نيويوركر: اعتقال “الغنوشي” إثبات لجماعات العنف على عدم جدوى صندوق الاقتراع!

وطن– أكد موقع “نيويوركر” الأمريكي، أنّ قيامَ الرئيس التونسي المنقلب قيس سعيد باعتقال زعيم “فريد” مثل الغنوشي الذي كان صوتًا للديمقراطية في أمته وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، لا يمثّل ضربة للديمقراطية التونسية فحسب؛ بل يمثّل أيضًا انتكاسة للعالم أجمع.

وقال الموقع إنّ تونس، مهد الربيع العربي، كانت آخر مكان فشل فيه، حيث إنه بعد عقد من الحرية والديمقراطية، في عام 2021، قام رجل قوي جديد، الرئيس قيس سعيد، بإغلاق البرلمان، وبعد فترة وجيزة، بدأ في فرض دستور سلطوي واعتقال منتقديه.

وأضاف أنه هذا الأسبوع، جاءت الشرطة أخيرًا لراشد الغنوشي، زعيم أكبر حزب سياسي في تونس والمفكر الأكثر نفوذاً في العالم العربي حول التوليف المحتمل للديمقراطية الليبرالية والحكم الإسلامي.

ولفت الموقع إلى أنّ فحص الغنوشي للديمقراطية الليبرالية في بريطانيا من منظور إسلامي جعله يختلف عن جيل من المثقفين العرب، حيث استنتج علماء الإسلام منذ فترة طويلة أنه في “دار الإسلام” الحقيقية يجب أن يشعر المسلم بالأمان في حريته وممتلكاته ودينه وكرامته، كما كتب الغنوشي في أطروحته البارزة، “الحريات العامة في الدولة الإسلامية”، التي بدأ كتابتها في السجن ونُشر باللغة العربية عام 1993.

وأشار الموقع إلى أنّ “الغنوشي” تساءل لماذا وجد الأمن في الغرب فقط؟ وخلص إلى أنّ الدولة الإسلامية الحقيقية يجب أن تقوم على “حرية الضمير” للمسلمين وغير المسلمين على حدٍّ سواء، كما حثّ الغنوشي الإسلاميين على التعلم من الديمقراطية الغربية – للاستفادة “من أفضل التجارب البشرية بغض النظر عن أصولهم الدينية، لأنّ الحكمة هي توأم الشريعة”، حسب موقع “نيويوركر“.

الغنوشي حاول إقناع مرسي بالتنازل عن بعض السلطة

ونوّهت إلى أنه في أواخر ربيع 2013 -قبل عقد من الزمن- سافر الغنوشي إلى مصر لتقديم المشورة لأول رئيس منتخب ديمقراطياً، محمد مرسي، من جماعة الإخوان المسلمين، حيث إن معارضي مرسي قاموا باحتجاجات وطالبوا باستقالته، وكان قائد القوات المسلحة يرسل إشارات مختلطة حول ولائه.

وقال الموقع، إن الغنوشي أمضى أكثر من عقدين من الزمن يفكر ويكتب عن نفس الوعود التي حملتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي الجمع بين الحكم الإسلامي والانتخابات الديمقراطية والحريات الفردية، وإنه خلال رحلته إلى القاهرة، حاول إقناع مرسي أنه من أجل تحقيق هذه الأهداف، يجب أن يفقد بعض السلطة طواعية.

مرسي رفض نصيحة الغنوشي

وبحسب الموقع، فقد رفض مرسي تلك النصيحة، مقتنعاً بأنّ التنازل عن السلطة تحت التهديد بالاحتجاجات سيكون استسلاماً للابتزاز السياسي وسابقة خطيرة، مؤكّداً أنه لو اتبع مرسي نصيحة الغنوشي، لربما كان بإمكانه نزع فتيل الاحتجاجات التي ملأت الشوارع يوم 30 يونيو/حزيران، وما أعقبها في في 3 يوليو 2013، حين أطاح الجنرال عبد الفتاح السيسي– الرئيس الحالي، ربما مدى الحياة- بمرسي من السلطة، منهياً تجربة مصر التي استمرت ثلاثين شهرًا مع الديمقراطية والحرية.

ونوّه الموقع إلى قتل أكثر من ألف إسلامي مصري في الشوارع لمعارضتهم الانقلاب، وسُجن عشرات الآلاف غيرهم، موضحاً أنه في الوقت الذي يطالب فيه أولئك الذين في السجون أو في المنفى بالانتقام من الفصائل الليبرالية ظاهريًا والتي دعمت في البداية استيلاء السيسي على السلطة، إلا أن الغنوشي ما زال يحثّ على المصالحة، حيث قال إن “السفينة المصرية يجب أن تضم جميع المصريين وليس إلقاء بعضهم في الماء”. يجب ألا يكون هناك عقاب جماعي. إن علاج الديمقراطية الفاشلة هو المزيد من الديمقراطية”.

