حقيقة انقلاب فاغنر وما يدور خلف الكواليس.. تمرد أم “مسرحية” كتبها بوتين؟

وطن- تشهد روسيا حالة من التوتر والجدل بعدما أعلنت قوات فاغنر الروسية عن تحركها نحو العاصمة موسكو، مدافعةً عمّا أسمته “العدالة”. وفي حين يرى بعضهم هذا التحرك على أنه تمرد على القيادة الروسية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، اعتبرت أطراف أخرى، أن هذه الأحداث ليست إلا مجرد مؤامرة مدبرة بين الكرملين وزعيم قوات فاغنر، يفغيني بريجوجين. فما صحة هذه المقولات؟

فاغنر تعلن التحرك نحو موسكو ثم تتراجع “حقناً للدماء”

تأسست قوات فاغنر الروسية عام 2014 كشركة عسكرية خاصة مرتبطة بروسيا، وهي معروفة بمشاركتها في عدة نزاعات في الخارج، بما في ذلك سوريا وأوكرانيا، كما أنها معروفة في الداخل الروسي وخارجه بأنها “اليد الطولى” لـ بوتين ضد معارضيه في الداخل و”أعداء روسيا” في الخارج.

لكن وفي مفاجأة صدمت الرأي العام الروسي والعالمي، أعلن قائد قوات فاغنر، يفغيني بريغوجين، (المعروف باسم طباخ بوتين) عن زحفه نحو العاصمة موسكو بقوة ضاربة من المقاتلين والعتاد تضم 25 ألف مقاتل، مساء الجمعة.

وأكد قائد فاغنر بريغوجين أنه وقواته، يسعون لإعادة التوازن وتحقيق العدالة في البلاد. في حين اعتبر الكرملين -وباقي المسؤولين الروس- هذه الخطوة “تمرداً خطيراً” في ظل توترات سياسية واقتصادية تشهدها روسيا حاليًا.

ثم مجدداً، ودون سابق إنذار، أعلن يفغيني بريغوجين رئيس فاغنر، عصر أمس السبت، قراره بسحب قواته العسكرية الزاحفة نحو العاصمة موسكو بهدف إسقاط القيادة العسكرية بموجب اتفاق توسط فيه رئيس بيلاروسيا.

بدورها، أكدت الرئاسة الروسية أنها وافقت على إبرام اتفاق مع مجموعة فاغنر التي نفذت تمرداً مسلحاً “لتجنب حمّام دم”.

وبينما هدأت التوترات على الساحة الروسية الداخلية، راجت عالمياً نظريات تفيد بوجود خيط ناظم أقرب إلى “خيط مؤامرة” وراء ما بدأه قائد فاغنر. وأكد ناشطون أن “التمرد” الذي قام به بريغوجين لم يكن من المستحيل أن يحدث دون تدخل أمريكي من جهة و/أو علم القيادة الروسية (بوتين) به من جهة أخرى.

قوات فاغنر
قوات فاغنر

تمرد أم مؤامرة؟

يُنظر إلى تحرك قوات فاغنر على نطاق واسع على أنه تمرد على القيادة الروسية ومحاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. ويقول بعضهم إن هذه الخطوة تعكس الاستياء العام من السياسات الحالية والفساد المزمن في الحكومة الروسية.

وفي المقابل، يعتبر آخرون أن هذه الأحداث هي مجرد مؤامرة تم تدبيرها بين الكرملين وقوات فاغنر لتحقيق أهداف سياسية محددة.

كما أن هناك رأياً ثالثاً، يزعم أن قوات فاغنر تلقت مبلغاً قيمته 6.2 مليار دولار من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، نظير محاولاتها الانقلابية على بوتين، بيد أن بريغوجين (قائد فاغنر) اغتنم الفرصة وتلقى المبلغ المذكور قبل أن يغدر بالوكالة الأمريكية.

وبالمناسبة، فإن نص آخر فقرة، هو ترجمة لما كتبه حساب شهير على تويتر باسم “Not Jerome Powell“، والذي كتب “كيف تجني 6.2 مليار دولار؟ 1- أخبر وكالة المخابرات المركزية أنك تخطط لانقلاب على روسيا. 2- خذ 6.2 مليار دولار. 3- لا تفعل شيئًا”.

حظيت التغريدة بأكثر من 65 ألف تفاعل، وتمت إعادة مشاركتها ما يقرب من 10 آلاف مرّة، دون ذكر أنها شوهدت 6.2 مليون مرّة، رغم أنها نُشرت يوم أمس، السبت. كما أن حساب الناشر ليس جديداً، بل يعود تاريخ إنشائه لشهر يناير من عام 2010، ويتابعه حالياً 321 ألف شخص.

وفي الواقع، يبدو أن الحساب المذكور استند في مزاعمه لتقارير صحف ووكالات أخبار أمريكية -على رأسهم أسوشيتد برس ولوس أنجلوس تايمز– أكدت وجود “خطأ في الحسابات” اقترفه البنتاغون في السنة المالية المنقضية (2022) تسبب في وجود أموال بقيمة 6.2 مليار دولار دون وِجهة مُحددة، من المقرر أن يتم ضخّها ضمن المساعدات المقدمة من واشنطن إلى كييف في السنة المالية الجارية.

