وطن- منذ الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان من منصبه في اقتراع لسحب الثقة في أبريل الماضي، دخلت البلاد في أزمة سياسية واقتصادية، وبلغ التقلّب في السياسة الباكستانية ذروته هذا الشهر بعد اعتقال خان بتهم فساد، مما أثار أعمال عنف في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد.
أثارت الضجة قلق حلفاء باكستان في الخليج، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين تعهّدتا في السابق بتقديم دعم مالي لباكستان في الوقت الذي تكافح فيه اضطرابات اقتصادية شديدة.
ما أجّج الفوضى السياسية في باكستان جزئيًا هو الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، حيث سجّل التضخم مؤخرًا مستوًى قياسيًا بلغ 35.4٪.
وفقدت الروبية الباكستانية نصف قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في العام الماضي وحدَه. ربما يكون الأمر الأكثر خطورة بالنسبة للحكومة هو أن باكستان تواجه أزمة ديون خارجية.
في ديسمبر 2022، بلغت الديون الخارجية لإسلام أباد أكثر من 126 مليار دولار. وسط بيئة من ارتفاع أسعار الفائدة والدولار أقوى، أصبحت هذه الديون المقومة بالدولار أكثر تكلفة في الخدمة.
ومع تضاؤل احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، أعلن بنك الدولة الباكستاني في ديسمبر أن احتياطياته من النقد الأجنبي قد انخفضت إلى أدنى مستوًى لها في أربع سنوات عند 6.7 مليار دولار فقط، وسط مخاوف متزايدة من أن إسلام أباد ستتخلّف عن سداد ديونها.
وأجرى صندوق النقد الدولي (IMF)، مناقشات مع باكستان حول حزمة الإنقاذ لتجنب التخلف عن السداد.
ففي عام 2019، وقّعت باكستان صفقة بقيمة 6 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، مع الاتفاق على مليار دولار أخرى بعد عام. ومع ذلك، رفض صندوق النقد الدولي الإفراج عن الدفعة الأولى البالغة 1.1 مليار دولار حتى تتلقى المنظمة ضمانات بأن حلفاء باكستان الدوليين -وخاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والصين- مستعدون لدعم إسلام أباد ماليًا أيضًا.
وقال محمد سهيل الرئيس التنفيذي لشركة Topline Securities، وهي شركة سمسرة في كراتشي، في تصريحات لموقع المونيتور، إن مثل هذه المطالب جزء طبيعي من العملية، لكنه أثار شكوكًا حول ما إذا كانت الإمارات العربية المتحدة وحلفاء آخرون مستعدين لتقديم المزيد من الأموال في ضوء التصعيد السياسي.
وقال سهيل: “يطلب صندوق النقد الدولي حسب الممارسة من المقترضين مشاركة خططهم التمويلية لإظهار عدد التدفقات الدولارية التي يعتقدون أنها ستأتي، وهذا يوضح لصندوق النقد الدولي أن المقترض لا يزال يتمتع بتمويل كامل ومناسب”.
وقدّمت الصين والإمارات والسعودية بالفعل التزامات لصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، لا تزال هناك ارتباطات معلقة بقيمة 2 مليار دولار.
وأشار ساكب شيراني، الرئيس التنفيذي لشركة Macro Economic Insights، وهي مؤسسة فكرية مقرّها إسلام أباد، إلى الأهمية الحاسمة لتأمين باكستان تمويلًا خارجيًا من حلفائها في المنطقة.
وقال لـ”المونيتور”: “توقف برنامج صندوق النقد الدولي الباكستاني الحالي منذ أشهر، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التنفيذ البطيء للالتزامات السابقة من قبل الحكومة، ولكن بشكل أساسي بسبب الجمود في تأمين التزامات التمويل من مصادر ثنائية مثل الإمارات العربية المتحدة والصين”.
وأضاف شيراني: “المخاوف بشأن اقتراب باكستان من التخلف عن سداد الديون السيادية يمكن أن تكون أحد العوامل في تعطيل الالتزامات الجديدة، في حين أن عدم الاستقرار السياسي المتعمّق في البلاد من المرجّح أن يكون عاملًا آخر”.
وطرح التقرير، تساؤلاً قال فيه هل الإمارات والسعودية مستعدّتان لرؤية حليفها الجنوب آسيوي يتخلّف عن سداد ديونه؟ لن يكون القيام بذلك بدون مخاطر، نظرًا لأنّ كليهما لهما مصالح تجارية قوية في باكستان، التي توفّر سوقًا يضمّ أكثر من 200 مليون شخص.
من المتوقّع أن تتجاوز تجارة الإمارات مع باكستان 10.6 مليار دولار في عام 2023، حيث بلغت التجارة الثنائية بين المملكة العربية السعودية وباكستان نحو 4.6 مليار دولار في عام 2022.
كما يمكن للاضطرابات الاقتصادية أن تُلقي بظلال من الشكّ على جدوى اتفاق التجارة بين باكستان ودول مجلس التعاون الخليجي، ويجري التفاوض حالياً. كلا البلدين في الشرق الأوسط هما أيضًا موطن لملايين المغتربين الباكستانيين. زيادة التقلبات الاقتصادية والسياسية يمكن أن تشجع المزيد من موجات الهجرة.
وقال سهيل: “من الصعب رؤية التزامات التمويل المتبقية تأتي فورًا بالنظر إلى الوضع السياسي والاقتصادي في باكستان.. ومع ذلك، فقد أدارت الحكومة الوضع إلى حدٍّ ما من خلال تقييد الواردات، مما أدى إلى فائض في الحساب الجاري”.
ومن المفترض أن يعزّز هذا الفائض الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي، مما يضعه في وضع أقوى للوفاء بسداد الديون المقومة بالدولار لباكستان، وربما يمنح أبو ظبي والرياض فرصة لالتقاط الأنفاس لمعرفة كيفية سير الوضع قبل تقديم المزيد من التمويل.
وأشار القيصر نسيم، مصرفي التنمية الدولي والمسؤول السابق بالبنك الدولي المقيم في دبي، إلى أن هذا الوضع أبعد ما يكون عن غير مسبوق.
وأضاف: “تاريخيًا، اعتمدت باكستان على دعم كلٍّ من الإمارات والسعودية… هذه المساعدة كانت بشكل أساسي في شكل مدفوعات مؤجلة للنفط لتغذية الاقتصاد، وفي بعض الأحيان بأسعار تفضيلية”.
ستحتاج إسلام أباد بالتأكيد إلى الأمل في أن يتعهّد حلفاؤها في أبو ظبي والرياض وبكين بدعمهم مرة أخرى.
ومن المؤكد أن خطر عدم قدرة باكستان على الوفاء بالتزاماتها يتزايد، فقد حذرت وكالة التصنيف الائتماني العالمية موديز الأسبوع الماضي، من أن البلاد تتجه نحو الهاوية.
ومع ذلك، حتى لو تمّ الحصول على هذا التمويل من حلفاء باكستان الخليجيين، فلن يقوم إلا بالتغلب على شقوق الاقتصاد الذي يبدو أنه في حالة تدهور مستمر تقريبًا.
قال نسيم: “إذا كنت تعتمد على الآخرين وتعتمد باستمرار على الآخرين، وليس بناءً قدرتك على المدى الطويل حتى تتمكن من فطم نفسك عن المساعدة، فلن تنمو أبدًا”.