وطن- في السنوات الأخيرة، شهدت منطقة الخليج العربي تطورات جيوسياسية كبيرة، أدت إلى تقارب بعض دولها مع إسرائيل. ولعب المجال السيبراني دوراً كبيراً في تعميق تل أبيب لعلاقاتها السياسية مع عواصم خليجية مثل أبو ظبي أو الرياض.
برامج التجسس الإسرائيلية تجذب الطغاة العرب
أوضح تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية، أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وخاصة تلك التي ترأسها المتهم بالفساد بنيامين نتنياهو، صارت منذ سنوات تعتمد على “دبلوماسية التجسس السيبراني”، من أجل تطوير العلاقات مع الدول العربية، في محاولة لجلب المزيد منها نحو قفص التطبيع.
وكان تقرير لصحيفة “ذي ماركر” كشف أن “السعودية زبون لشركة “كوادريم“، خلافاً لشركة “NSO” التي باعت “بيغاسوس” للرياض بتشجيع من إسرائيل وبمصادقتها”.
وقد تمت تلك الصفقة خارج إسرائيل بواسطة شركة في قبرص اسمها “ان ريتش”، وهي نفس الشركة المُحدثة لغرض تسويق منتجات “كوادريم” في الخارج.
وتجدر الإشارة إلى أن شركات إسرائيلية كثيرة تقوم بتسجيل شركات فرعية في قبرص لتجاوز رقابة وزارة الأمن، في حين أن شركات أخرى تسجّل منذ البداية فقط في قبرص.
إلى ذلك فقد أوضحت “هآرتس” أنه “في أعقاب الرد على كشف الصفقة غير المراقبة مع السعودية، والنزاع مع أذرع التسويق في قبرص، بدأت “كوادريم” بالعمل، لكن تحت قسم الرقابة على التصدير الأمني “آفي”.
وقد اشتهرت برامج التجسس الإسرائيلية تلك بسبب نشاطاتها المشبوهة في دول استبدادية حول العالم، وأيضاً بفضل “دبلوماسية السايبر” التي كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يرعاها كجزء من تسخين العلاقات مع العالم العربي وأفريقيا.
وفي هذا السياق، أفاد تقرير “هآرتس” بأن “شركة كوادريم عوّلت على ذلك، وركّزت جهود المبيعات في آسيا وشمال أفريقيا والدول العربية، لا سيما في الدول التي لم تنجح فيها منظومات التجسس من شركة “NSO“، وأجرت “كوادريم” في السنوات الأخيرة محادثات مع أربع دول كهذه، وهذه المحادثات حصلت على مصادقة أولية، لكن في نهاية المطاف لم تتمّ المصادقة على صفقات البيع نفسها”.
شركات التجسس الإسرائيلية والتنافس على الإجرام
أشار تقرير “هآرتس” إلى أن شركة “كوادريم” الإسرائيلية، اعتُبرت مؤخراً، التهديد المحلي الأكبر لشركة “NSO” صاحبة برنامج التجسس “بيغاسوس”.
إذ أكدت هآرتس أن برنامج التجسس الذي طوّرته “كوادريم”، اعتُبر في المكان الثاني بعد “بيغاسوس” من حيث القدرة على اختراق أجهزة “آيفون“. وقد لفتت الشركة الإسرائيلية، في وقت سابق، أن من بين زبائنها، مُشترين سعوديّين.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج “كوادريم” يمتلك قدرات تجسس فائقة، حيث إنه قادر على الاختراق بدون “نقر”؛ وهي عملية اختراق سرية لا يحتاج خلالها مستخدم البرنامج لأي إجراء من جانب الضحية.
الأمر الذي يفسح المجال للوصول الكامل إلى جهات الاتصال والمحادثات والرسائل في تطبيقات مثل “واتساب” والقدرة على تحويل جهاز “آيفون” المخترق لجهاز تجسس قوي ضد مالكه.
