اغتيال الملك فيصل: “حتى انت يا بروتس”!‎

By Published On: 1 أكتوبر، 2023

شارك الموضوع:

وطن- عندما قرر أركان إمبراطورية روما القديمة، اغتيال امبراطورها يوليوس قيصر، اثخنوه بالطعنات لحظة حضوره مجلس الشيوخ، ففتش عن صديق عمره ماركوس بروتس ليحميه، فوجده يشاركهم في الطعنات، فغطى وجهه بثوبه وصرخ صرخته الشهيرة “حتى انت يا بروتس.. اذا فليمت القيصر”.

ولعلها صرخة الملك فيصل اثناء اغتياله معنويا، قبل اغتياله فعليا، ولكن ما اكثر “البروتسات” الذين حوله، فقد سحب كل شيء من تحت أقدامه، ومن قبل اخوته و”أصدقاء” عمره.

كان اول من انقلب على الملك فيصل هم إخوته ممن يسمون ب”الجناح السديري” وعلى رأسهم الأمير فهد ثم سلطان ثم سلمان- الملك الحالي ثم نايف، وهؤلاء بالذات من قاموا بالتحزب ضده، وحفروا في طريقه كل ما واتتهم الفرصة، كانوا انفسهم من وقفوا يوما ضد اخيهم الملك سعود وعزلوه، وها هم يعدون العدة لمن جاء بعده، الملك فيصل.

بدأوا بمعارضتهم له في قرار حظر النفط، ومعارضتهم له عندما رفض زيادة إنتاج النفط فيما بعد، ثم جاءت الخطوة الخطيرة والتي شكلوا فيها مع هنري كيسنجر “اللجنة الأمريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي”، او كما سماها الامريكيون آنذاك “علاقة امريكية سعودية خاصة” تهكما، وهي لجنة ليست كما يعتقد من اسمها، بل لجنة هدفت الى نهب نفط العرب مع ثمنه، حيث قدموا انفسهم للامريكيين على أنهم افضل من سيعين أمريكا في المرحلة القادمة، فقدموا لها النفط كما تريد وبأي سعر، وحتى ثمنه تم تدويره في بنوك أمريكا، كما ذهب اكثره للخزينة الأمريكية كثمن للسلاح ومعدات صناعية لا تملك السعودية حتى من يستطيع تشغيلها، فكان عليها أن تأتي بالامريكيين الذين سيقومون بتشغيلها وتدفع لهم من جديد، فكان استسلام اقتصادي كامل للأمريكيين، عوضها كل خساراتها في حرب فيتنام ومغامراتها الغبية في اصقاع الدنيا، كما تم التعهد بأن حظر النفط لن يحدث مرة أخرى وتحت اي ظرف!.

وحين جرت مناقشة ادخال اليهود إلى السعودية ضمن اعمال هذه اللجنة، اخبرهم الأمير فهد أن ذلك من الصعب ان يتم، ما دام الملك فيصل يحكم، لأنه طلب أن تحول أوراق من يعتقد بيهوديتهم إلى مكتبه ليبت فيها هو شخصيا.

ثم جاءت خطوتهم الأخيرة حين أبدوا معارضتهم للملك فيصل حين عارض توقيع السادات مع الكيان الصهيوني على اتفاقية فك الاشتباك الثانية، حين رأوا ان هذه المعارضة تشكل خطرا على أمن مملكتهم.

وثمّ تأتي الحكومة الأمريكية متمثلة بادارة الرئيس ريتشارد نيكسون وادارة خليفته الرئيس جيرالد فورد وعلى رأسهم وزير خارجية الادارتين هنري كيسنجر.

ثم يأتي وحوش شركات النفط، ثاني من خدمهم الملك فيصل، والذين شاركوا في طعنه في الظهر، وهو الذي من أجلهم قطع النفط ومن أجلهم رفع سعره وحازوا بسبب سياسته “المتسامحة” معهم ارباحا ما حلموا بها قط،.

كما تساهل الملك فيصل كثيرا مع شركة ارامكو، ولم يتدخل في نهبها التاريخي للنفط السعودي وحتى نفط الجيران، مع انه كان يمكن أن يفعل ذلك، بل وبخ عبدالله الطريقي وزيره الأول للنفط والذي كان يعد لخطة سعودية- فنزويلية كي يحاسبهم على النفط بالقطرة. فبلغت أرباح أرامكو ما يقرب من ترليوني دولار، أكثرها حصلت عليه في عهد الملك فيصل، قبل أن يقوم بتاميمها وهو آخر جهوده الحقيقية، ولكن بعد ماذا..

عبدالله الطريقي

عبدالله الطريقي

ثم من طعنه في الظهر، هؤلاء الذين وثق بهم وعينهم في المناصب العليا ومنحهم كل ثقته، وأولهم نسيبه كمال أدهم ومدير استخباراته، الباني نصاب، تورط في فضائح عديدة من سرقات ونهب وتجسس واسع لصالح الأمريكيين والكيان الصهيوني، حتى أنه كان يكشف للمخابرات الأمريكية والذي كان يعمل مندوبا لها في العالم العربي، اخطر الأسرار التي تتعلق بالملك فيصل من الداخل، أما من فم الملك نفسه والذي ظل يثق به، أو من فم أخته- زوجة الملك فيصل- دون أن تدري ربما.

في إحدى المرات التي شكا فيها هنري كيسنجر من الملك فيصل أمام كمال أدهم، رد أدهم بأنه في السبعين من العمر، اي اقترب أجله!.

الأمير فهد ووزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر بعد التوقيع على الاتفاق السعودي الأمريكي الاقتصادي والعسكري ١٩٧٤

الأمير فهد وهنري كيسنجر بعد التوقيع على الاتفاق السعودي الأمريكي الاقتصادي والعسكري ١٩٧٤

والعجيب أن الملك فيصل طرد وزير نفطه الأول ومؤسس “اوبك” عبدالله الطريقي، أحد المع من انجبتهم الجزيرة العربية، بسبب كمال ادهم هذا، فحين منح الملك فيصل كمال ادهم ٢% من عقود الشركات النفطية اليابانية في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، جن جنون الطريقي وقال للملك فيصل: هل تعلم كم ال ٢% التي منحتها لادهم من هذه العقود؟ أنها أكثر من ملياري دولار!. فطرده فيصل!. وجاء باحمد زكي يماني والذي كان أمريكيا حتى النخاع، كما استطاع الجناح السديري ضمه للعمل لمصلحتهم وعلى حساب الملك فيصل، فكان ممن عمل مع السديريين في “اللجنة الافتصادية…” تلك التي كسرت ظهر الملك فيصل.

كمال ادهم

كمال أدهم إلى جانب الملك فهد بن عبدالعزيز

اعترف زكي يماني بأن الملك فيصل منحه ما يقرب من نصف مليار دولار إبان فورة النفط وتدفق دولاراته، غير ما منحه اياه من أراضي وقصور.

كان الملك فيصل هو الذي استخلصه للعمل معه منذ عام ١٩٥٨.

الملك فيصل

الملك فيصل

ومن رجال الملك فيصل الذين طعنوه في الظهر قبل اغتياله ايضا، كان هشام ناظر سفيره في القاهرة والوزير فيما بعد، والذي ما من اجتماع سري ما بين الملك فيصل والسادات الا وحمل ملفه وسلمه للسفير الأمريكي في القاهرة، كان من بين الذين جندهم جناح الأمراء السديريين، بعد اغتيال الملك فيصل اوكلت له مهمة “التحيز” في إرساء العطاءات للشركات الأمريكية دون غيرها من الشركات الأوروبية او اليابانية بناء على اتفاق ما بين الأمير فهد وويليم كولبي مدير المخابرات الأمريكية بعد اغتيال الملك فيصل باسبوعين.

ثم يأتي احمد بن عبد الوهاب مدير المراسيم الملكية والمسؤول عن حماية الملك فيصل الشخصية، تولى فيصل رعايته منذ أن كان طفلا وهو الذي أرسله إلى كلية فكتوريا في مصر مع نسيبه كمال أدهم، ليتعلم فيها، هذه الكلية الاستخبارية التي أنشأتها بريطانيا لتصنع من خلالها من سيعلمون لصالحها مستقبلا، سيمر اسمه معنا في حدثين مريبين يتعلقان باغتيال الملك فيصل.

واحمد عبدالوهاب من أصول شركسية، ارتبط في الفترة الأخيرة من حياة الملك فيصل مع الجناح السديري وكان من الناشطين في “اللجنة الأمريكية السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي”، والتواصل مع السفارة الأمريكية أثناء عملية إغتيال الملك فيصل وما بعدها.

ثم يأتي محمد ابراهيم مسعود الذي عين بديلا عن وزير الخارجية الراحل عمر السقاف، كقائم بأعمال الخارجية، تعاون مع الجناح السديري بشكل وثيق أثناء عمل اللجنة الاقتصادية الأمريكية السعودية، كان آخر مسؤول يقابله كيسنجر لوحده قبل اجتماعه الأخير مع الملك فيصل، وكان يجلس معهما زكي يماني والذي اخرج في منتصف اللقاء ليبقيا وحدهما، في عام ١٩٥٦ عمل جاسوسا سريا لصالح السفارة الأمريكية للتواصل ما بين الملك سعود والإدارة الأمريكية “ايزانهور”، والتي كان من بين اهدافه ضرب اقتصاد مصر في تلك الفترة، تطلق عليه الوثائق الأمريكية “صديق أمريكا”.

ثم يأتي محمد ابا الخيل، كان من الذين عملوا في وزارة المالية والتخطيط مع الملك فيصل، ولكن الجناح السديري استطاع استخلاصه لصالحهم، فانضم للجنة الاقتصادية الأمريكية بإدارة هنري كيسنجر والأمير فهد، ورافق الأمير فهد في زيارته لأمريكا عام ١٩٧٤ أثناء التوقيع على هذه الاتفاقية، كما أنه هو الذي ناقش اتفاقية “البترودولار” مع وزير المالية الأمريكي ويليم سايمون، بإشراف الأمير فهد، بعد اغتيال فيصل دفع به “السديريون” ليكون وزيرا للمالية بعد إغتيال الملك فيصل.

لفترة طويلة كان الكتاب والباحثون يعتقدون أن الملك فيصل هو المسؤول عن “اتفاقية البترودولار” هذه الاتفاقية المخزية والكارثية التي نكبت اقتصاد الأمة، ومنحت أمريكا قوة اقتصادية رفعتها لأرفع دول العالم اقتصاديا.

ثم يأتي أنور السادات، صنيعة كمال ادهم والمخابرات الأمريكية، دعمه الملك فيصل بلا حدود.

حين اجتمع الملك فيصل وانور السادات، للتخطيط لحرب اكتوبر، لم يجد السادات شخصية لتكون “ثالثهما” سوى الجاسوس الشهير أشرف مروان، والذي نقل كل ما دار في الاجتماع للموساد وللمخابرات الأمريكية، وأثناء التفاوض على اتفاقية فك الاشتباك الثانية مع الكيان الصهيوني بواسطة هنري كيسنجر، حمل السادات كل عجزه على ظهر الملك فيصل.

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment