وطن- تضارب كبير في الأنباء يثير الجدل بشأن تخفيض جديد لقيمة الجنيه مقابل الدولار الأمريكي قد تقدم عليه الحكومة المصرية قريباً، رغم فشل التخفيضات السابقة في الحفاظ على استقراره، في وقت تدل فيه مؤشرات اقتصاد البلاد على أزمة عميقة.
وتأتي هذه الخطوة المتوقّعة في وقت تشير فيه خبرة التخفيضات الأخيرة إلى أن سعر الجنيه لم يشهد الاستقرار المنشود تجاه الدولار.
هل اقترب قرار تعويم الجنيه؟
ففي غضون أقل من عام شهدت فيه ثلاثة تخفيضات فقد الجنيه نصف قيمته تجاه الدولار الأمريكي.
وكان خبراء اقتصاديون في استطلاع للرأي نشرته “رويترز” ونقلته وسائل إعلام مصرية، أشاروا إلى أن قيمة الجنيه المصري ستنخفض مقابل الدولار الأمريكي إلى 34 جنيهاً بنهاية ديسمبر 2023.
وبحسب الاستطلاع، سيستمر الدولار في الارتفاع إلى 35 جنيهاً بنهاية ديسمبر 2024، ثم إلى 35.07 جنيهاً للدولار بعد عام.
وتعرّض اقتصاد البلاد لضربة جديدة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، والذي هزّ قطاع السياحة وأدى لرفع أسعار السلع الأولية ودفع المستثمرين الأجانب إلى سحب نحو 20 مليار دولار من أسواقها المالية.
وسعت مصر للحصول على حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً من صندوق النقد الدولي تمّ التوقيع عليها في ديسمبر/كانون الأول.
وأعرب رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، الدكتور فخري الفقي، عن اعتقاده أنّ الموازنة الجديدة في مصر لعام 2023 – 2024 تستهدف معدل نمو 4.1%، وهو معدل مقبول بالفعل وجيد في ظلّ متوسط معدلات النمو المتحققة خلال السنوات الست الماضية.
وقال “الفقي” في مقابلة مع “العربية”، إن معدل النمو المستهدف للناتج المحلي الإجمالي يساوي ضعف معدل النمو السكاني في مصر.
وأضاف أن مواجهة التضخم هي مهمة البنك المركزي المصري بالتنسيق مع وزارة المالية من خلال أرقام الموازنة العامة للدولة، لتخفيف المعاناة عن المواطنين، ومن ثم فإنّ معدل التضخم المستهدف في الموازنة الجديدة عند 16% بدلاً من المتوسط الحالي 26% للعام الماضي.
فخري الفقي: “الأمر لا يحتمل المزيد من تخفيض الجنيه”
ووافق مجلس الوزراء المصري في نهاية آذار مارس الماضي على موازنة العام المالي المقبل 2023/2024، والتي تستهدف معدل نمو قُدّر عند 4.1%.
وأشار الفقي إلى أنّ مستهدفات التضخم في الموازنة المصرية مدققة من جانب وزارة المالية والبنك المركزي المصري وصندوق النقد الدولي، في ظل المراجعات المستمرة مع الصندوق في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي خاصة في العام المقبل.
ولفت المسؤول المصري -بحسب المصدر- إلى أن الجنيه المصري تم تخفيضه 3 مرات مرة في مارس 2022 ومرة في أكتوبر من العام ذاته، والثالثة كانت في يناير 2023، بإجمالي 50%، لكن الأمر لا يحتمل المزيد من تخفيض الجنيه -حسب قوله- لأنه يعني مزيداً من الأعباء المعيشية على المواطنين وارتفاع معدلات التضخم.
وقال الفقي إن صندوق النقد الدولي في مناقشاته مع مصر قبل المراجعة الأولى يطلب مرونة في سعر الصرف وتسريع برنامج الطروحات، والأمران مرتبطان ببعضهما.