ووصلت “وثائق داخلية ورموز سرية خاصة بالبرنامج” لـ”هآرتس”، تكشف للمرة الأولى عن تطبيق “كوادريم – ريجن”، حيث تحدثت 5 مصادر لها خبرة في عالم “السايبر الهجومي” عن الظروف التي أدت إلى إغلاق الشركة ومنها؛ عدم قدرتها على الحصول على المصادقة من أجل تسويق منتجات اختراق جديدة، علماً بأن “وزارة الأمن رفضت المصادقة للشركة على صفقة جديدة مع المغرب“.
برامج أكثر تطوّراً بقدرات تجسس خارقة
نقلت هآرتس عن مصادرها الخاصة قولهم، إن “كوادريم استثمرت في تطوير عدد من المنتجات الجديدة، من بينها القدرة على اختراق أجهزة الأندرويد”.
وحاولت الشركة تحدي الرقابة الأمنية الإسرائيلية، عبر تطوير وسيلة اختراق جديدة لها قدرة هستيرية، ولكن تجربة التطوير هذه لم تنضج ولم تصل إلى منتج نهائي، وبدون صفقات وأدوات جديدة، قررت الشركة تقليص نشاطاتها”.
وأشارت الصحيفة العبرية في تقريرها، إلى أنها استطاعت الوصول لـ”الرمز السري لـ كوادريم” بعد “تسرّبه عن طريق أحد الموظفين في الشركة”.
وفي هذا السياق، كشفت هآرتس أن الجهاز الذي طورته كوادريم يسمى “بلوسبير” وهو الرابط بين البرنامج وبين منظومة التنصت الذي يصيب الهواتف المستهدفة. ويمكن لمستخدم هذا البرنامج، حسب الصحيفة، إدارة عدة “تحقيقات” (حالات)، وكل تحقيق يحتوي على عدد من “المهمات” أو أرقام هواتف أو أجهزة تعقب، وكل تحقيق لطاقم الإدارة يوجد له مراقبون مع امتيازات محدودة و”قائمة بيضاء” و”قائمة سوداء”، أي هواتف يمكن أو لا يمكن التنصت عليها.
اختراق الأجهزة عبر شبكة “الواي فاي”
صحيفة هآرتس العبرية، كشفت في تقريرها الذي اعتمدت في إنجازه على التسريبات التي حصلت عليها من شركة كوادريم، حاولت منذ 2018 محاولة اختراق هواتف بعض الضحايا عن طريق تطبيق واتساب.
وأوضحت الصحيفة كيف أن شركة كوادريم “كانت مضللة” فيما يتعلق بقدراتها على التنصت بدون “الكبس على الزر” في جهاز “آيفون”، الذي كشفت عنه لأول مرة في 2021.
وهي نفس الفترة، التي أعلنت خلالها شركة “NSO” (المالكة لبرنامج بيغاسوس) قدرتَها على اختراق أجهزة آيفون، حيث استغلت الشركتان الإسرائيليتان نقطة ضعف في منظومة رسائل “آيفون” لشركة “آبل” من أجل القيام بعملية الاختراق.
وفي هذا الإطار، نبّهت المصادر التي تحدثت لـ هآرتس إلى أن “واتساب” كان من الممكن أن يكون “عامل اختراق”، بالذات لأجهزة الأندرويد وليس الآيفون، لكن “كوادريم” أرادت منافسة “NSO” في هذه الخاصية.
كما أشارت ذات المصادر، إلى وجود عامل اختراق آخر لدى شركة كوادريم، وهو المُتعلق بقدرتها على اختراق الأجهزة عن طريق شبكة “الواي فاي“.
ونقلت الصحيفة العبرية عن “دونكا أ. كاربهل”، وهو قرصان يقود الطاقم التقني في منظمة “أمنستي” الدولية، له مشاركات في تحقيقات كثيرة حول استخدام البرامج ضد المواطنين قوله: إن “تطوير عوامل جديدة للهجوم هو تهديد كبير لمنظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان، هذه البرامج التي تعمل بالسرّ وتقريباً لا يمكن اكتشافها تسمح لمن يخرقون حقوق الإنسان بإسكات من ينتقدونهم بدون أي تداعيات”.
وزعمت المصادر في حديثها مع “هآرتس”، أن “شركة كوادريم تنازلت عن محاولة التطوير هذه، ضمن أمور أخرى، بعد عدم الحصول على المصادقة الإجرائية لتسويق برنامجها في الخارج”.