“فخ الثمانينات”.. أسرار انهيار عملات 6 دول عربية كانت تتفوق على الدولار

By Published On: 7 فبراير، 2024

شارك الموضوع:

وطن – لم تكن التحولات الدراماتيكية التي عصفت بالبلدان العربية في العقود الأخيرة على كافة الصعد بمعزل عن العملات العربية، إذ أدت هذه التحولات في ظل الخطط الاقتصادية الفاشلة في عدد من هذه الدول إلى انهيارها مما أثر على التنمية والعجلة الاقتصادية وحياة المواطنين المرتبطة تلقائياً بصعود وهبوط هذه العملات.

في بداية الثمانينات كانت العملات العربية، بما فيها عملات الدول غير النفطية، تمثل صورة قوية في سوق الصرف مقابل العملات الأجنبية. ولكن ما الذي حدث بعد ذلك وكيف انهارت عملات 6 دول على الأقل وباتت في الحضيض بعد أن كان يشار إليها بالبنان لقوتها الشرائية.

تاريخ العملات العربية وأسباب انهيارها

إذ كان الدولار الأمريكي في هذه الفترة الزمينة وبحسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، يساوي أقل من جنيه مصري (70 قرشا فقط). ويساوي 3.9 ليرة سورية. بينما يعادل الدينار الأردني 3 دولارات والجنيه السوداني يعادل 2.6 دولار.والشلن الصومالي 3.4 دولار، بينما يعادل الدينار العراقي دولارين.

وبحسب تقرير نشره موقع “الجزيرة نت” كان لعقد الثمانينات عواقبه، حيث اتبعت عدد من الدول العربية النظام الاقتصادي الاشتراكي وسيطرة الدولة، وكانت أغلب تعاملاتها الخارجية تتم وفق آلية الصفقات المتساوية.

وكانت التعاملات الخارجية بطبيعتها محدودة وذلك بسبب العمل وفق سياسة إحلال الصادرات محل الواردات من خلال شركات القطاع العام.

  • اقرأ أيضا:
هذا ما جاء عن “الريال العماني” في تقرير عن العملات الأقوى بالعالم

سياسة نقدية

ولم تكن هناك حاجة للسفر إلى الخارج والحاجة إلى العملات الأجنبية؛ وهي تمثل عبئاً وطلباً كبيراً على النقد الأجنبي، إضافة إلى السياسة النقدية التي تعتمد نظام تسعير إداري للعملة المحلية، وبالتالي فإن أسعار صرف العملات العربية لا تعمل وفق آلية العرض والطلب.

ووفق المصدر ذاته كان الحصول على النقد الأجنبي قبل تحرير سعر الصرف في الدول العربية خلال الثمانينات، يتطلب شروطاً قد لا تكون متاحة للبعض، ولم تكن البنوك تلبي احتياجات الباحثين عن النقد الأجنبي (رغم قلة عددهم).
مما خلق حالة موازية سوق النقد الأجنبي، لكنه لم يكن نشطا. أو يؤثر بشكل كبير على سعر الصرف على عكس ما يجري اليوم.

ارتفاع معدلات الفساد

بينما اختلف الوضع في عام 2024 بشكل كبير، حيث تواجه أسعار صرف العملات العربية للدول غير المنتجة للنفط موجات تراجع قوية مقابل العملات الأجنبية.

وبلغت أسعار الصرف الرسمية للدولار الأمريكي حاليًا كما يلي:أكثر من 30 جنيها مصريا بسعر البنك، بينما تخطى سعره بالسوق السوداء الـ60 جنيها ووصل لـ70 جنيها ويزيد قبل أيام. حوالي 546 جنيها سودانيا.حوالي 1,450 دينار عراقي.1114 ريال يمني. 492 ليرة سورية.571 شلن صومالي، 3.1 دينار تونسي. وهي أسعار تختلف عن السوق الموازي بشكل كبير مما اثر على حياة مواطني هذه البلدان لناحية غلاء الأسعار والتضخم.

ومن العوامل التي ساعدت على انهيار العملات العربية أيضاً ارتفاع معدلات الفساد، خاصة في الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني.

وخلص تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2023، إلى أن جميع الدول التي انهارت أو تراجعت عملاتها في المنطقة العربية تعاني من معدلات فساد مرتفعة.

  • اقرأ أيضا:
لأول مرة بتاريخه.. سعر الدولار بالسوق السوداء في مصر يصل لهذا الرقم!

وتحتل الصومال ذيل قائمة الدول على مؤشر الشفافية المرتبة 180، وسوريا في المرتبة 177، واليمن في المرتبة 176، وليبيا في المرتبة 170، والعراق في المرتبة 154، ومصر في المرتبة 108، علماً أن المؤشر يضم 180 دولة.

ووفق المصدر فإن ما حدث في سوريا ولبنان والسودان واليمن والصومال والعراق هو انهيار بلا شك. أما الوضع في مصر وتونس فلا يزال في سياق تراجع كبير ولم يصل بعد إلى الانهيار، لكن لا توجد قواعد إنتاجية قوية في كل من مصر وتونس تساعدهما على الخروج من التراجع بقيمة العملة، بحيث يتم العمل على زيادة الصادرات.

زيادة الطلب على النقد الأجنبي

وشهد العالم في أوائل التسعينيات بداية العولمة الاقتصادية، وارتدت الاقتصادات العربية ثوب اقتصادات السوق وعدلت سياساتها النقدية والمالية والإنتاجية.

ودخلت غالبية الدول العربية غير النفطية في برامج إصلاحية مع صندوق النقد الدولي، ألزمتها بتحرير أسعار صرف عملاتها المحلية، وهو ما وضع العملات العربية أمام معادلة جديدة.

وفي ظل تطور العلاقات الاقتصادية الخارجية، انتعشت حركة الواردات من السلع والخدمات، وتم السماح بالسفر لجميع فئات رجال الأعمال والطلاب والراغبين في مزاولة السياحة الخارجية، مما ولّد طلباً جديداً على النقد الأجنبي الذي لم تكن موجودة من قبل.

وتشير الأرقام إلى تطور ملحوظ في التجارة الخارجية في العالم العربي. وفي عام 1990، بلغت الواردات العربية من السلع والخدمات 175.6 مليار دولار، بينما بلغت في 2020، 922.2 مليار دولار، أي أن نسبة الزيادة في هذه الواردات بلغت 426%، وكذلك الأمر بالنسبة للصادرات العربية.

ومن السلع والخدمات، بلغت قيمتها نحو 307 مليارات دولار عام 2001، فيما بلغت 936 مليار دولار عام 2020، أي أن هذه الصادرات ارتفعت بنسبة 204%.

ورغم أن الأرقام تعكس واقع العالم العربي ككل، إلا أن جميع الدول العربية غير النفطية تعاني من عجز في علاقاتها التجارية الخارجية، مما أثر سلبا على واقع صرفها الأجنبي وزيادة الطلب على الدولار.

عدم الاستقرار السياسي

ومن العوامل المهمة في انهيار العملات العربية عدم الاستقرار السياسي
إذ شهدت بعض الدول العربية أحداثا سياسية وأمنية أضرت بشكل كبير بأوضاعها الاقتصادية، مثل الصومال. انهارت مؤسسات الدولة مطلع الثمانينات.

وتعرض السودان لأحداث سياسية متتالية، كان أكثرها ضررا على الواقع الاقتصادي انفصال جنوب السودان عام 2011، ثم أحداث أبريل 2019 التي أطاحت بنظام البشير.

  • اقرأ أيضا:
السودان..تراجع سعر الدولار وارتفاع تاريخي وغير مسبوق لـ اليورو والعملات العربية

ولم يختلف الوضع عن العراق الذي تعرض للاحتلال الأميركي عام 2003، في حين تعرضت عدة دول عربية بعد الربيع العربي لصراعات مسلحة في ليبيا وسوريا واليمن. كما تعرض لبنان لأزمة اقتصادية في نهاية عام 2019، تعمقت في عام 2020 وما بعده.

كما شهدت مصر وتونس أحداثًا اقتصادية سلبية بعد نهاية حقبة الربيع العربي.

مرض الدولرة

ومن الظواهر السلبية التي ارتبطت بتراجع وانهيار العملات العربية هي ظاهرة الدولرة، حيث اتجه أصحاب المدخرات والتجار إلى ربط مدخراتهم أو أنشطتهم التجارية بالدولار بيعاً وشراءً، مما جعل الجميع يحرمون أنفسهم من العملات المحلية.

وانتقل مرض الدولرة إلى خلق مضاربين جدد بالعملات الأجنبية، مما أثقل كاهل النشاط الاقتصادي بالتخلي عن الإنتاج، أو خلق فرص عمل جديدة، واستقرار الوظائف القائمة، وتوسيع نطاق الأعمال الريعية.

وفي ظل التقلبات السابقة التي شهدتها الدول العربية والتي انهارت أو تراجعت قيمة عملاتها، تأثرت مؤشراتها الاقتصادية الأخرى، مثل احتياطيات النقد الأجنبي.

المواطن وانهيار العملة

ولكن ما هو تأثير انهيار العملات العربية على المواطنين في تلك البلدان؟

في الإجابة على هذا السؤال يشير التقرير المذكور إلى أن المواطن العربي في ظل انهيار العملات العربية في الدول غير النفطية، تحمل أعباء عدة، أبرزها انهيار قيمة المدخرات لمن يحتفظون بمدخراتهم بالعملات المحلية.

ولنا أن نتخيل الوضع في السودان، فبعد أن كان الدولار يعادل ما بين 40 و50 جنيها، قفز إلى أكثر من 500 جنيه.

وفي مصر مثلا مع بداية الألفية الثالثة كان سعر الدولار في حدود 3.30 جنيه، وفي 2024 أصبح عند 30 جنيها بالسعر الرسمي، وتكرر الأمر أيضا في بقية الدول التي شهدت تراجع أو انهيار عملاتها المحلية.

وختم التقرير بأن قيمة العملة في أي اقتصاد تأتي لتعكس الوضع الاقتصادي بشكل صحيح، ما لم تكن هناك حالة استثنائية.

ورغم تراجع عملتي ليبيا والعراق كدولتين منتجتين للنفط، إلا أنهما تصنفان كدولتين ناميتين، حتى قبل حدوث أزمات سياسية أو أمنية، وحتى لو كان النفط يوفر للدول المنتجة له سعر صرف أفضل للعملة، فإنه لم يغير واقع التنمية على الإطلاق.

شارك هذا الموضوع

Leave A Comment