باب الرحمة.. قصة المصلى التاريخي الذي يخشى الفلسطينيون تحويله إلى كنيس يهودي
وطن– حذّر سياسيون ومحللون فلسطينيون، من تحويل مصلى باب الرحمة القريب من قبة الصخرة إلى كنيس يهودي، في ظلّ الاعتداءات المتواصلة من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي الساعية لتهويده.
وتصاعدت التحذيرات في الآونة الأخيرة من مساعي الاحتلال المتواصلة لتهويد باب الرحمة، بسبب قربه من قبة الصخرة، وكونَه الباب الوحيد الذي لا يمرّ من الأسواق أو البلدة القديمة في القدس المحتلة.
وقبل أربع سنوات، تمكّن المقدسيون من إعادة فتح مصلى باب الرحمة بعد إغلاقٍ دام 16 عاماً، ما أثبت قدرة المقدسيين على الوقوف في وجه الاحتلال ومخططاته في المسجد الأقصى، فيما يزال الخطر الإسرائيلي محدقاً بالمصلى والمنطقة الشرقية للمسجد.
في غضون ذلك، تستهدف جماعات الهيكل مصلى باب الرحمة بأداء صلواتهم التلمودية قربَه وفي الناحية الشرقية من المسجد، فيما ضاعفت قوات الاحتلال من نقاط المراقبة فوق المصلى جانبه، ومراقبة رواده وعرقلتهم والتضييق عليهم.
وقال السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة في تغريدة على تويتر: “يزعم اليهود أن باب الرحمة في القدس يفضي إلى الهيكل، وأن المسيح المنتظر سيدخل من هذا الباب.. وبعد نجاح اليهود في تثبيت حقيقة التقسيم الزماني للمسجد الأقصى، يسعون إلى التقسيم المكاني، وذلك من خلال إغلاق مصلى باب الرحمة، وعزله عن جسم المسجد الاقصى، والاستفراد به، لإفامة كنيس يهودي”.
https://twitter.com/fayez2013851/status/1652778334701355009?s=20
بدوره، قال الخبير في تاريخ القدس جمال عمرو، إنّ هناك تحذيرات جدية من مساعي الاحتلال لتحويل مصلى باب الرحمة إلى كنيس يهودي.
وأضاف الخبير: “باب الرحمة أمام أطماع ومخاطر شديدة، تحدق به منذ سنوات بعد هبة باب الرحمة، وفتح فيها المقدسيون باب الرحمة رغم قيود الاحتلال، وظن الاحتلال أن المقدسيين سينسون مع مرور الزمن المصلى وسيعمل على تفريغه لاحقاً”، وفق شبكة قدس.
https://twitter.com/qudsn/status/1652774604140675073?s=20
وأشار إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي عمد في السنوات الأخيرة، إلى تفريغ المسجد الأقصى ومنع موظفي الأوقاف من العمل فيه أو ترميمه أو حتى التصوير فيه، ثم جاء بقطعان المستوطنين للحشد فيه، وقالوا إنّ باب الرحمة هو أقرب الأبواب إلى ما يطلقون عليه “قدس الأقداس”، وهو ساحة قبة الصخرة المشرفة.
ولفت إلى أنّ أبواب المصلى تفتح مباشرة على المسجد الأقصى المبارك، ما يسهّل وصول المستوطنين المقتحمين، ولذلك يسعى الاحتلال إلى تحويله لكنيس مسقوف.
https://twitter.com/AlQastalps/status/1650387690582360064?s=20
كيف يُفشِل الفلسطينيون المخطط؟
بدوره، قال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في مدينة القدس محمد حمادة، إنّ الرباط والاحتشاد في باحات المسجد الأقصى المبارك يُفشلان مخططات الاحتلال داخل مصلى باب الرحمة.
وأضاف أن الاحتلال يسعى إلى أن يكون له موطئ قدم في المسجد الأقصى من خلال العدوان على مصلى باب الرحمة، مشيراً إلى أنّ استهداف الاحتلال لمصلى باب الرحمة، الهدف منه إقامة الهيكل المزعوم وهدم المسجد الأقصى، وتحويل المصلى إلى كنيس يهودي.
https://twitter.com/AJArabic/status/1652228728662147073?s=20
ولفت إلى أنّ الاحتلال يحاول ترسيم وقائع جديدة في المسجد الأقصى وشرعنة وجوده فيه، من خلال الاعتداء على مصلى باب الرحمة، ودعا إلى ضرورة تصعيد المواجهة في نقاط التماس مع الاحتلال لحماية مصلى باب الرحمة من اعتداءات المستوطنين.