وفي هذه الحالة، فإن الحكومة ترى تسريع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات أو خصخصة 32 شركة وبنكاً، أعلنت عن بيعها وسوف تتفاوض مع مستثمرين من الخليج بأن يتم العمل على تنفيذ بعض الصفقات سواء كانت حصص أقلية أو أغلبية أو بالكامل في هذه الحالة سوف يوفّر عدة مليارات من الدولارات، ما يؤدي إلى تراجع السوق الموازية للعملة، ويتيح للبنك المركزي مرونة في سعر الصرف وتضييق الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعر السوق الموازية.
وقال الفقي، إن صندوق النقد الدولي في مناقشاته مع مصر قبل المراجعة الأولى يطلب مرونة في سعر الصرف وتسريع برنامج الطروحات، والأمران مرتبطان ببعضهما.
استثمارات دول الخليج
ويعتقد الفقي: “أن المستثمر الخليجي كأيّ مستثمر ينظر لسعر الصرف، لكن الحكومة قد تجد مرونة في التعاطي مع المستثمرين في دول الخليج، وقد يرون أن أساسيات الاقتصاد المصري سليمة، والقاعدة الإنتاجية متنوعة، ووجود مصادر متنوعة من النقد الأجنبي تشمل الصادرات والتحويلات والسياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر الذي نحن بصدد الحديث عنه، تعزز التوقعات بتحقيق المستثمرين الخليجيين أرباحاً في المستقبل حال ضخّ استثمارات في مصر إذا ما تمّ التوافق على سعر صرف معين لتنفيذ صفقات في الشركات التي أعلنتها الحكومة”.
وأكد أنّ النظرة طويلة المدى للمستثمر الخليجي يجب أن تختلف عن باقي المستثمرين، لأنه الأقرب إلى مصر في هذه الحالة، وينظر إلى ما بعد شرائه حصصاً من شركات في السوق المصرية، لأن الأرباح المحتملة فيما بعد سوف تكون أكبر لأن أساسيات الاقتصاد المصري سليمة لولا أزمة الدولار الموجودة حالياً، وعند تجاوزها سوف يعود الاقتصاد إلى التعافي وسيحقق المستثمرون أرباحاً كبيرة بعد تجاوز هذه الفترة.
سعر الدولار في السوق السوداء
وتشهد أسعار الدولار أمام الجنيه المصري حالة من الجنون الحقيقي، في السوق السوداء التي يبدو أنها استبقت “التعويم المرتقب”، ونفذّت عملية التعويم هذه قبل البنوك.
وتسبّبت ضبابية المشهد في مصر وعدم كشف الحقائق الاقتصادية وصمت المسؤولين بشأن أزمة العملة الصعبة، في وصول سعر الدولار داخل السوق السوداء لأرقام كارثية غير مسبوقة، تُنذر بمزيد من ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش.
وكشف متعاملون في السوق السوداء المصرية لـ(وطن) عن ارتفاع سعر الدولار بشكل كبير جداً في هذه السوق.
ووصل سعر الدولار أمام الجنيه بحسبهم، بشكل فعليّ 40 جنيهاً في بعض التعاملات؛ بل وتخطى هذا الرقم في عمليات عاجلة لمستوردين، تتطلب -جمع الدولار بأي سعر بشكل سريع- لعدم توقّف أعمالهم.
فيما لا يزال داخل البنوك المصرية ثابتاً عند نحو 30.70 جنيهاً، كمتوسط سعر.
وفي مؤشر جديد عن وصول الوضع الاقتصادي المصري لمستوًى خطير، أعلنت “الدار العقارية” الإماراتية هي الأخرى أنها ستؤجّل أي استثمارات إضافية في مصر لحين استقرار أوضاع السوق، بحسب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والاستدامة في الشركة فيصل فلكناز.
موعد التعويم
وقبل أيام أدلى الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية المصرية، عبد النبي عبد المطلب، بتوقّعاته بشأن “تعويم الجنيه” المرتقَب في مصر والسعر المتوقّع للدولار داخل البنوك بعد التعويم.
وقال “عبد المطلب”، إنّ التعويم قادم لا محالة وهذا أمر لا خلاف عليه، حسب وصفه.
منوّهاً إلى أنّ “هذا التعويم سيكون إما خلال شهر مايو الجاري، أو خلال الأسبوع الأول من شهر، يونيو المقبل، على أقصى تقدير”، بحسب ما صرّح به في مقابلة خاصة مع موقع “عربي 21”.