بعد مقتل ضباط وجنود الإمارات بظروف غامضة.. ما الذي تفعله أبوظبي في الصومال؟

وطن – توجهت الأنظار مؤخرا نحو الصومال والتواجد الإماراتي بها وسط تساؤلات عن ماهيته وطبيعته، عقب الهجوم الإرهابي لحركة الشباب الصومالية على قاعدة “غوردن” بالعاصمة مقديشو والذي أسفر عن مقتل عناصر تابعة للجيش الإماراتي كانت تتواجد بالقاعدة بينهم الضابط الإماراتي برتبة عقيد محمد مبارك المنصوري.

والأحد، استقبل مطار البطين الخاص في العاصمة أبوظبي، جثامين القتلى الإماراتيين من عناصر القوات المسلحة، بحسب مقاطع وصور نشرتها وكالة الأنباء الإماراتية.

وكانت السلطات الإماراتية أعلنت عن مقتل عناصر تابعة للجيش في الصومال، لافتة إلى أن مهمة القوات الإماراتية المتواجدة في الصومال هي تدريب القوات الصومالية وإعادة بناء الجيش هناك.

مقتل عناصر تابعة للجيش الإماراتي في قاعدة إماراتية بالصومال
مقتل عناصر تابعة للجيش الإماراتي في قاعدة إماراتية بالصومال

دوافع بقاء القوات الإماراتية في الصومال

ووصفت تقارير هذا الهجوم بأنه ضربة موجعة جديدة للإمارات منذ استهداف الجنود الإماراتيين في اليمن وفي أفغانستان العقد الماضي.

وبحسب تقرير لموقع “الإمارات 71.. uae71” المعارض فإن ما حدث يوضح حجم تأثير سياسة أبوظبي الخارجية في القرن الأفريقي.

وتساءل عن السبب الذي يدفع “متطرفاً” ـ في إشارة لحركة الشباب الصومالية منفذة الهجوم ـ على قتل جنود الإمارات في أرض غريبة وبعيدة عن الحدود؟ وما دوافع بقاء القوات الإماراتية في ذلك البلد ذي البيئة الجيوسياسية المتغيّرة في وقت علاقة أبوظبي ومقديشو ليست على ما يرام؟!

ويشار إلى أنه لم تكن هناك علاقة كبيرة بين الإمارات والصومال قبل عام2011، ونظرت أبوظبي إلى مقديشو باهتمام بعد الربيع العربي والنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة عبر وكلائها والقرصنة البحرية المتزايدة إلى جانب حرب اليمن 2015، ليصبح وجود أبوظبي في هذه الدولة لمصلحة استراتيجية محورية.

لذلك بدأت بتوقيع اتفاقيات دبلوماسية وتجارية في عام 2013، والتي سمحت تدريجياً بالنفوذ السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والوجود العسكري لأبوظبي في مشهد الصومال السياسي خلال العقد اللاحق.

الإمارات واستغلال أرض الصومال

وفي يناير الماضي وُجهت اتهامات للإمارات بلعب دور في اتفاقية مثيرة للجدل بين أثيوبيا و”أرض الصومال” تمنح أديس أبابا إمكانية الوصول إلى البحر بتأجير 20 كيلومترا من سواحلها لإثيوبيا غير الساحلية لمدة 50 عاما، وهي اتفاقية أثارت غضب الحكومة الصومالية ومعظم دول المنطقة في القرن الأفريقي والعالم العربي.

ووقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قانونا يلغي صفقة الميناء واعتبرها انتهاكاً للسيادة، وهدد بقيام حرب لحماية البلاد. على الرغم من أن علاقة شيخ محمود جيدة مع أبوظبي على عكس القيادة السابقة التي جمدت المشاريع الإماراتية مع زيادة التوتر.

فمع عودة شيخ محمود إلى السلطة في مايو 2022 تم إعادة تنشيط النفوذ السياسي والدبلوماسي للإماراتيين، وهو ما كان الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو يتحداه؛ إذ ظلت مقديشو تنظر إلى أبوظبي بتوجس خاصة بعد التوتر الذي حدث في 2017 عندما قررت حكومة “فرماجو” البقاء على الحياد في الأزمة الخليجية.

وصعد التوتر إلى السطح في عام 2018 عندما احتجزت السلطات الصومالية طائرة مدنية إماراتية واستولت على 9.6 مليون دولار كانت على متنها، مع 47 فرداً من القوات الإماراتية. وقال الصوماليون وقتها إن الأموال هدفها “تحريض الأقاليم الصومالية على الضغط على حكومة مقديشيو ودعم ميليشيات مسلحة”، فيما قالت الإمارات إنها كانت رواتب المجندين الصوماليين.

ويبدو أن الأمور تحسنت بشكل كبير مع بداية ولاية حسن شيخ محمود؛ إذ كانت الإمارات أولى وجهاته الخارجية. وفي يناير2023 زار وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، أبوظبي، ليفتح الطريق لفصل جديد من التقارب بعد خلافات سنوات “فرماجو”.

والمشهد السياسي الصومالي معقد للغاية بعد عقود من الصراع، ويمكن تفكيك جزء من التعقيد من خلال فهم الترابط بين ثلاثة أمور: أ) استغلال السياسة والعشائر، ب) الصدمة الجماعية والمتباينة عن ثلاثين عاماً من عدم الاستقرار، ج) التأثيرات الكبيرة التي تشعر بها الصومال للمشاركة الإقليمية داخل البلاد.

ولجت أبوظبي للتأثير وسط هذا الترابط المعقد واستغلاله من أجل مصالح وخطط استراتيجية في الصومال الذي يملك خطاً ساحلياً بأكثر من 3000 كم، يواجه خليج عدن، قرب مضيق باب المندب ذو الأهمية الاستراتيجية العالمية، ما يجعل الصومال أحد أهم الشرايين التجارية للتجارة البحرية العالمية في العالم.

أجندة خبيثة لمحمد بن زايد في الصومال

وبحسب التقرير يثير الفصل الجديد من التعاون العسكري الإماراتي إلى جانب مقتل وإصابة العسكريين الإماراتيين في الصومال تساؤلات حول: ما الذي تستثمره أبوظبي عسكرياً في بلد ما يزال في حالة عدم استقرار، ومعارك تندلع بين العشائر إلى جانب هجمات ومعارك حركة الشباب الصومالية ضد الحكومة؟

وأجاب التقرير على هذه التساؤلات بأنه يبدو أن أبوظبي تريد أن تصبح قوات الإمارات المسلحة مثل شركة أمنية تقوم بحراسة مشاريع الاستثمار التابعة لعائلات في شرق أفريقيا.

فالقواعد العسكرية في الصومال -كما موانئها- تريد أن تكون محوراً وقاعدة رئيسية لتوسع هذه الكارتلات التجارية؛ إذ تشمل الاستثمارات أثيوبيا ذات 100 مليون نسمة، وانغولا، وأوغندا، وكينيا وارتيريا وتنزانيا. إلى جانب استخدام القوة العسكرية للنفوذ ومساندة الاستثمارات في السنغال والكونغو وحتى موزمبيق وانغولا.

لذلك فعلى عكس الإعلانات الرسمية، فإن أبوظبي تستثمر عسكرياً في الصومال في عدة أنواع، لا يبدو أن أياً منها يركز على الاستقرار أو بناء الدولة بل تخدم المصالح التجارية للعائلات والأفراد، من ذلك:

قوات أمن بونتلاند: تم إنشاء هذه القوات لحماية المناطق التي يتم فيها استخراج المعادن والنفط وتستثمر فيها الإمارات. وفي نوفمبر 2022 دفعت أبوظبي بعشرات الجنود والمعدات إلى القاعدة العسكرية (PMPF) في هذا الإقليم. ويقدر عددهم بنحو 180 جندياً وضابطاً إماراتياً، بما في ذلك الموجودون في القاعدة العسكرية في “علولا”.

تدريب قوات أرض الصومال: تحمي هذه القوات ميناء بربرة، ومناطق الاستثمار الإماراتية.

قاعدة الجنرال جوردون العسكرية: تقع هذه القاعدة العسكرية في مقديشو، وهي موطن للجيش الإماراتي، الذي يقوم بتدريب مجندين جدد للقوات المسلحة الصومالية بناءً على ضمانات من مسؤولين وزعماء عشائر. وهدفها الأساسي حماية المصالح التجارية في الصومال ودول شرق أفريقيا.

التواجد الإماراتي في الصومال
تزعم أبوظبي أن التواجد الإماراتي في الصومال يهدف إلى تدريب القوات الصومالية وإعادة بناء الجيش هناك

وهي القاعدة التي قتل فيها أربعة من العسكريين الإماراتيين، عندما نفذ الهجوم جندي كان قد أنهى تدريبه مؤخرا، وفتح النار على تجمع لمسؤولين عسكريين إماراتيين ومن دول أخرى.

ترى أبوظبي أن تواجدها في الصومال يشكل أهمية استراتيجية نظراً لموقعها الهام في القرن الإفريقي.

أبوظبي ترسخ الانقسام الصومالي لخدمة مصالحها

وواجهت القواعد العسكرية الإماراتية في الصومال اتهامات بانتهاك قرارات الأمم المتحدة لحظر الأسلحة على الصومال، وأنَّ إنشاء القواعد العسكرية في أرض الصومال وبنتلاند “وما ينطوي عليه من نقل الأعتدة العسكرية إلى الإقليم، انتهاك لحظر توريد الأسلحة المفروض على الصومال”، حسب تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة 2017 و2018.

وينظر كثير من الأفارقة والمراقبين الغربيين إلى أن الوجود الإماراتي في الصومال يعتبر وجوداً ساماً، ففي حين تتمتع الإمارات بحضور قوي بشكل عام في القرن الأفريقي، إلا أنها لم تتمتع بعلاقات إيجابية مع مقديشو، وتقوم بترسيخ الانقسام الصومالي بدعم الانفصاليين وبقاء حالة الانفلات الأمني، فمعظم مناطق الشمال تحت سيطرة حركة الشباب (تنظيم القاعدة) أو ميليشيات عشائرية، في وقت تكافح مقديشو في حلّ المشكلات مع الأقاليم الأخرى لحماية سيادة ووحدة البلاد.

ويبدو في حقيقة الأمر أن إرسال القوات الإماراتية إلى الصومال لحماية استثمارات العائلات التجارية أو من أجل استعراض القوة سام أيضاً لجنود الإمارات وللدولة، يقول تقرير “إمارات 71″.

وتابع موضحا:”إذ يمكن لهذه المؤسسات التجارية أن تستأجر شركات أمنية لحماية نفسها ونفوذها وتكتفي الدولة بالضغط الدبلوماسي والسياسي كما تفعل دول الخليج المجاورة مثل السعودية وقطر، وتحقيق نتائج إيجابية بدلاً من إثارة غضب الجميع ما يعرض جنود الإمارات للخطر وسمعة الدولة السياسية والتجارية للسوء.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى