فلسطين وشعبها في قاموس الزعامات العربية: في بداية ثورة ١٩٣٦ رفض الحكام العرب التدخل وزودوا بريطانيا بقوات عسكرية وعمالة لتسد مكان العمال الفلسطينيين المضربين
شارك الموضوع:
وطن– في ٢٠/ ١١/ ١٩٣٥ وأثناء تنقل الشيخ عز الدين القسام مع رجاله في أحراش “يعبد” أحاط بهم جنود الإنجليز وعربهم في المقدمة، واشتبكوا مع الشيخ ورجاله في معركة غير متكافئة تماما، أحد عشر مقاتلا أمام مئات الجنود الإنجليز والعرب، ومع ذلك استمرت من الفجر وحتى ما بعد الظهر.
واستشهد الشيخ عز الدين القسام مع ثلاثة من رجاله وجرح ثلاثة وتم اعتقال البقية. لكن تقريرا سريا للقنصل الأمريكي في القدس رفعه لخارجيته يتحدث أن الشيخ القسام كان قد جرح ولكن الجنود الإنجليز قاموا بإعدامه بعد اعتقاله، والله أعلم!.
من لندن إلى جنيف:
كتب حسن خالد الصيادي، إلى خديو مصر السابق عباس حلمي الثاني، كان الصيادي يشغل مدير ديوانه في السابق كما عينه الإنجليز رئيسا لوزراء شرق الأردن في العشرينات من القرن الماضي، كتب إليه في جنيف من لندن يخبره باستشهاد القسام، ويتحدث عن تشكيل أحد علماء فلسطين “عصابة ضد الحكومة!” وأن معركة عنيفة جرت بينه وبين الإنجليز وأن الجنود العرب الذين مع الإنجليز قد طلبوا من القسام الاستسلام، لكنه صاح فيهم ” لن نسلم.. ما حملنا السلاح الا في سبيل الله ولن نمت إلا شهداء”.
ويضيف أنه كان يلبس حينها الجبة والعمامة، وأن حيفا وكل فلسطين ضجت من أجله، “ثمة مظاهرات عظيمة في فلسطين شيعت جنازته، “يوم الجمعة لبيت دعوة الغداء مع الأدميرال دومفيل والأسبوع الماضي لبيت دعوة تناول الشاي مع هربرت صموئيل وكان عبدكم (يقصد نفسه) مع جاريتكم (يقصد زوجته) من ضيوف الدعوة، تعلم هو الذي عرفني بزوجتي!”.
بعد أشهر استيقظ ضمير الأدميرال دومفيل وانقلب على سياسة بريطانيا التي صارت لعبة في يد اليهود وسجن، وبعد أشهر أيضا مات حسن خالد الصيادي، ولله الأمر من بعد وقبل.
ثارت فلسطين بأكملها، لم تكن دماء هذا الشيخ الوقور الطهور وصحبه التي سقت بأحراش “يعبد” إلا أن تنبت ثورة من أعظم الثورات في التاريخ لولا تدخل زعامات العرب، وما كان لتلاميذه الذين حملوا اسمه بعد عقود إلا أن يذهلوا العالم كله ببطولاتهم كما نرى الآن.
بعد استشهاد عز الدين القسام، ظهر رجاله من كل حدب وصوب، وقاموا بعمليات نوعية ضد الإنجليز ويهودهم تحت مسمى “عمليات ثأر لدم القسام”. كانوا كبارا مع بساطتهم ولا يهمهم إلا مرضاة ربهم والإخلاص لشعبهم ووطنهم.
قبل مرحلة القسام رحمه الله، كانت رؤوس الأسر الكبرى وصاحبة الأطيان والصيت الرنان هي من تتحكم بكل شيء في فلسطين، فسلطات الانتداب البريطانية لا تتواصل مع الشعب إلا من خلالهم، وزعامات العرب أيضا انقسمت على بعضها وصار كل منها يشجع فريقا من هذه الأسر ويستخدمه من أجل مصالحه.
ولكن بعد عصر القسام، ذاب كل هؤلاء خجلا، فصاروا في عيون الناس أقزاما، فاستسلم بعضهم لمصيره، وركب موجة الثورة بعضهم الآخر، والحق أن منهم من استقام، ومنهم من خاف أيضا. كانت هذه الثورة الغاضبة قد قررت أيضا أن تأكل لحم كل خائن يعمل لصالح العدو، وكل جبان يقف في وجهها.
كان “الصيادي” يحاول إفهام الخديو عباس أن هذا الحدث ليس مثل ما قبله، وحتى بريطانيا رأت وميض ثورة ليست كأي ثورة، ثورة ستثقل كاهل بريطانيا لعقود، من أجل هذا سلموا الجثامين بعد يوم لأسرها وطلبوا التعجيل بدفنها، واشترطوا أن لا تمر جنازة الشهيد القسام من مدينة حيفا، كما هددوا أي صحيفة تتحدث عن بطولته بالإغلاق.
-
اقرأ أيضا:
فلسطين وشعبها في قاموس الزعامات العربية.. احدهم: ما انتم ساميين مثل اليهود. وآخر وعد بوعد بلفور عربي. وآخر: اخرجهم من الملة وطردهم من الحج
الثورة الكبرى في فلسطين بعد استشهاد القسام
في ١٥ نيسان ١٩٣٦، وبعد عمليات الثأر لدم القسام، امتدت الثورة لبقية مدن فلسطين، ثم بعد أسبوع أعلنت فلسطين إضرابها الشهير والشامل برا وبحرا، واستمر لمدة ستة أشهر، حيث عد أطول إضراب سياسي وتجاري في التاريخ، وبموازاة ذلك اشتدت ضربات الثوار على الإنجليز ويهودهم في كل أنحاء فلسطين.
أعلنت بريطانيا حالة الطوارىء، واستدعت عشرات الآلاف من جنودها في مصر وشرق الأردن والعراق وقوات عربية من هذه البلدان، واضطرت أن تسحب بعض قواتها التي كانت مخصصة لحماية قناة السويس، وزجت بالعصابات الصهيونية رسميا ضمن جيشها، كي تصد نيران الثورة التي اشتعلت حولها في كل مكان، فتشت عن أحط وأبشع عسكرييها في السجل العسكري الاستعماري، والذين أجرموا بحق البلدان التي شاءت الأقدار أن تحتلها بريطانيا وجاءت بهم.
وكان من بينهم “اوردي وينجيت”، كان قد أبعده الجيش مؤقتا في الثلاث سنوات الأخيرة، كان مريضا نفسيا بشهادة الجيش البريطاني نفسه، ( كان لا يستقبل معاونيه في خيمته إلا وهو عار من ملابسه تماما)، إلا أن ونستون تشرشل أصر على بقاءه في الجيش لعلاقة خاصة بينهما، فقد كان يرتكب بشاعاته دون أن يعي نتيجة انعكاساتها على الجيش ككل.
وقد سبب للجيش البريطاني متاعب كثيرة في أماكن مختلفة، في عام ١٩٤٤ أودى به جنونه أثناء خدمته العسكرية في بورما أن يقوم بتحميل طائرته فوق طاقتها رغم تحذير الطيار، فسقطت واحترق كل من عليها، فارتاحت منه البلاد والعباد عن عمر ٤١ عاما.
في هذا الظرف استدعى الجيش البريطاني هذا المريض “وينجيت” وأعطاه الحرية لفعل ما يريد، قام بتدريب قوات الهاجناه وقوة بريطانية عرفت بفرقة الحراسات الليلية، لا زالت الهاجناه تحتفي به وبخدماته لها حتى يومنا هذا، كان من بين إجرامه بحق المجاهدين حقنهم بالمورفين في المعتقلات وتعذيبهم بأبشع الأساليب التي تأنف عن ذكرها النفوس، كما واشتهر عنه قلع عيون وتهشيم أسنان المجاهدين قبل إعدامهم.
خذلان ابن سعود وعبد الله بن الحسين لفلسطين
لم تترك بريطانيا وسيلة وحشية من أجل قمعها للثورة إلا وطبقتها.
بعد أسبوع من الإضراب، أرسل الحاج أمين الحسيني إلى جدة وراسل ابن سعود يطلب منه العون، وقام ابن سعود بدوره باستشارة الوكيل البريطاني في جدة “أندرو ريان”، والذي طلب منه عدم المساعدة وعدم التدخل، فرد ابن سعود، أنه أصلا لا يريد التدخل.. “اعتبر الموضوع مغلقا”.
فغادر أمين الحسين ووفده خالي الوفاض، وتوجهوا إلى عبد الله بن الحسين في شرق الاردن، وسألهم عن شروطهم، فأعادوا نفس الشروط التي عرضوها لابن سعود: إيقاف الهجرة اليهودية، إيقاف تسريب الأراضي، وإنشاء حكومة وطنية، وحين رأى حجم الشروط، قال لهم: اذهبوا إلى لندن!.
فيما بعد أخبر ابن سعود الوكيل البريطاني أندرو ريان بأنه رفض التعاون مع أمين الحسيني لأنه لا يريد ان يضر بمصالح بريطانيا في المنطقة، لكن هذا الموقف أفقده هيبته لدى الفلسطينيين.
كانت بريطانيا في ذلك الحين تركن الى حجم القوات التي استدعتها، وإلى الاعتقاد بعدم استطاعة الفلسطينيين بالاستمرار في الإضراب، كما كان ينتظر المندوب البريطاني السامي “ارثور ووتشوب” رد وزارة المستعمرات والتي اقترح عليها أن تقوم اللجنة الملكية الذي كانت بريطانيا تعد لها، بأن تصدر ولو قرارا مؤقتا بوقف الهجرة اليهودية والذي يعد اول مطالب الثورة الرئيسية، لكن وزارة المستعمرات رفضت ذلك.
كما طلبت بريطانيا من رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس إسعافهم بعمال من مصر للتخفيف من حالة الشلل التي أصابت فلسطين بعد الإضراب، وأرعبت يهودها حتى حملت بعضهم على المغادرة، فأسعفهم النحاس بآلاف العمال.
ولكن الثورة استعرت نيرانها أكثر وتوسعت حتى شملت كل فلسطين، كما تحمل الشعب الفلسطيني توابع الإضراب الاقتصادية واستمر بالإضراب رغم كل هذا.
في آخر شهر ستة وحين رأت بريطانيا أن الأمور بدأت تخرج عن سيطرتها، اضطرت أن تطلب من الحكام العرب التدخل علهم يوقفوا الإضراب والثورة، كان كل زعيم عربي يحاول أن يقنع بريطانيا بأنه الأوحد الذي يستطيع التأثير على الثوار الفلسطينيين، لينال حظوة لديها.
يتبع الجزء الرابع..
الحياة ساعة او بضع ساعات و كاننا ندخل بيت فيه اشياء يطلب منا تنظيمها او تركها ثم نخرج و نلقى الحساب ، مجرد إمتحان مرتزقة إنجليز و عبيدهم العار. ب و رجال صادقوا ما عاهدوا الله عليه.