ماذا عن الصراع بين الكرملين وفاغنر؟

بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا أواخر فبراير 2022، وشهدت تطورات غير مسبوقة، لعلّ أبرزها دخول مجموعة فاغنر على خطّ الجبهة في عدد من المناطق الأوكرانية بوصفها “القوة الضاربة” التي يتوعد بها بوتين أعداءه في كييف ضمن محاولته الإطاحة بهم من الحكم.

الصراع بين الكرملين وفاغنر
الصراع بين الكرملين وفاغنر

وسرعان ما تحولت فاغنر من قوة ضاربة في يد بوتين إلى قوة غير متوافقة في المواقف والأساليب مع القيادات العسكرية على الجبهات وفي موسكو بشكل خاص، والحديث هنا عن التوترات بين وزير الدفاع سيرغي شويغو وزعيم فاغنر يفغيني بريغوجين.

مع حلول العام الجاري، بدأت شرارة الصراع بين الطرفين لتصل أشدها مؤخراً، بعد أن خرج “بريغوجين” متهمًا الجيش الروسي بمهاجمة معسكرات مقاتليه، وتوجيه ضربات صاروخية مميتة لقواته، متوعدًا بالانتقام لهم.

وفي الواقع، يعود أصل الصراع إلى إلقاء قائد فاغنر اللوم على قيادات الجيش الروسي لفشلهم في تزويد قواته بالذخيرة والأسلحة، كما يلوم “بريغوجين” القيادات على استئثارها بالثناء والإرشادات في الحرب الأوكرانية، حيث إنه كان يرغب في الحصول على إشادة بجهود قواته، وتزويدهم بالمزيد من الأسلحة والعتاد.

كما اتهم بريغوجين القيادة العسكرية الروسية بعدم الكفاءة وحجب الذخيرة عن مقاتليه، وهدد بسحب قواته من مدينة “باخموت” التي استولى عليها بعد معارك ضارية. كما انتقد بريغوجين النخب الروسية والكرملين وأطلق عليهم في مناسبات عديدة أوصافاً يكاد الجزم بأنه الروسي الوحيد القادر على قولها على العلن.

كما رفض “بريغوجين” أمرًا من وزير الدفاع الروسي يلزم جميع المشاركين في التشكيلات التطوعية بإبرام عقود مع الوزارة.

وعلى ما يبدو، فقد دفع عدم التقدير، واستئثار قيادات الجيش الروسي بعبارات الإشادة، “فاغنر” إلى التمرد على قيادات الجيش، والزحف نحو العاصمة الروسية موسكو، والسيطرة على المواقع العسكرية في روستوف، المدينة الواقعة في جنوب روسيا، بما فيها المقر العام للقيادة الجنوبية للجيش الروسي حيث يتم تنسيق العمليات العسكرية في أوكرانيا.

ومعلوم أنه في السنوات الأخيرة، اكتسبت مجموعة “فاغنر” الروسية شهرة واسعة كقوة عسكرية خاصة تعمل في مناطق النزاعات حول العالم، بدعم من الكرملين والمخابرات الروسية.

نبذة عن مجموعة فاغنر

تتألف المجموعة من آلاف المقاتلين، معظمهم من المحاربين القدامى أو السجناء السابقين أو المغامرين والقتلة المأجورين الذين يبحثون عن المال والإثارة. وتتمتع المجموعة بتجهيزات عسكرية حديثة وخبرات قتالية عالية، ما يجعلها قادرة على تحقيق انتصارات في المعارك التي تشارك فيها.

ولطالما ادعى الكرملين أن مجموعة “فاغنر” لا تحظى بأي دعم رسمي من روسيا، وأن نشاطاتها تخضع للقانون الدولي. ولكن في الحقيقة، تشير التقارير إلى أن المجموعة تتلقى تغطية سياسية وإعلامية ودبلوماسية من روسيا، كما تتعاون مع جهاز الأمن الفدرالي (إف إس بي)، الذي يزودها بالمخابرات والإذن بالتحرك.

وتعتبر مجموعة “فاغنر” ذراعاً سرية لروسيا في تحقيق مصالحها في مناطق الصراعات، حيث تستطيع أن تتدخل دون أن تثير احتجاجات دولية أو تحاسب على انتهاكات حقوق الإنسان. كما تساهم المجموعة في توسيع نفوذ روسيا وتأمين مصادر الطاقة والمعادن والأسلحة والنفوذ السياسي في الدول التي تعمل فيها.

تأسست قوات “فاغنر” لتكون قوة عسكرية موازية “غير نظامية” لا تشملها العقوبات الغربية على موسكو، ولا يمكن أن تمسّ أعمالها الشنيعة من سمعة الجيش الروسي الذي يعتبره بوتين الإرث الأهم من حقبة الاتحاد السوفيتي الذي يريد إعادة أمجاده بالحديد والنار.

قد يعجبك أيضاً

تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعنا

حياتنا