عين الحكومة على جيوب الغلابة.. مصر تغرق في الديون والجنيه يقترب من القاع
وطن – اقترب الدين العام (الداخلي والخارجي) في مصر من بلوغ نسبة 100% من الناتج الإجمالي، وهو ما يُشكل هاجسا قويا للحكومة، ويضغط بشكل سلبي على الاقتصاد الذي يعاني من تراكم ديون وصعوبة الاقتراض
وكانت الحكومة المصرية قد أخفقت في تقليل معدل الدين العام، عندما أعلنت أنها تستهدف خفض معدل الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 77.5% خلال 3 سنوات بنهاية العام المالي 2022/2021، إلا معدل الدين العام ارتفع إلى 98%، مُسجلا زيادة قدرها 20% على الأقل.
وتشير توقعات الحكومة إلى قفز الدين العام إلى 98% من الناتج المحلي، بحسب وزير المالية محمد معيط، الذي قال إن الحكومة المصرية حققت فائضا أوليا في الحساب الختامي للموازنة العامة للعام المالي الماضي بلغ 164.3 مليار جنيه (5.3 مليار دولار).
وأرجع الوزير، السبب في ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وتغير سعر الصرف والآثار التضخمية، وقال إنه من دون هذه العوامل، لكانت المعدلات أفضل من ذلك بكثير، دون أن يتحدث عن سياسات حكومته التي يتهمها خبراء ومحللون اقتصاد محليون وعالميون بالإفراط في الاقتراض والاستدانة دون عوائد حقيقية، وفق تقرير لموقع عربي 21.
وقال وزير المالية، إن الإيرادات العامة بلغت 1501 مليار جنيه، (الدولار يعادل 30.9 جنيه)، أغلبها إيرادات ضريبية، وهو ما ساعد على تدهور العجز في الحساب الختامي للموازنة، حيث ارتفع بـ23.1% في واحد من أعلى معدلات زيادة إيرادات الضرائب ما يعكس توجه الحكومة إلى زيادة الضرائب للتغلب على عجز الموازنة المزمن.
قفزات مخيفة في الديون
وسجلت فوائد الديون قفزات مرعبة بنسبة 44.5% في الموازنة المصرية وبلغت 1.12 تريليون جنيه، مقابل 775 مليار جنيه في التقديرات المتوقعة للسنة المالية الفائتة، متجاوزة بذلك أسوأ التوقعات الحكومية، وتقديراتها لحجم زيادة الديون؛ بسبب انهيار العملة المحلية.
ووفق التقرير، فإن وزارة المالية تتوقع أن تستحوذ مدفوعات خدمة الدين، الداخلي والخارجي، على حوالي 52.3% من الإيرادات، وتمثل 37.4% من إجمالي المصروفات، في السنة المالية 2024/2023 على خلفية ارتفاع أسعار الفائدة، وتكلفة الاقتراض، وتغير سعر الصرف.
أزمة مزمنة في مصر
من جانبه، قال الأكاديمي المصري وأستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول أشرف دوابة، إن ارتفاع الدين العام أزمة مزمنة في مصر، بعد خروجه عن الحدود الآمنة؛ مُرجعا ذلك إلى أن الدولة اعتمدت سياسة ديون بلا تنمية أو قيمة مضافة.
وأضاف أن زيادة حصيلة الإيرادات الضريبية هي الملاذ الوحيد للحكومة لتقليل عجز الموازنة، لكنه أشار إلى أن المواطن المصري ليست لديه القدرة على تحمل كل آثار الأزمة الاقتصادية الناجمة عن سوء التخطيط والإدارة.
وفيما يتعلق بخفض قيمة الجنيه مجددا وسط التحديات الراهنة وعدم تحقيق أي انفراجة في التدفقات الأجنبية رغم خفضها ثلاث مرات على التوالي، يرى دوابة أن سبب الأزمة مع صندوق النقد الدولي هو عدم تحرير سعر صرف الجنيه بشكل كامل، لذلك فإنه امتنع عن صرف الشريحة الثانية لمصر.
وتابع: “أعتقد أن الحكومة تأخذ هذا الأمر بجدية وما يترتب عليه من مخاطر وتسعى للمضي قدما في برنامج خصخصة الشركات الحكومية”.
خيارات محدودة وصعبة
وأشار التقرير إلى أنه في ظل تباطؤ حركة التدفقات الأجنبية وانتظار حدوث معجزة بتدفقات كبيرة وسريعة، أصبحت مصر بين خفض الجنيه مجددا واحتمال تأثير ذلك على الأمن القومي، أو القيام بإصلاحات اقتصادية تتضمن إنهاء عسكرة الاقتصاد وهو أمر يستبعد حدوثه حاليا.
وأوضح أن تخفيض قيمة العملة المحلية مرة أخرى ليس حلا مضمونا للأزمة، وأن السلطات المصرية قد ترغب في إدارة تخفيض آخر بعد تأمين بعض التدفقات الدولارية، ولكنها تظل رهن تحقيق تقدم ملموس في بيع أصول الدولة بوتيرة أسرع لتأمين تلك التدفقات.
من جانبه، قال خبير الاقتصاد الدولي إبراهيم نوار، إن تخفيض قيمة العملة سيؤدي إلى مضاعفات سيئة جدا على صعيد معدل التضخم المحلي، وتكلفة الواردات.
وأشار إلى أن هذا الأمر سيؤدي أيضا إلى نقص عرض السلع في السوق، ومن ثم ارتفاع الأسعار.
وأوضح أنه يجب إجراء مراجعة كاملة للسياسة الاقتصادية، خصوصا سياسات الإنفاق، وسعر الصرف، والسياسة التجارية، مشيرا إلى أن أي تدفقات دولارية ستتبخر بسرعة في تمويل سداد أقساط وفوائد الديون.
ولفت إلى أنه في حال تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية فإن هذه الحكومة، حتى إذا استمرت فستكون في وضع لا تحسد عليه حتى يونيو من العام المقبل.
وأشار إلى أن الارتفاع الصارخ في الدين العام يعكس فشل الحكومة في تحقيق مستهدفات الميزانية، وفي إدارة استراتيجية الدين العام، وفشلها في إدارة السياسة المالية للدولة وتحقيق أهدافها.
وتابع: «الإنفاق العام للحكومة أفلت خارج دائرة السيطرة، وسوف تواجه الحكومة اختبارا أشد صعوبة في السنة المالية الحالية».
ونوه التقرير، بأن هذا الدين المتراكم ترجمته وكالات التصنيف الائتماني إلى أرقام، حيث خفضت وكالة “فيتش”، تصنيف مصر، للمرة الأولى منذ 2013، درجة واحدة من “بي +” إلى “بي”.
وعدلت الوكالة نظرتها المستقبلية من “مستقرة” إلى “سلبية”، وهو الخفض الثاني بعد قيام وكالة موديز، في فبراير الماضي، بخفض التصنيف الائتماني السيادي لمصر درجة واحدة إلى “بي 3” من “بي بي 2” مع إمكانية خفضه مجددا.