هل مصر في طريقها للانهيار؟!

وطن- نشر موقع (nationalinterest) مقالاً للكاتب “ديفيد شينكر”، عنونَه بـ”هل تتجه مصر نحو الانهيار؟”

وجاء في المقال: كان حفل استقبال غرفة التجارة الأمريكية في مصر الذي أقيم في أواخر فبراير فاخراً. كان النبيذ يتدفق في البهو المهيب للمتحف المصري الكبير الجديد، والبوفيه مليء بالسوشي، وكان عازف القيثارة يعزف موسيقى هادئة.

على الرغم من هذه الأجواء الاحتفالية، فإنّ رجال الأعمال المصريين الذين قابلتهم كانوا يائسين وكان قادة الصناعة هؤلاء في مزاج سيء، لأن الاقتصاد المصري كان في حالة انهيار، كما قالوا.

بدأ الانحدار الشديد الذي نشهده اليوم منذ ما يقرب من عقد من الزمان، عندما شرعت القاهرة في فورة إنفاق غير مستدامة واقترضت أموالًا من أجل الانفاق الباهظ على الأسلحة والمشاريع العملاقة والبنية التحتية.

ومما زاد الطين بلة، أنه خلال هذه الفترة توسّع دور الجيش في الاقتصاد بشكل كبير مما أدى إلى خنق القطاع الخاص وكبح جماح الاستثمار الأجنبي المباشر.

يجب أن يثير المسار التنازلي الحالي لأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان قلق واشنطن بشكل كبير، فالمستنقع عميق.

تضاعف الدين الخارجي لمصر 

منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم عام 2014، تضاعف الدين الخارجي للدولة المصرية بأكثر من ثلاثة أضعاف إلى ما يقرب من 160 مليار دولار، ونتيجةً لذلك سيتم تخصيص 45٪؜ من ميزانية مصر لخدمة الدين القومي، وفي الوقت نفسه، يحوم التضخم حول 30٪؜، وارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي بأكثر من 60٪؜.

من المؤكّد أنّ اللوم في التدهور الحاصل ليس على السيسي وحده، فقد أدّت جائحة كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا إلى زيادة الضغط على الاقتصاد المصري، مما أدى إلى تقليص عائدات السياحة -12٪؜ من الناتج المحلي الإجمالي- ورفع أسعار السلع الأساسية، وخاصة القمح.

في العام الماضي، قدّمت السعودية وقطر والإمارات استثمارات بقيمة 22 مليار دولار وودائع للبنك المركزي لتغطية العجز الحكومي المتكرر ومحاولة اعادة الاستقرار للوضع المالي في القاهرة، لكن كما هو الحال مع عمليات الإنقاذ الخليجية السابقة، فشل الدعم في وقف الأزمة الاقتصادية.

في مواجهة لحظة التحوّل هذه، دفع السيسي في ديسمبر/كانون الأول مصر إلى برنامج آخر لصندوق النقد الدولي، ووعد الترتيب المشروط بتسليم ثلاثة مليارات دولار نقدًا للقاهرة واحتمال أربعة عشر مليار دولار إضافية لها في شكل استثمار وتمويل إقليمي ودولي، في مقابل التزام مصر بتعويم العملة وتقليص دور الجيش في الاقتصاد.

تعويم الجنيه المصري

تمّ تعويم الجنيه المصري وانخفضت قيمته بنسبة 50٪؜ حتى الآن، لكن السيسي لم ينفذ بعد تعهده بتقليص سيطرة الجيش على ما يقدّر بنحو 30-40٪ من الاقتصاد.

تم تعويم الجنيه المصري وانخفضت قيمته بنسبة 50٪؜ حتى الآن watanserb.com
تمّ تعويم الجنيه المصري وانخفضت قيمته بنسبة 50٪؜ حتى الآن

تدفق رأس المال من الخليج إلى مصر يعتمد على سحب الاستثمارات العسكرية من الاقتصاد ولهذه الغاية.

نشرت الحكومة في فبراير/شباط الماضي قائمةً بنحو اثنتين وثلاثين شركة مملوكة للجيش سيتم بيعها، لكن سرعان ما تلاشت التقييمات الأولية المتفائلة لهذه المبادرة، عندما ظهر أنّ حصص الأقلية فقط في هذه الشركات كانت معروضة للبيع.

بالرغم من أن بعض الأصول الموجودة في الكتلة المعروضة قد تكون جذابة، فإنه من غير المرجح أن يضع المستثمرون الخليجيون أموالهم بحماس في حصص لا تؤدي إلى السيطرة على القرار في الشركات المملوكة للدولة، والتي تعمل بشكل مبهم، وربما تمّ المبالغة في قيمها.

حاله حال دول الخليج الغنية بالنفط، يشكّ صندوق النقد الدولي أيضًا في التزام السيسي بتهميش دور الجيش فعليًا في الاقتصاد المصري.

كان من المقرر إجراء المراجعة الأولى في البرنامج الذي يقدّمه الصندوق ويمتدّ لأربع سنوات في الخامس عشر من مارس الماضي، لكن صندوق النقد الدولي أخر التقييم، حتى تحرز القاهرة تقدّمًا في الخصخصة.

السيسي يملك خيارات قليلة للتعامل مع الأزمة الحالية

إن تحفّظ السيسي على إجراء هذا الإصلاح أمر مفهوم فهو ضابط سابق، ويعتمد نظامه بشكل كبير على الدعم المستمر للجيش، لكن السيسي يملك خيارات قليلة للتعامل مع الأزمة الحالية.