قصة المصلى تمتد لـ1300 عام
وباب الرحمة بناه الأمويون قبل نحو 1300 عام ليكون باباً مشتركاً بين سور القدس والمسجد الأقصى الشرقي، ولاصقه مصلى باب الرحمة الذي يتكون من بابي “التوبة” و”الرحمة”، اللذين يفضيان إلى قاعة كبيرة مقببة تحملها أعمدة رخامية.
ظلّ المصلى مفتوحاً حتى العهد العباسي، ثم احتله الفرنجة وفتحوه في أيام عيد الفصح، وقدّسوه زعماً منهم أنه الباب الذي دخل منه السيد المسيح عليه الصلاة والسلام.
وبعد تحرير القدس، أغلق القائد صلاح الدين الأيوبي الباب لأغراض أمنية، وحوّل المصلى إلى مكان للصلاة، حتى الفترتين المملوكية والعثمانية، حيث اعتكف فيه الإمام أبو حامد الغزالي وألّف كتابه “إحياء علوم الدين”، ونشطت فيه المولوية المتصوفة.
انتكس المصلى وقلّ استخدامه في عهد الاحتلال البريطاني بسبب التضييقات على المصلين، ورغم ذلك فإنه ظلّ مفتوحاً حتى العهد الأردني، ثم أُهمل تماماً بعد الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى عام 1967.
لكنه في عام 1992 شهد انتعاشاً لافتاً استمر 11 عاماً، بعدما اتخذته لجنة التراث الإسلامي مقرّاً لها ونشطت فيها الفعاليات الدينية والاجتماعية، حتى حظرها الاحتلال مطلع عام 2003، واتخذ ذلك ذريعة لإغلاق المصلى بالكامل.
منذ ذلك الحين، لم يفتح مصلى باب الرحمة أمام المصلين، لكنه استخدم كقاعات لعقد امتحانات مدارس الأقصى الشرعية، حتى جاء منتصف فبراير 2019، حيث أقفل الاحتلال البوابة الحديدية المؤدية إلى درج حجري يوصل نحو مصلى باب الرحمة، وبرّر ذلك بعقد الأوقاف الإسلامية اجتماعاً داخل المصلى، وهنا احتشد بضعة مقدسيين وخلعوا قفل البوابة ومن ثم البوابة بأكملها.
تلاحقت الأحداث بعدها وازدادت أعداد المصلين من القدس والداخل الفلسطيني الذين أدّوا الصلوات الجماعية في محيط المصلى، واشتبكوا مع قوات الاحتلال ليلة الـ19 من الشهر ذاته ليصاب ويعتقل العشرات منهم.
توّجت الاعتصامات المكثّفة التي استمرت بضعة أيام، بصلاة جمعة حاشدة أمّها الآلاف الذين اندفعوا بعد الصلاة نحو بابي المصلى، وفتحوهما عنوةً برفقة بعض المرجعيات الدينية المقدسية، وصدحت التكبيرات والهتافات لأول مرة منذ 16 عاماً داخل المصلى.
ومنذ إعادة فتح المصلى، دأبت شرطة الاحتلال على اعتقال أيّ شخص يفتح مصلى باب الرحمة في الصباح الباكر، حيث بدأ الأمر باعتقال حراس المسجد الأقصى الذين يفتحونه، وإبعادهم لمدة تتراوح بين 4 و6 أشهر، ثم تطوّع المصلون لفتح الباب والمجازفة بالاعتقال والإبعاد، واستمرت تلك الحال لنحو 6 أشهر، تخلّلها اقتحام شرطة وضباط الاحتلال المصلى بالأحذية، واعتقال المصلين من داخله والتضييق عليهم، ومنع إدخال مستلزمات المصلى.
كما أصدرت محكمة إسرائيلية في يوليو 2020 قراراً بإعادة إغلاق المصلى، لكنه لم يُنفّذ.