وطن- نجحت التحذيرات والتهديدات الأمريكية في إحباط أيّ محاولات استثمارية جديدة في سوريا قبل أن يكون العراق بديلا محتملا للقيام هذه الاستثمارات.
هكذا تحدثت صحيفة “الأخبار” اللبنانية المقربة من “حزب الله”، في تقرير لها، أشارت فيه إلى أن هناك حالة استياء لدى النظام السوري من عدم انعكاس الانفتاح العربي عليها إيجاباً.
التأثير الحقيقي للعقوبات الأمريكية على الاستثمارات في سوريا
وقال تقرير الصحيفة، الموالية لنظام بشار الأسد، إن الانفتاح العربي على دمشق لم يأتِ حتى الآن بأي نتائج إيجابية تُذكر، إذ بقيت الوعود بمساعدة سوريا، والبدء بتخفيف آثار الحرب عنها، وإطلاق عملية إعادة الإعمار فيها، حبيسة القاعة التي شهدت اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، في مدينة جدّة، في مايو الماضي.
وأضاف التقرير، أن سوريا استقبلت عقب الزلزال الذي ضربها وتركيا، مساعدات إنسانية من دول مختلفة، وفي مقدّمتها الإمارات وإيران، إلا أنها لا تزال تلك المرة الأخيرة التي استقبلت المطارات السورية فيها، طائرات إماراتية خصوصاً، وعربية عموماً، ضمن مساعدات عينية أو مالية، أو حتى استثمارات وتبادلات تجارية جدّية.
ووفق الصحيفة، فإنه على الرغم من تعدّد العوامل المساهمة في غير صالح السوريين، إلا أن العامل الأكثر تأثيراً، يظلّ تمكّن العصا الأمريكية الغليظة، بفعل العقوبات المتعدّدة الأوجه المفروضة على سوريا، والتحذيرات العلنية، والتهديدات الخفيّة، من إحباط أي نوايا كانت لدى دول عربية لتقديم مساعدات حقيقية لدمشق.
ووفق مصادر سورية مطّلعة، فإن كل الوعود الإماراتية والسعودية بمساعدة سوريا، وتفعيل الاستثمار فيها على عدة مستويات، بقيت كلمات على الألسن، وحبراً على الورق، ولم يُترجم أي منها على أرض الواقع.
وقالت المصادر إن القيادة السورية لا تخفي استياءها من عدم انعكاس الانفتاح العربي عليها، إيجاباً على أوضاع الشعب السوري المعيشية والإنسانية، وهي تحمّل واشنطن مسؤولية تجويع السوريين.
أضافت: “مسؤولية الولايات المتحدة هذه، لا تُعفي دولاً عربية، كالإمارات والسعودية، من مسؤولية الإخلال بوعودها للقيادة السورية، بأن ينعكس الانفتاح السياسي مساعدات واستثمارات خليجية، خصوصاً أن البلاد تعيش هذه الأيام استقراراً أمنياً نسبياً”.
وأشارت الصحيفة إلى استفحال الأوضاع الإنسانية والمعيشية الصعبة في سوريا، إلى حدّ يمكن معه القول إن عام الانفتاح العربي، هو نفسه العام الأكثر صعوبة على المستوى الاقتصادي في سوريا.
وقياسا بمعدّل التضخم في سوريا، فإن مشروع ميزانية عام 2023، بلغت قيمته نحو 3.6 مليارات دولار (بحسب سعر الصرف الرسمي حين إقرارها)، مقارنة بـ5.3 مليارات دولار في عام 2022، و6.8 مليارات دولار في عام 2021.
وهناك ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، بشكل ملحوظ خلال الشهور السبعة الماضية، ما يعني انخفاض قيمة الموازنة بالدولار أكثر فأكثر، إلى نحو 1.9 مليار دولار، نسبة إلى سعر الصرف الرسمي الشهر الفائت.
الوعود الاستثمارية العربية لسوريا: الواقع مقابل التوقعات
يأتي هذا فيما قالت مصادر دبلوماسية عربية إن المسؤولين الإماراتيين وعدوا نظراءهم السوريين بضخّ أموال واستثمارات في البلاد، بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وقلّلوا من قدرة العقوبات الأمريكية على منع ذلك.
وأضافت المصادر أنه مع مرور الوقت تبيّن أن العقوبات الأمريكية، والتحذيرات التي وجّهها الأمريكيون إلى المسؤولين الإماراتيين والسعوديين وغيرهم، تمكّنت بالفعل من إحباط أي محاولات استثمارية جديدة في سوريا.
وقالت مصادر سورية، إن ثمّة مشاريع استثمارية إماراتية موجودة بالفعل في سوريا، لكن العمل مجمّد فيها، بذريعة الأوضاع الأمنية غير المستقرّة، إلا أنها لم تُلغ، وهو ما يؤشّر ربّما إلى توفّر إرادة إماراتية بتفعيل الاستثمارات، لكن ما يحول دون ذلك هو واقع العقوبات الأمريكية.
وأشارت المصادر إلى الاتفاق الذي وقّعته وزارة الكهرباء السورية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مع تجمّع شركات إماراتية، لإنشاء محطة توليد كهروضوئية قرب العاصمة دمشق بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ميغاوات، وتأمين التمويل اللازم للمشروع عن طريق تسهيلات تُسدّد بأقساط ربع سنوية لمدة 10 سنوات، على أن تكون فترة تنفيذ المشروع سنتين.
وأضافت المصادر أن هذا الاتفاق لم ينطلق العمل به أبداً، لأن الشركات الإماراتية تلقّت تحذيرات أمريكية مباشرة، بوضعها على لائحة العقوبات في حال مضت بالمشروع، رغم أن الاتفاقية كانت بتغطية إماراتية رسمية، ووُقّعت بعد يومين فقط من لقاء وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، مع الأسد، في دمشق، خلال الزيارة التي أعلنت عملياً مسار عودة سوريا إلى الحاضنة العربية.
وفي ظلّ الإصرار الأمريكي والغربي على منع أي انفتاح جدّي على دمشق، وقرْن ذلك بتنازلات سياسية واضحة من القيادة السورية، وجدت الأخيرة نفسها أمام خيارات محدودة، لا تخرج عن قدرات حلفائها التقليديين، في طهران وموسكو.
الدور الروسي في الاقتصاد السوري: الدعم العسكري والسياسي
لكن بالنسبة إلى روسيا، فقد بدا واضحاً تراجع الاهتمام كما يراه البعض، أو القدرة كما يراها البعض الآخر، بالملف السوري، وخصوصاً لناحية الاقتصاد والاستثمار والبناء والإعمار، في ظلّ الحرب في أوكرانيا.
فيما نقلت الصحيفة اللبنانية عن مصادر دبلوماسية أخرى، قولها إن الروس أيضاً لم يفوا بوعودهم للحكومة السورية على المستوى الاقتصادي، بينما يحافظون على حدّ مقبول من الدعم العسكري، وحدّ مرتفع من الدعم السياسي.
وكشفت المصادر أن الأسد ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين اتفقا خلال لقائهما في موسكو في مارس الماضي، على خطوات لدعم سوريا على المستوى الاقتصادي، إلا أن ذلك لم يُنفّذ حتى اليوم.
وأرجع المصادر ذلك إلى الحرب في أوكرانيا، وآثارها الاقتصادية العميقة، التي أثّرت على قدرة روسيا وشركاتها على الاستثمار في الخارج، وعلى حركة رأس المال الروسي.
أما من جهة إيران، فهي مستمرّة في دعمها سوريا على مستويات مختلفة، علماً أنها تمدّ من دون انقطاع، البلاد بحاجاتها من المشتقات النفطية المختلفة، حيث نفّذت وتنفّذ الشركات الإيرانية عدة مشاريع استثمارية، خصوصاً في مجال بناء الطرق والبنى التحتية.
لكن القدرة الإيرانية الاقتصادية تبقى في نهاية المطاف محدودة ومكبّلة بالحصار المفروض على إيران، والعقوبات التي تعيق عمليات بيع النفط وغيره من السلع، وتمنع حصول إيران على حاجتها من العملات الصعبة، وفق الصحيفة.
وقالت الصحيفة إنه “بدا ضرورياً إشراك طرف جديد في شبكة دعم سوريا، ليس هو إلا العراق، الذي وصفته بـ”الصديق” لسوريا وإيران، والجار لهما، والذي تربطه بهما حكماً مصالح سياسية وأمنية واقتصادية.
التحديات المستقبلية للإعمار والاستثمار في سوريا
ووفق التقرير، فقد جاءت زيارة رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، الأخيرة لدمشق، لتعلن صراحةً رفع التنسيق والتعاون بين البلدين إلى مستوى جديد، على مختلف الأصعدة، وبشكل خاصّ على الصعيد الاقتصادي.
وانطلق السوداني في خطوته هذه، من محدّدين اثنين؛ الأول هو أن سوريا عادت إلى الجامعة العربية، وعلاقاتها مع دول الخليج باتت مقبولة وفي تحسّن، وبالتالي لم يعد يشكّل التحرّك العراقي تجاهها خرقاً لما يسمّى الإجماع العربي.
أما المحدّد الثاني، فهو حيازة العراق نوعاً من الاستثناءات الأمريكية من العقوبات المفروضة على إيران في تعاملهم مع الأخيرة، والتي يؤمّل أن تنسحب على تعاملهم مع سوريا.
وتأتي زيارة السوداني في وقت تعيد فيه دول عربية بناء العلاقات مع دمشق بعد سنوات من التوتر، وذلك بعد 12 عاما من تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011 بسبب قمع الأسد للاحتجاجات عليه.
لكن الأسد استعاد السيطرة على مناطق واسعة من سوريا بدعم عسكري واقتصادي من روسيا وإيران، وعادت دمشق إلى جامعة الدول العربية في مايو / أيار الماضي، وتسعى دول بالمنطقة إلى الحوار مع هذا النظام لإنهاء تهريب المخدرات وإعادة ملايين اللاجئين.
ووافقت دمشق على المساعدة في وقف تهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق، ووضعت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي مسؤولين سوريين كبارا وأقارب للأسد على قوائم عقوبات في الأشهر الأخيرة، على خلفية اتهامهم بالضلوع في تجارة المخدرات، وتنفي دمشق تورطها في هذه التجارة.