكم البلد بالحديد والنار؛ لأنّ تلك الأحزاب المتحالفة مع الدعم السريع ليس لها رصيد سياسي ومناصرين من الشعب”.
وأشار إلى أنّ هذا الاحتمال من شأنه أن يجعلَ الفترة الانتقالية للحكم طويلة وقد تصل لعشر سنوات، على حدِّ قول عجيب، مضيفاً: “سيحكمون بشرعية الثورة وليس بشرعية دستورية مما سيطول أمد الفترة الانتقالية”.
من جانبه، يذهب المحلل السياسي الرضي، نحو مسار “مختلف” حال انتصار قوات الدعم السريع ميدانياً.
وقال إنّ تلك القوات بزعامة دقلو “ستتجه للحواضن الخارجية وسيدار البلد من الخارج … وفي هذه الحالة ستكون مفاصل الدولة لدى دول أخرى مما يتيح الفرصة لأصحاب الجوازات الأجنبية”، لاعتلاء السلطة، بحسب تعبيره.
ماذا عن التسوية في صفوف المكون العسكري؟
في سياق الحديث عن تسوية محتمَلة بين قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، والجيش السوداني بقيادة البرهان، استبعدَ محللون وجود فرص حقيقية للتسوية السياسية بين طرفي النزاع حالياً.
ويرى الرضي وجود فرص “ضئيلة” للتسوية من خلال مبادرة أفريقية.
وقال إنّ هذا الافتراض سيوجِد “توافقاً بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة والأحزاب السياسية المتحالفة مع الطرفين لقيادة البلاد بالمناصفة”.
ومع ذلك، في ظلّ استمرار المعارك الميدانية وحديث الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر عن “استحالة” تقديم الخدمات الإنسانية في الخرطوم ومحيطها، يرجّح الرضي أن يكون هناك تدخل من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
وقال إنه “ربما يكون هناك تدخل دولي (ميداني) من قبل مجلس في السودان لحماية المدنيين … أرجح ذلك”.
من جهته، يعتقد “الفاضل” أنّ فرص التسوية بين الطرفين “شبه مستحيلة”، وأنّ الحرب مستمرة ويمكن أن تكون واسعة النطاق عبر انتقالها لمدن أخرى، وفق تعبيره.
وقال إنه حتى لو انتصر الجيش في الخرطوم، فإنّ هذا لا يعني نهاية الحرب في السودان بأكمله.
سقوط عمر البشير
ويشار إلى أنّ ثورة في عام 2019، أسقطت نظام الرئيس السابق، عمر البشير، الذي استمرّ لثلاثين عاماً، حيث وقّعت قوى مدنية مؤيدة للانتفاضة، اتفاقاً لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية تُفضي إلى انتخابات.
وفي 25 أكتوبر 2021، أعلن قائد القوات المسلحة، عبد الفتاح البرهان، حلّ مجلسا السيادة والوزراء والمؤسسات الانتقالية وكذلك أعلن حالة الطوارئ وتعليق العمل بموادّ من الوثيقة الدستورية.
وبعد تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للاتفاق الإطار مرتين هذا الشهر، اندلعت اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخرطوم ومدن أخرى، نتيجةَ خلافات بين الحليفين السابقين اللذينِ شاركا في إطاحة البشير.