الغنوشي جعل من النهضة مثالاً فريداً

وقال الموقع إن “الغنوشي” من خلال قيادته لحركة النهضة جعل منها مثالاً فريداً لما أطلق عليه البعض الإسلام الليبرالي، حيث ساعد الغنوشي في إقناع قادة النهضة بالتخلي عن لقب “الإسلاميين” والبدء في وصف أنفسهم بأنهم ديمقراطيون مسلمون.

ولفت الموقع إلى أنه نشر مقالاً في مجلة فورين أفيرز لشرح التغيير ودفع حزبه، الذي قاد صياغة الدستور، بميثاق يتضمن حماية صريحة لحقوق المرأة والأقليات الدينية، وأشار أيضًا إلى أن تونس كانت واحدة من الدساتير العربية القليلة التي لم تُشر إلى الشريعة الإسلامية.

وأكد أنّ تونس ضمنت الحريات للمساجد والكنائس والمعابد اليهودية وحتى “الحانات”، ولم يصل إلى حدّ تأييد زواج المثليين، لكنه وصف الحياة الجنسية بأنها مسألة شخصية بحتة، وهو موقف أكثر ليبرالية من ذلك الذي تتخذه أي حكومة عربية تقريبًا.

قرار الغنوشي بالترشّح للبرلمان

وبحسب المقال، فإنه في عام 2019، اتخذ الغنوشي أيضًا قرارًا مشكوكًا فيه بالسعي للحصول على مقعد في البرلمان، ثم تمّ اختياره كرئيس له، ليصبح سياسيًا.

وقال عماد شاهين، باحث في الإسلام السياسي في المنفى من مصر، وهو الآن أستاذ زائر في جامعة هارفارد، “كان هذا البرلمان سيركًا، وليس مكانًا يرأسه زعيم من عياره الفكري، وقد استحوذ عليه سياسة تافهة”.

فوز قيس سعيد بالرئاسة

واستذكر الموقع أيضاً أنّ في انتخابات 2019، رفض الناخبون كلّ مرشح رئاسي شغل مناصب عامة، حيث وصل اثنان من الشعبويين -قطب إعلامي بارز وأستاذ قانون غامض، وحصلا معًا على ثلث الأصوات فقط- إلى جولة الإعادة وفاز قيس سعيد بأغلبية ساحقة بدعم من النهضة.

وأشار سعيد في البداية إلى أزمة الوباء كذريعة لحل البرلمان والحكم بمرسوم، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يبدأ في اعتقال قائمة طويلة من النقاد والمعارضين، وبلغت ذروتها هذا الأسبوع مع الغنوشي.

وتشمل جريمته المزعومة تصريحًا أدلى به في نهاية الأسبوع الماضي: “تونس بدون النهضة، بدون إسلام سياسي، بدون اليسار أو أي من مكوناته، مشروع حرب أهلية”.

اعتقال راشد الغنوشي

وبحسب الموقع، فإنه قبل وقت قصير من الغسق والإفطار بعد صيام يوم الاثنين، أقدس ليلة في رمضان، داهم أكثر من مائة ضابط شرطة يرتدون ملابس مدنية منزله، بحسب ما أفاد حزبه في بيان.

بعد يومين في الحجز، تمّ استجواب الغنوشي، البالغ من العمر الآن 81 عامًا، لمدة ثماني ساعات. وحكم عليه قاضٍ يوم الخميس بالحبس الاحتياطي المطول، وتم اتهامه بالتحريض.

ووفقاً للموقع، فإن الضربة التي تتعرض لها الديمقراطية التونسية واضحة، لكنّ سجن زعيم بمفرده مثل الغنوشي يمثّل أيضًا نكسة للعالم الأوسع، وبالنسبة للإسلاميين الذين يتبنون العنف، فإنّ سجنه هو إثبات – دليل جديد على عدم جدوى صندوق الاقتراع وإسكات صوته خسارة للغرب أيضًا.

ونقل الموقع عن روبرت كاجان، مؤرخ السياسة الخارجية الأمريكية، قوله إن “الزواج بين الإسلام والليبرالية والحكم الديمقراطي هو الحل لمشاكلنا في العالم العربي، وهو الحل لمشكلتهم معنا”، منوّهاً إلى أن هذا كان الأمل الذي حاول الغنوشي إنقاذه في مصر قبل عشر سنوات.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث