هل أمريكا مقبلة على حرب أخرى بالشرق الأوسط رغم حرصها على تجنبها؟

وطن – في تقرير تحليلي له لمشهد الصراع في المنطقة قال هشام ملحم المحلل السياسي، إنه بعد مرور أكثر من مئة يوم على الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، وبعد محاولات أمريكا احتواء النزاع وتفادي التورط فيه، وجدت واشنطن نفسها بعد شنّ غارات ضد الحوثي، تعيد تصنيف تنظيم “أنصار الله” كجماعة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص.

وذلك في أحدث محاولة من واشنطن لقطع تمويل الجماعة، التي تسلحها وتدربها إيران، ولمعاقبتها “على نشاطاتها الإرهابية”، التي شملت “شن هجمات غير مسبوقة ضد السفن التي تبحر في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك ضد القوات المنتشرة في المنطقة للدفاع عن أمن وسلامة الملاحة التجارية”، يقول “ملحم” الباحث غير المقيم في “معهد دول الخليج العربية في واشنطن“.

الحوثيون وحرب البحر الأحمر

وجاء في بيان صدر عن الخارجية الأميركية أنه إذا أوقف الحوثيون هجماتهم فإن الولايات المتحدة سوف تعيد النظر بهذا التصنيف. وكان الرئيس الأسبق دونالد ترامب قد صنف الحوثيين كجماعة إرهابية دولية قبل أيام من انتهاء ولايته، ولكن الرئيس بايدن، ألغى هذا التصنيف في بداية ولايته، لكي لا يساهم في إعاقة وصول الإمدادات الإنسانية إلى اليمن.

عرقلة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهو من أبرز ممرات الشحن في العالم، أثار القلق من عودة التضخم إلى الأسواق، وقطع الإمدادات إلى المصانع الحيوية في أوروبا.

ولفت هشام ملحم في تقريره إلى أنه منذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وتحديدًا منذ بدأ الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة، اعتمد الرئيس بايدن سياسية ذات محورين: توفير الدعم العسكري والديبلوماسي غير المشروط تقريبًا لإسرائيل، بما في ذلك قبول هدفها الرئيسي، أي تدمير حماس واستئصالها من غزة إذا كان ذلك ممكناً، وفي الوقت ذاته السعي لاحتواء النزاع ومنع القتال من الانتقال إلى الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية.

وفي هذا السياق، أرسلت واشنطن حاملتي طائرات مع سفنها الداعمة إلى شرق البحر المتوسط في تحذير واضح لحزب الله في لبنان ولإيران بعدم التورط في القتال.

خلال الأسابيع التي تلت احتلال إسرائيل لغزة، أوضح المسؤولون الأميركيون، وكذلك القيادات السياسية والعسكرية في إيران وفي حزب الله، وفي أكثر من مناسبة، أنهم لا يسعون إلى توسيع رقعة القتال.

ثلاث قضايا رئيسية ستحدد شكل الشرق الأوسط في 2024

تجنب تصعيد القتال

وعلى الرغم من التوتر العسكري المتفاقم على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، والقصف المدفعي والصاروخي من قبل الطرفين، ونزوح عشرات الآلاف من اللبنانيين والإسرائيليين من المناطق الحدودية، إلا أن حزب الله، وإلى حد ما إسرائيل، تجنبا تصعيد القتال بشكل نوعي، أو تخطي القواعد والتفاهمات المعمول بها لإبقاء التوتر ساخناً على الحدود، وفي الوقت ذاته منعه من الانفجار، والتحول إلى حرب شاملة، كما حدث خلال الحرب المدمرة التي وقعت بين إسرائيل وحزب الله في 2006، واستمرت لأكثر من شهر.

ولكن “ضبط النفس” النسبي على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية لم يلغ احتمال وقوع حوادث غير مخطط لها تقوض “قواعد اللعبة”، وتؤدي إلى تصعيد نوعي غير مقصود، خاصة وأن استمرار التوتر بين إسرائيل وحزب الله قد أدى إلى وقوع خسائر متزايدة بين الطرفين، بحسب “ملحم”.

ما أدى إلى بروز تهديدات إسرائيلية من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتحديداً من وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي قال في أكثر من مناسبة، كان آخرها في مقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” أن حزب الله الذي يراقب ما يحدث في غزة “يدرك أننا نستطيع أن نفعل في بيروت ما فعلناه في غزة”. وهدد غالانت أنه إذا لم يتم التفاهم على إعادة 80 ألف إسرائيلي إلى منازلهم، التي نزحوا منها في شمال إسرائيل، فإن “إسرائيل لن تتردد في اللجوء إلى العمل العسكري”.

وعلى الرغم من مرور أكثر من مئة يوم على القتال، حوّلت إسرائيل خلالها معظم قطاع غزة إلى أرض يباب، وقتلت أكثر من 23 ألف فلسطيني، لا تزال حركة حماس قادرة على إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل، ولا يزال قادتها الميدانيين بعيدين عن قبضة إسرائيل يديرون القتال ضدها، وباءت جميع محاولات إسرائيل إطلاق سرائح الرهائن بالفشل.

هذا الواقع العسكري دفع ببعض المحللين العسكريين إلى التساؤل عن جدية تهديدات إسرائيل بفتح الجبهة الشمالية ضد حزب الله، الذي يتمتع بخبرة قتالية هامة (بسبب مواجهاته السابقة ضد إسرائيل، ومشاركة عناصره في القتال في سوريا)، وبقدرات عسكرية وتقنية تفوق بكثير قدرات حركة حماس، إلا إذا كانت إسرائيل تأمل باستغلال الحشود الأميركية في المنطقة، وزج الولايات المتحدة في قتال ضد حزب الله، وربما إيران.

ويتابع هشام ملحم في تقريره بالموقع الإلكتروني الخاص “بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن”، أن بعض المحللين العسكريين داخل وخارج إسرائيل يقولون إن جيش الاحتلال الإسرائيلي المرهق بعد قتال طويل ضد حركة حماس، ليس في وضع عسكري يسمح له بفتح جبهة ثانية ضد عدو أقوى من حماس.

ولكن التطورات العسكرية التي شهدتها المنطقة الممتدة من شرق المتوسط إلى باب المندب وحتى الخليج، خلال المئة يوم التي مرت على الحرب، أظهرت أن هناك حقائق وتحديات جديدة قد لا يكون بمقدور دولة واحدة، حتى ولو كان اسمها الولايات المتحدة، على احتواء النزاع لوقت طويل، مع ما يعنيه ذلك من اندلاع القتال على أكثر من جبهة في هذه المنطقة الواسعة، وتورط القوات الأميركية فيها، على الرغم من محاولات واشنطن تفادي مثل هذه النتيجة.

حرب أوسع محتملة بالمنطقة

وفي الثاني عشر من الشهر الجاري شنت الولايات المتحدة، بالمشاركة مع بريطانيا، وبدعم من حلفاء أخرين غارات جوية عقابية ضد اليمن، نفذتها طائرات حلقت من قواعد في المنطقة، إضافة إلى صواريخ أطلقتها غواصات أميركية ضد عشرات المواقع العسكرية التابعة للحوثيين.

وجاءت هذه الغارات ردًا على الهجمات الصاروخية وبواسطة المسيرات التي شنتها القوات الحوثية منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ضد الملاحة التجارية في البحر الأحمر، والتي تقول إنها جاءت دعما لغزة ضد العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر، وأنه هذه الهجمات لن تتوقف إلا بفك الحصار عن غزة.

هذه الهجمات، التي شملت الاستيلاء على سفن خلال ابحارها في مياه البحر الأحمر، أو استخدام الزوارق السريعة للتحرش بالسفن التجارية، أو محاولة السيطرة عليها، وضعت القوات الأميركية في البحر الأحمر في مواجهة عسكرية مع الحوثيين، عقبها تحذيرات أميركية بأنه إذا لم تتوقف هذه الهجمات، فإن واشنطن وحلفاؤها سوف يتدخلون مباشرة لوقفها.

جو بايدن وبنيامين نتنياهو
جو بايدن وبنيامين نتنياهو

واشنطن تحارب نيابة عن إسرائيل

وهذا ما حدث في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني، وهكذا أصبحت الولايات المتحدة طرفًا في نزاع اقليمي واسع، وإن كان المسؤولون الأميركيون يقولون أن عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر وضد اليمن ليست مصممة للدفاع عن إسرائيل، (وإن كان الحوثيون بالفعل ينتهكون القوانين الدولية ويعرقلون الملاحة التجارية السلمية)، ولكن الانطباع السائد في المنطقة هو أن واشنطن تحارب نيابة عن إسرائيل.

الحوثيون الذين برروا هجماتهم باسم التضامن مع حركة حماس والشعب الفلسطيني، تحولوا في الأشهر الماضية إلى أحد أبرز القوى الإقليمية المنضوية تحت لواء ما يسمى “بمحور المقاومة”، الذي ترعاه إيران، ويضم إضافة إلى الحوثيين قوى مسلحة حليفة لها في العراق وسوريا وحزب الله في لبنان، إضافة إلى حركة حماس.

وفي تطور مفاجئ وتصعيد نوعي عكس ثقتها بقدراتها العسكرية ومكانتها الاقليمية، شنت إيران، الثلاثاء الماضي، هجومًا بالصواريخ والمسيرات ضد تنظيم جهادي معاد لها ينشط في منطقة بلوشستان في باكستان اسمه “جيش العدل”، أدى إلى مقتل طفلين وفقًا للسلطات الباكستانية، التي أدانت الهجوم بشدة. وهكذا، خلال 48 ساعة، قامت إيران بقصف مواقع في ثلاثة دول مجاورة، بينها دولة باكستان، التي لديها عشرات القنابل النووية، وهي تدرك سلفًا أنها لن تتعرض إلى أي عقاب.

وسارع وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني للتأكيد في اليوم التالي للهجوم ضد الجهاديين في باكستان أن إيران لن تضع أي حدود على استخدامها لقدراتها الصاروخية ضد أعدائها كلما دعت الضرورة. وأضاف ” نحن قوة صاروخية في العالم”، مشددًا على أن أي تهديدات لإيران سوف تتم مواجهتها بقوة وبحزم.

الهدف الرئيسي “لمحور المقاومة” هو إضعاف النفوذ الأميركي في المنطقة، وإرغام الولايات المتحدة على سحب قواتها من الدول المحيطة بإيران مثل العراق، وتقليص الوجود العسكري في منطقة ومياه الخليج بأكبر قدر ممكن، ومساعدة إيران على تعزيز نفوذها وهيمنتها الإقليمية.

ولهذا لم يكن من المستغرب أن يعلن رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، بعد هذه التطورات العسكرية، “نحن نعتقد أن مبررات وجود الائتلاف الدولي قد انتهت”، في إشارة إلى الائتلاف العسكري المؤلف من 2500 جندي أميركي و900 جندي من دول حليفة أخرى.

كما أعرب السوداني عن استيائه العام من سياسية الولايات المتحدة تجاه الحرب في قطاع غزة، وأشار إلى أن الغرب قد أدار ظهره للفلسطينيين قبل هجوم حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/كانون الأول الماضي، ودعا إلى المزيد من الضغوط على بنيامين نتنياهو لوقف حرب “الإبادة” ضد الفلسطينيين.

وجاءت الغارات الأميركية-البريطانية بعد تصعيد إسرائيلي ضد حركة حماس وحزب الله وإيران، تمثل في اغتيالات طالت صالح العروري، أحد قادة حركة حماس، الذي كان يقيم في منطقة الضاحية، المعقل الرئيسي لحزب الله في بيروت، واغتيال وسام الطويل، أحد أبرز القادة الميدانيين لحزب الله في جنوب لبنان الذين قتلوا خلال المعارك الأخيرة.

كما أدت غارة إسرائيلية في أواخر الشهر الماضي إلى قتل السيد رضي موسوي، وهو قائد إيراني عسكري بارز في قلب العاصمة السورية دمشق.

وجاء الرد سريعًا من “محور المقاومة” على التصعيد الإسرائيلي عبر هجمات صاروخية لحزب الله ضد قاعدة عسكرية إسرائيلية في الشمال، كما أطلقت الميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق المسيرات ضد القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، كما صعّد الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر، وقامت إيران بالسيطرة على ناقلة نفط في خليج عمان.

المواجهات العسكرية الأخيرة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والقوات الحوثية من جهة أخرى، وإعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية دولية، ليس من المتوقع أن تؤدي إلى تغيير نوعي أو سريع في سلوك الحوثيين أو “محور المقاومة” ككل.

صراع يهدد بنسف وقف إطلاق النار الهش الذي علّق الحرب في اليمن

اكتسب الحوثيون خبرة قتالية خلال الحرب الطويلة التي خاضوها ضد أعدائهم في الداخل والخارج منذ 2015. استمرار المواجهات قد يهدد بنسف وقف إطلاق النار الهش الذي علّق الحرب في اليمن، والذي لا يزال بانتظار تثبيته بتفاهم سياسي قابل للتنفيذ. ولوحظ أن الدولة الخليجية الوحيدة التي قدمت الدعم اللوجستي للغارات الأميركية-البريطانية كانت البحرين، بينما اكتفت دول الخليج الأخرى بالدعوى إلى ضبط النفس.

هذا الموقف بحد ذاته يعكس إدراكا خليجياً بأنه لا يوجد حل عسكري ضد الحوثيين، وخاصة إذا اعتمد على الغارات الجوية فقط، كما أن انهيار وقف إطلاق النار في اليمن سوف يؤثر سلبًا على أمن دول الجزيرة العربية.

الولايات المتحدة أصبحت عملياً طرفًا في نزاع إقليمي بدأ قبل أكثر من مئة يوم بين إسرائيل وحركة حماس، ويشمل اليوم إسرائيل والولايات المتحدة، وإيران والقوى العسكرية التي تتعاون مع طهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وإذا أرادت واشنطن ضبط التوتر في المنطقة، ولو جزئياً، فعليها أن تبدأ بالضغط لوقف الحرب الإسرائيلية ضد غزة وسكانها. استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة ضد غزة، سوف يعني مضاعفة فرص احتمال تورط الولايات المتحدة أكثر فأكثر في نزاع عسكري آخر في الشرق الأوسط، بعد أن نزفت بشرياً ومالياً لحوالي عشرين سنة في نزاعات امتدت من أفغانستان إلى العراق وشرق المتوسط دفعت ثمنها غالياً.

Exit mobile version