تمثال الأمير عبد القادر يُشعل جدلا في الجزائر.. من هو “قاهر الاستعمار” الذي يعشقه الجزائريون؟

وطن- في مبادرة تهدف إلى تكريم أحد أبرز رموز المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، أعلنت السلطات الجزائرية عن مشروع لبناء تمثال ضخم للأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري في جبل المرجاجو، وهو تلة تطل على مدينة وهران غربي البلاد.

إلا أن هذا الإعلان الرسمي، ترافق بحملة واسعة من ردود الأفعال في البلاد بين رافض لبدء المشروع لأسباب تاريخية، وبين مؤيد له على اعتبار أن التمثال سيكون تخليداً لذكرى أبرز مقاومي الاستعمار الجزائريين ضد فرنسا.

 

تمثال للأمير عبد القادر في جبل المرجاجو بوهران

قال حاكم ولاية وهران، السعيد سعيود، إن الرئيس عبد المجيد تبون قد أعطى موافقته على هذا المشروع الذي سيكون التمثال فيه بارتفاع 42 متراً، وهو أعلى من تمثال “المسيح الفادي” في ريو دي جانيرو بأربعة أمتار.

https://twitter.com/him96096/status/1662054567272382469?s=20

وأضاف سعيود، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، أن التمثال سيرتكز على خمس دعائم تدل على أركان الإسلام الخمسة، وسيف الأمير سيكون مزوداً بأشعة ليزر تشير إلى اتجاه قبلة الصلاة.

كما سيشمل المشروع إقامة متحف خاص للأمير عبد القادر يروي قصة حياته ونضاله منذ ميلاده في قرية القيطنة عام 1808 حتى وفاته في دمشق عام 1883.

https://twitter.com/Moussa_Alkhalaf/status/1662053723089108993?s=20

سيكون التمثال، حسب المسؤول الجزائري، قريباً من مسجد رباط الطلبة، وسيكلف نحو 9.5 ملايين دولار. وتعتبر هذه المبادرة تأكيداً على احترام وتقدير الجزائر لشخصية الأمير عبد القادر التي تجسد روح المقاومة والإصلاح والتسامح في التاريخ الجزائري، على حد قول حاكم ولاية وهران، السعيد سعيود.

وأفاد حاكم ولاية وهران أيضًا، أن التمثال سيبنى فوق قمة جبل مرجاجو، وهو أعلى جبل بالمدينة الغربية للبلاد، وقدّ شيدت فيه عدة معالم تاريخية، منها قلعة سانتا كروز الإسبانية (1577-1604)، وبقربها كنيسة سانتا كروز (1850) ويعلوها تمثال كبير للسيدّة مريم العذراء.

https://twitter.com/ahafsidz/status/1661666671558262787?s=20

 

جدل يُرافق المشروع

 

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ماتحول إعلان مشروع بناء تمثال للأمير عبد القادر في جبل المرجاجو، إلى موضوع محلّ تجاذب بين الجزائريين.

 

حيث دافع الإعلامي “أحمد حفصي” عن المشروع، معتبراً أنه سيُعزز الهوية العربية والإسلامية للجزائر وأنه سيؤكد على الموقف الجزائري الراسخ من مقاوميها الذين أخرجوا الاستعمار الفرنسي بتضحيات جسام سوف لن ينساها اللاحقون من الأجيال المتعاقبة.

 

وقال في تغريدة على تويتر “مشروع تمثال الأمير عبد القادر الذي سيعتلي واجهة وهران برا وبحرا، بدأ يكشف عن أتباع سانتاكروز الحقيقيقين الذين تركتهم فرنسا المسيحية وراءها في الجزائر..البكاء قدر الألم !قريبًا سيستعيد الأمير هوية الجزائر من سانتاكروز موتوا بغيضكم ! 120 مليار سنتيم هي منحة توقيع لاعبين في البطولة”.

 

https://twitter.com/ahafsidz/status/1661862196857503750?s=20

وهو رأي شاركه المُدون عمر سيد الهواري، الذي علق على المشروع في تدوينة على فيسبوك جاء فيها أن “والي ولاية وهران تحدث عن بناء أكبر تمثال في العالم (تمثال الأمير عبد القادر) بعلو 42 مترًا، مما جعل جماعة التصفيق في حالة هستيرية نتج عنها تصفيق ساخن، جعلت الوالي ينسى أنه يوجد عدة تماثيل يفوق علوها 100متر في العالم”.

 

“عنوان للشموخ الجزائري”

تفاعل الرأي العام الجزائري بشكل مكثف مع مشروع بناء تمثال ضخم للأمير عبد القادر. ونشر أستاذ الفلسفلة بوزيد بومدين، مقالًا طويلًا جاء فيه “أن الأمير عبد القادر سيقف شامخًا فوق جبل مرجاجو بوهران، ولكن يطلّ على جبال الجزائر الشامخات كلّها”.

وتابع الأستاذ الجزائري، بعد أن عرّج على تاريخ الجبل والسياقات التاريخية التي شهدها أن التمثال “يعطي ظهره لمرفأ الغزوات حيث خَدع الفرنسيون السلام والعهد وسِيق بأهله وأتباعه إلى سجن لامبواز”.

واستطرد بومدين في سياق تعداده لدلائل تشييد تمثال للأمير عبد القادر”يولّي ظهره لمراحل التّبعية الجزائرية لفرنسا واستقلال قراراها، يقف هناك التّمثال محاورًا أرواح الشهداء في حياة فيها معاني الخلود الأخروي عند الله، وفي برزخية دائمة مع شيخه الجيلاني وبومدين الغوث والهواري وسيدي الغريب ودادا أيوب، يقف التّمثال ليقول للمتوسط ولسكانه نحن أهل سلام وأندلسنا كان للسّلام والعلم، وكنا رسالة علم ومحبة للبشرية”.

وعلى صعيد متّصل، ثمّن الناشط “عبد الرحمان نايت” المشروع، “شريطة ألا يتعرض للعبث من طرف غير المؤهلين كما حدث مع تماثيل سابقة” على حدّ قوله.

وقال عبر فيسبوك: “مشروع تمثال ضخم للأمير عبد القادر فوق قلعة وكنيسة سانتا كروز في وهران، رايح يكون رمز ومعلم وطني وعالمي، الأمير شخصية وتراث فكري وإنساني وهذا التمثال يجب أن يكون في المستوى”.

 

وتابع الناشط الجزائري قائلا:”فكرة رائعة شرط الاستعانة بخبرات فنية وتقنية بمستوىً عالٍ جدًا.. و إبعاد كل أشكال الكوستيم دوميمونش عن المشروع ، و إلا رايحة تخلاص كيما باقي تماثيل القاراقوز والكرنافالات اللي ظهرت في السنوات الأخيرة”.

 

من هو الأمير عبد القادر الجزائري؟

 

الأمير عبد القادر الجزائري هو قائد ومجاهد وعالم وشاعر جزائري، ولد في 6 سبتمبر 1808 في القيطنة بالقرب من مدينة المعسكر بالغرب الجزائري.

 

تلقّى تعليمه الديني والعلمي من والده محيي الدين الحساني، شيخ الطريقة القادرية في الجزائر. سافر في طفولته مع والده إلى الحج في عام 1823 واستفاد من رحلته في التعرف على علماء وثقافات مختلفة.

 

بعد احتلال فرنسا للجزائر في عام 1830، قام بتنظيم المقاومة ضد المحتل وبايعه الجزائريون أميرا عليهم في عام 1832. أسس دولة جزائرية مستقلة وأنشأ جيشا وإدارة وقوانين.

 

https://twitter.com/EpicHistoryTV/status/1622237521185832960?s=20

 

حقّق الأمير عبد القادر الجزائري انتصارات عديدة ضد الفرنسيين وأجبرهم على التفاوض معه وإبرام اتفاقية تافنا في عام 1838 التي اعترفت بسيادته على غرب ووسط الجزائر.

 

لكن فرنسا خانت الاتفاقية واستأنفت الحرب ضدّه، فواصل المقاومة حتى استسلم للجنرال لامورسي في عام 1847 بشرط أن يغادر إلى مصر أو عكاّ. لكنه تم نقله إلى فرنسا كأسير حرب حتى أطلق سراحه في عام 1852 بأمر من نابليون الثالث.

https://twitter.com/SooIsina/status/1662088949194719232?s=20

انتقل الأمير الذي اشتهر بـ “قاهر الاستعمار” إلى تركيا ثم إلى دمشق حيث استقر حتى وفاته في 26 مايو 1883.

كان الأمير عبد القادر الجزائري رجلا موسوعيا فضلا عن كونه قائدا ومجاهدا، فكان فقيها وأديبا وشاعرا وكاتبا، له مؤلفات في الفقه والتصوف والشعر. كما كان دبلوماسيا وإنسانيا، فقد تدخل لإنقاذ المسيحيين من المذابح التي ارتكبت ضدهم في دمشق في عام 1860.

https://twitter.com/AfricaViewFacts/status/1576124815781543936?s=20

حظي الأمير عبد القادر بتقدير كل من اختلف معه، وحين انتقل إلى منفاه في سوريا، ظلّ أميرا حتى وإن أبيدت إمارته، فأجار المستضعفين من غير دينه، ويذكر التاريخ حادثة باب توما بسوريا، حين استجار مسيحيون هناك به من بطش الدروز في العام 1860، فآوى المئات منهم في بيته وفي بيت كل من يعرفه، ووثق الرسام البلجيكي “جان باتيست هويسمانس” تلك الحادثة في إحدى لوحاته الرائعة.

https://twitter.com/Moussa_Alkhalaf/status/1662053723089108993?s=20

في العام 1966، وبعد مرور أكثر من ثمانين عاما على وفاته؛ عاد الأمير عبد القادر إلى إمارته على أعناق أكبر قادة المقاومة الجزائرية، تاركا قبره المجاور لمحيي الدين ابن عربي أكبر شيوخ الصوفية، ومنذ ذلك الحين زرعت تماثيله في الساحات، أينما وصل صيته في أقاصي الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى