“الفهلوة السعودية” في حرب اليمن.. ماذا بعد “هدنة اللاحرب واللاسلم”؟
شارك الموضوع:
عبد الله قطران (وطن) ـ يشهد اليمن هدنة هشة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد فشل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وجماعة “أنصار الله” الحوثيين، في التوصل إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت لستة أشهر.
وتسيطر جماعة “أنصار الله” الحوثية المدعومة إيرانياً على معظم المحافظات وسط وشمال اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، منذ سبتمبر/أيلول 2014، قبل أن يبدأ التحالف العربي بقيادة السعودية في مارس 2015 عمليات عسكرية لدعم الجيش اليمني في استعادة تلك المناطق من سيطرة الجماعة المسلحة، وإعادة الحكومة الشرعية إلى العاصمة صنعاء.
“حرب الفهلوة السعودية”
لم يعد خافياً على أحد من المراقبين والمتابعين للشأن اليمني أن القيادة السعودية باتت اليوم تسعى إلى خلق استقرار هش في اليمن، يعكس حالة من الاضطراب في مزاج صانع القرار السعودي، ولا يحمل أية حسابات استراتيجية، وهو الحال ذاته الذي دخلت به السعودية إلى الحرب في اليمن لدعم الشرعية وتعاملت حينها مع الحرب بنوع من الفهلوة السياسية، التي تغيب معها أي رؤية واضحة أو تصور نهائي للخروج..!
تهديدات متبادلة واستعدادات حوثية معلنة لمعركة كبيرة
في أحدث تصعيد إعلامي لجماعة الحوثي المسلحة التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية والغربية في اليمن، خرج المتحدث باسم القوات المسلحة الحوثية في صنعاء يحيى سريع، ليوجه تهديداً جديداً إلى التحالف السعودي الاماراتي، ويقول إن صبرهم “لن يطول، بعد عام ونيف من هدنة اللا حرب واللا سلم”.
وأعلن المتحدث الحوثي أن قواتهم رفعت جاهزيتها وأعدت عدتها للأيام وللمرحلة القادمة “وتنتظر فقط إشارة السيد القائد عبدالملك الحوثي للبدء بضرباتها في البر والبحر والهجمات النوعية والاستراتيجية في عمق من وصفهم بـ”الأعداء”، (في إشارة إلى دول التحالف العربي).
وهذا هو ثاني تهديد عسكري رسمي توجهه جماعة “انصار الله” الحوثية، ضد السعودية خلال أقل من أسبوع بعد إطلاق الجماعة تهديداً مماثلاً، الخميس الماضي، باستهداف المنشآت الاقتصادية في السعودية التي تقود عمليات التحالف العربي، في حال استمرار المملكة في دعم حكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً.
https://twitter.com/hmdan70610472/status/1670403266683846656
تهديدات الحوثي الأخيرة جاءت بالتزامن مع تلويح مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، بإعادة فرض القيود على كل من ميناء الحديدة ومطار صنعاء، في حال استمرت مليشيا الحوثي باستغلالهما لأغراض عسكرية.
حيث صدر هذا التهديد الرئاسي خلال لقاء جمع عضو مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ مأرب، اللواء سلطان العرادة، مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، الذي انعقد وسط مؤشرات بوصول التهدئة الإنسانية إلى الفشل.
وهذه هي المرة الأولى، التي يهدد فيها المجلس الرئاسي بتعطيل بنود التهدئة الدولية، بعد أن كان التهديد حصرا على مليشيا الحوثي، ولا يتضح إلى أي مدى يمكن للرئاسي تنفيذ تهديداته في ظل تبعيته للسعودية والإمارات.
إلا أن بعض المراقبين يرون أن الشيخ سلطان العرادة يعتبر من القادة الأكثر جدية في مجلس القيادة الرئاسي، ويدرك ما يقول، وقد خبرته الميادين في السنوات الماضية، وكان له كلمة وفعل، والتف حوله الجميع، لهذا كان التصريح على لسانه، بحسب ما يراه رئيس مركز “البلاد” للدراسات في اليمن “حسين الصوفي” ، والذي أكد بدوره أن “هناك توجها جاداً من قبل الحكومة اليمنية، وهي قادرة على تنفيذ ما تريد”.
هل باتت الشرعية “مكشوفة الظهر” في معركة مصيرية؟
رئيس مؤسسة الشموع وأخبار اليوم للصحافة في اليمن، سيف الحاضري، – وهو من الإعلاميين الموالين لقوات الشرعية-، عاد ليدقّ ناقوس الخطر مجدداً، ويتحدث عما وصفها بـ”معركة وشيكة ومصيرية”، قال إن المليشيا الحوثية تستعد لخوضها في كل من جبهات مأرب وتعز، “وستكون حتماً مختلفة عن سابقاتها”.
وفي هذا السياق أشار “الحاضري” في تغريدة له عبر حسابه في “تويتر” إلى أن قيادات حوثية أعلنت عن حشد قرابة عشرة آلاف مقاتل وصلوا من مدينة ذمار- 90كم جنوب العاصمة صنعاء، إلى محافظة تعز التي تبعد 250 كم جنوب العاصمة صنعاء، بالتزامن مع تعزيزات حوثية مماثلة تم حشدها إلى جميع جبهات مأرب، -165 كم شرق العاصمة صنعاء-.
ودعا الحاضري إلى مغادرة مربع الاسترخاء ورفع الجاهزية الكاملة للجيش والمقاومة والقبائل ومكونات المجتمع، محذراً جميع مكونات الشرعية بالقول: “علينا أن ندرك جيداً بأننا سنخوض هذه المعركة دون أي مشاركة من طيران التحالف .. بل سنخوضها منفردين .. لذلك فإن النصر لنا خيارًا أوحد, النصر أو النصر أو النصر.”
يتحدث قادة مليشيات الحوثي عن قرابة عشرة آلاف مقاتل وصلوا من مدينة ذمار إلى محافظة تعز .. الأمر هنا يعني أن ثمة معركة كبيرة تعد لها المليشيات .. هذا يأتي بالتزامن مع تعزيزات مماثلة تم حشدها إلى جميع جبهات مأرب ..
إذاً نحن على وشك اندلاع معركة مصيرية انتهت مليشيات الحوثي من الإعداد…— Saif Alhaderiسيف الحاضري (@s_hadery) June 18, 2023
التحالف السعودي الإماراتي.. انحراف أم “غدر بالشرعية”؟
بعد أكثر من ثمان سنوات على انطلاق ما كان يسمى بـ”عاصفة الحزم” التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية، يكاد المحللون والمتابعون للشأن اليمني يُجمِعون على أن هذا التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، وأنشئ أصلاً لتحقيق هدف رئيسي معلن هو دعم إعادة الشرعية إلى العاصمة صنعاء وإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً، قد ساهم بشكل رئيسي مباشر في تقوية عدوه الحوثي، وإضعاف وتفتيت وتقسيم حليفه حكومة الشرعية اليمنية.
كما أدى لتأسيس عدة تشكيلات وفيالق عسكرية جديدة تعمل خارج منظومة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة في الحكومة الشرعية، وكل تلك التشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات ودربتها لا تتلقى الأوامر من القائد الأعلى للقوات المسلحة، بل وقامت بشن معارك وحروب ضد معسكرات القوات الحكومية بغطاء جوي إماراتي وسيطرت على العديد من المحافظات والمناطق في جنوب وشرق اليمن، التي تبعد بمئات الكيلومترات عن جبهات المواجهة مع مليشيا الحوثي..
يعتقد الكاتب والناشط اليمني حامد الفقيه، أن التحالف السعودي الإماراتي، “تحول من داعم للشرعية الى محاربتها حتى قضى على الشرعية في الجمهورية اليمنية كدولة وذلك عبر مراحل متعددة خلال سنوات الحرب، بداية من دعمه للانقلابات وزرعه للمليشيات في الشمال والجنوب وبتدخله المباشر واصبح هو وتلك الكيانات المنقلبة بديلا عن الشرعية والدولة اليمنية.”
ويضيف “الفقيه” في منشور كتبه عبر صفحته الشخصية بالفيسبوك، أن السعودية “سمحت لمليشيا الحوثي الانقلابية بالسيطرة على قطاع الاتصالات والمطارات ومصادر الموارد المالية المهمة وفتحَت لها المنافذ والموانئ.”
النتيجة اليوم: أسوأ وأكبر أزمة إنسانية في العالم
وأودت الحرب الدائرة في اليمن، حتى أواخر 2021، بحياة 377 ألف شخص، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، في حين بات 80 بالمئة من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب الأمم المتحدة.
تعد الأزمة في اليمن، حاليا واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، إذ سبق وأعلنت الأمم المتحدة أن 80% من اليمنيين لا يستطيعون توفير الطعام جراء تداعيات الحرب، (17.3 مليون يمني من أصل أكثر من 21.7 مليون، يعانون من فقر مدقع وحاجة ماسة لمساعدات إنسانية على الفور).
كما خلفت الحرب كل أنواع الأمراض والأوبئة من سوء تغذية ومجاعة يعاني منه آثارها 400 ألف طفل، لا يجدون ما يكفيهم من طعام وشراب ورعاية طبية.