المصائب تتوالى على نظام السيسي.. وكالة "فيتش" تخفض تصنيف مصر وتكشف توقعاتها المتشائمة! watanserb.com
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

في يناير الماضي، أوضحت السعودية -الممول الأخير المتاح للقاهرة- أنّ أيام المنح غير المشروطة والودائع الهائلة الخالية من القيود في البنك المركزي المصري قد ولّت وقالت الرياض إنه لن تتدفق رؤوس الأموال الخليجية إلى مصر من الآن فصاعدًا، إلا إذا كان هناك عائد على الاستثمار.

مصر مدينة بالفعل بـ23 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدولة ستفي في النهاية بالتزاماتها المرهقة تجاه الصندوق، وفعليًا ليس هناك ما يشير في أي حال من الأحوال إلى أنّ القاهرة تغيّر نهجها في الإنفاق.

وللعلم، أصدرت مصر في فبراير 1.5 مليار دولار فيما يُسمى “صكوكاً”، وهي سندات بفائدة 11٪ تهدف إلى تمكين الدولة من سداد ديونها في سندات اليوروبوندز، التي كان سعر الفائدة فيها 5.57٪ فقط، لذا حتى في الوقت الذي تقترض فيه مصر من صندوق النقد الدولي، فإنها تراكم المزيد من الديون، وتقترض المزيد من الأموال بأسعار فائدة أعلى لسداد الالتزامات المستحقة.

في غضون ذلك، يكافح ​​المصريون العاديون من أجل حياتهم اليومية.

مأساة للمصريين 

يواجه ما يقرب من ثلث السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر من الذين يكسبون أقل من 3.80 دولارات في اليوم صعوبة أكبر في تغطية نفقاتهم وسط ارتفاع معدلات التضخم، كما تضرّرت الطبقة الوسطى بشدة.

فمنذ أن تولّى السيسي السلطة، فقد الجنيه المصري ما يقرب من 80٪؜ من قيمته -50% تراجع في قيمة الجنيه خلال العام الماضي فقط- مما أدى فعليًا إلى القضاء على مدخرات كثيرين.

أصبحت الموادّ الغذائية الأساسية -مثل الخبز والأرز واللحوم- أغلى ثمنًا، وقد أدّت الضغوط على احتياطيات العملات الأجنبية إلى ارتفاع في التكلفة ومحدودية توافر بعض الأدوية.

منذ أن تولى السيسي السلطة فقد الجنيه المصري ما يقرب من 80٪؜ من قيمته
منذ أن تولّى السيسي السلطة فقد الجنيه المصري ما يقرب من 80٪؜ من قيمته

وفي الوقت نفسه، فإن الأغنياء في مصر (على الأقل من خلال ما نسمعه من القصص المتناقلة) ينتقلون بشكل متزايد إلى المجمعات المسورة والمحاطة بالمراقبة الأمنية على مدار الساعة في ضواحي القاهرة.

قد يلين السيسي في النهاية، ويتبنّى إصلاحات صندوق النقد الدولي، ويوقف مسار الهبوط لمصر لكن في غياب تصحيح كبير للمسار، من الصعب تخيل تغير الوضع للأفضل.

إذا استمرت الأزمة، فقد يبدو أنّ التجربة المريرة مع ثورة عام 2011 تخفف من احتمالية تكرار الاحتجاجات على نطاق واسع في مصر لكن يمكن أن تسوء الأمور، فقد تشهد مصر احتجاجات عفوية عرضية، وزيادة الجريمة، والمزيد من هروب رؤوس الأموال، والقمع المتزايد، وقد يحاول المصريون الهجرة، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، عن طريق القوارب إلى أوروبا كما يحصل في تونس ولبنان.

موقف إدارة بايدن من الأزمة المالية المصرية

يبدو أنّ إدارة بايدن تدرك أنّ مصر لديها مشكلة، وإن لم تكن مشكلة ملحّة بشكل خاص، ففي مؤتمر صحفي مشترك عقده في يناير الماضي، وصف وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين، الصعوبات الاقتصادية التي تواجه مصر بأنها تمثّل “تحدّياً”، على عكس نظيره المصري الذي وصف الوضع بأنه “أزمة”.

في غضون ذلك، تعزو واشنطن الأزمة المالية المصرية إلى “عواصف متعددة اتحدت في واحدة” تمتد من فيروس كوفيد -19 والحرب في أوكرانيا وغيرها باعتبارها عوامل خارجية (وليست داخلية مثل السياسات الاقتصادية غير الحكيمة في مصر).

بعد أكثر من شهر من تأجيل صندوق النقد الدولي لمراجعة برنامجه، لم تعلّق واشنطن علنًا على تحفظ مصر على الوفاء بالتزاماتها مع صندوق النقد الدولي.

مع تعداد سكاني يقترب من 110 ملايين، يتم وصف مصر بأنها “أكبر من أن تفشل”، لكن من الممكن حصول المزيد من التدهور في حال استمر التردد في إخراج الجيش من الاقتصاد وفي حال استمرار غياب شبكة الأمان المالية الخليجية التقليدية.

قد لا تشعر واشنطن بالقلق بشأن التطورات الاقتصادية في مصر حتى الآن، لكن المصريين على ما يبدو يشعرون بهذا القلق بشكل متزايد، فعلى الرغم من عدم تسامح النظام السيئ مع المعارضة، أعرب عدد من المصريين الذين التقيت بهم عن حنين مفاجئ إلى الأيام الخوالي للرئيس السابق حسني مبارك خلال زيارتي الأخيرة للقاهرة.

قد يهمك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا

الأحدث