وطن- “ابتسم للكاميرا” هو اسم فيلم مصري تم إنتاجه عام 1998، وتجسد طوال الانتخابات المصرية في الفترة من 10 ديسمبر إلى 12 ديسمبر.
“دعونا جميعا التقاط صورة”.. كان هذا المشهد أمام مركز اقتراع في الجيزة بالقرب من العاصمة القاهرة. وكانت الشخصية الرئيسية عضوا في حزب مستقبل وطن، ودعا عشرات النساء للتجمع حوله لالتقاط صورة للإشارة إلى أن هناك إقبالا كبيرا على الانتخابات. جاء ذلك في اليوم الأول للسباق الرئاسي الذي يسعى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي للفوز به للحصول على فترة رئاسية ثالثة تمتد حتى عام 2030.
بالإضافة إلى السيسي البالغ من العمر 68 عامًا، يتنافس في الانتخابات ثلاثة مرشحين آخرين: فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وعبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، وحازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري.
كان التصوير بالكاميرات والهواتف المحمولة هو الشغل الشاغل لأعضاء حزب الأغلبية، الذين حشدوا كبار السن والمتقاعدين والمستفيدين من صندوق التضامن والكرامة الحكومي للمحتاجين والأرامل والمطلقات المستفيدين من الجمعيات الخيرية. وهي مجموعات يسهل توجيهها وتعبئتها خلال الانتخابات، مقابل سلع غذائية أو من خلال الترهيب بقطع المساعدات العينية عنها.
وفي مشهد آخر، تم وضع مكبرات الصوت بجوار مراكز الاقتراع في جميع المحافظات، لبث الأغنيات الوطنية، أبرزها أغنية أنتجها الجيش المصري مباشرة بعد نجاح الانقلاب العسكري على الرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.
تكلفة الأصوات
وكان عدد من الناخبين، وأغلبهم من الفقراء، يتحدثون عن التعويضات التي سيحصلون عليها في نهاية يوم الانتخابات.
وتمحور مشهد آخر حول وسائل التعبئة المستخدمة في الانتخابات. وقال البعض إنها وجبة وبطاقة شحن هاتف بقيمة 100 جنيه (حوالي 3 دولارات)؛ وقال آخر إنهم سيحصلون على طرد غذائي، وقال ثالث إنهم سيحصلون على بطانية مقدمة من جمعية أبو العينين الخيرية، التي يرأسها عضو مجلس النواب ورجل الأعمال المصري المعروف والمقرب من النظام الحاكم. محمد ابو العينين.
وتحدث رجل خمسيني لـ”ميدل إيست مونيتور”، مؤكدا أن السيسي سيفوز حتما، قائلا: “سيفوز حتما مهما حدث”، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات قد حسمت بالفعل قبل أن تبدأ، ومبرراً سعيه للحصول على شيء مقابل صوته، مضيفاً: “دعونا نحصل على أي شيء”.
لكن بائعاً متجولاً مر أمام مركز الاقتراع يعرض بضاعته للبيع، غير مهتم بالعملية الانتخابية. قال: “ماذا يمكن أن يفعل صوتي؟ ليس لها قيمة. سيعطونني طردًا غذائيًا، لكنهم بعد ذلك سيأخذونه مني بالملايين”. وكان ينتقد زيادة أسعار جميع السلع والخدمات بما في ذلك فواتير الكهرباء والمياه والغاز والنقل.
وكان لأبو حسين، النجار، نفس الرأي. وقال: “لقد مللت من الانتخابات. ماذا سيغيرون؟”، وأشار إلى أن الأسعار مرتفعة للغاية، والمصريون يموتون ببطء بسبب انهيار قيمة الجنيه المصري وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وأجري استطلاع رأي في إحدى مناطق القاهرة، حيث عمل المستطلع على جمع عدد من الناخبين من المنطقة التي يقيم فيها، مع تقديم نسخ من بطاقات هويتهم. ثم يقوم بتعبئتهم خلال أيام الانتخابات، ويعطي كل ناخب بطاقة تحمل رقم المركز الذي سيدلي بصوته فيه، ثم يتأكد من تصويتهم، ويشار إليها من خلال آثار الحبر على أيديهم.
-
اقرأ أيضا:
فيديو يوثق رشاوى انتخابية للتصويت للسيسي أمام لجان انتخابات الرئاسة
زجاجة زيت وكيس سكر و100 جنيه.. رشاوى ديلفري للمنازل في انتخابات السيسي (شاهد)
ويقوم القائمون على الاستطلاع بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وحزب مستقبل وطن لإحداث تزاحم أمام مراكز الاقتراع، مقابل إعطاء كل ناخب مبلغاً مالياً يتراوح بين 100 جنيه (3 دولارات) إلى 200 جنيه (حوالي 6 دولارات). وفي الوقت نفسه، يتوقع القائمون على استطلاعات الرأي الحصول على مكافآت سخية من رجال الأعمال والممثلين الموالين للنظام الحاكم.
ونقل موقع “مدى مصر” الإعلامي المستقل، عن مسؤول استطلاعات الرأي الذي كان يقف أمام مدرسة المستقبل الإعدادية للبنات في منطقة المطرية شرق القاهرة، قوله: “السيسي هو الفائز في الانتخابات في كلتا الحالتين. نحن نساعد الفقراء و200 جنيه ليست سيئة”.
وارتفع السعر بين طلاب الجامعات الحكومية والخاصة، ووصل إلى 300 جنيه (نحو 10 دولارات) ووجبة، مقابل الإدلاء بالتصويت والحضور أمام اللجان، كدليل على اهتمام الشباب، بحسب أحد الطلاب في الجامعة. الجامعة الكندية بالقاهرة، تحدثت إلينا بشرط عدم الكشف عن هويتها.
تكتيك جديد
حدث مشهد آخر أمام لجنة الانتخابات في حي إمبابة غربي العاصمة. اشتكت ربة منزل من أنه طُلب منها وآخرون البقاء لمدة 6 ساعات تقريبًا بالقرب من مركز الاقتراع. وهو تكتيك جديد يهدف إلى خلق حالة من التزاحم أمام مراكز الانتخابات لتقليد طوابير الناخبين الطويلة الممتدة لمئات الأمتار التي شهدتها انتخابات 2012 التي أعقبت ثورة يناير 2011.
ولجأت الهيئة العامة للانتخابات إلى أسلوب آخر، وهو تقليص عدد مراكز الاقتراع من 14 ألف مركز في انتخابات 2018، إلى 12 ألف مركز في الانتخابات الحالية، رغم ارتفاع عدد الناخبين إلى 67 مليون ناخب، مما خلق حالة مصطنعة من التجمهر أمام مراكز الاقتراع.
ومن التكتيكات الجديدة الأخرى التي أفاد بها شاهد عيان في منطقة حدائق الأهرام غربي القاهرة، هو إخفاء الرشاوى والتعويضات وتجنب عرضها أمام صناديق الاقتراع. بل كانوا يقدمون للناخبين قسائم بقيمة 200 جنيه (حوالي 6 دولارات) لاستبدالها بالطعام في الأسواق المحلية بعد الإدلاء بأصواتهم.
غياب الناخبين الشباب في الانتخابات المصرية
كان أبرز ما شهدته الأيام الثلاثة للانتخابات هو غياب الناخبين الشباب، الذين قاطعوا الانتخابات على ما يبدو. ربما فعلوا ذلك احتجاجا على ارتفاع معدلات البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية، أو ربما احتجاجا على القمع الأمني والسياسي، والإطاحة بالمرشح الشاب أحمد الطنطاوي، وحرمانه من حق الترشح للرئاسة، وهو ما يظهر وانعدام معايير النزاهة في العملية الانتخابية برمتها؛ أو ربما قاطعوا تلك الأسباب مجتمعة.
وكان غياب مشاركة الناخبين الشباب واضحا في شوارع القاهرة الكبرى وأحياء العاصمة، مما جعل من الصعب معرفة أن هناك انتخابات في محافظة يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة.
وحقيقة أن الانتخابات جرت خلال أيام العمل الرسمية وكانت هناك تعبئة حكومية مباشرة وضغوط مورست على موظفي الحكومة للتصويت، لم تجدِ نفعا.
وقال مصدر حكومي مطلع لموقع ميدل إيست مونيتور، إن مؤسسات استطلاع الرأي في مناطقهم أخذت إفادات خطية من المعلمين، تأمرهم فيها بضرورة التصويت. وتكرر ذلك مع الهيئات الحكومية والجامعات والمؤسسات الأخرى.