الشيخ أحمد ياسين.. الرجل الذي هز الكيان الإسرائيلي من كرسيه المتحرك قبل أن يأتي الطوفان

وطن – تأتي في شهر مارس- آذار الجاري وتحديدا يوم 22 من الشهر المذكور، الذكرى العشرون لرحيل الداعية والمجاهد الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تخوض اليوم ملاحم أسطورية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتم اغتياله في مثل هذا اليوم قبل عقدين من الزمن عندما استهدفته طائرات الهليكوبتر أثناء مغادرته أحد المساجد بعد الفجر.

ولد الشيخ “أحمد إسماعيل ياسين” في قرية تاريخية عريقة تسمى “جورة عسقلان” التابعة لقضاء مدينة المجدل – التي تقع على بعد 20 كيلو متر شمالي غزة – في شهر يونيو من عام 1936.

وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيوني المتزايد داخل الأراضي الفلسطينية، مات والده وعمره لم يتجاوز ثلاث سنوات وكني في طفولته بأحمد سعدة نسبة إلى أمه السيدة “سعدة عبد الله الهبيل” لتمييزه عن أقرانه الكثر من عائلة ياسين الذين يحملون اسم أحمد.

كان أحمد ياسين يبلغ من العمر 12 عاماً، حين وقعت نكبة فلسطين عام 1948 وهاجرت أسرته إلى غزة مع عشرات آلاف الأسر التي طردتها العصابات الصهيونية.

مصارعة ودية

تعرض وهو في السادسة عشرة من عمره لحادثة أثرت في حياته كلها، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق إثر مصارعة ودية بينه وبين أحد زملائه عام 1952، وبعد 45 يوماً من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس اتضح بعدها أنه مصاب بشلل رباعي.

ولم يخبر أحمد ياسين أحداً ولا حتى أسرته، بأنه أصيب أثناء مصارعة أحد رفاقه خوفاً من حدوث مشاكل عائلية بين أسرته وأسرة رفيقه، ولم يكشف عن ذلك إلا عام 1989. ونتيجة لذلك كان أحمد ياسين لا يقدر على تحريك الأشياء إلا بلسانه فقط.

  • اقرأ أيضا:
هل تتحقق نبوءة الشيخ أحمد ياسين بزوال إسرائيل؟.. تغريدة لناصر الدويلة تثير تفاعلا

الإرث وليس الصورة

وقال موقع “ميدل إيست مونيتور” إن أحمد ياسين عندما كان في الثانية عشرة من عمره، كان يلعب مع بعض الأصدقاء على شاطئ البحر وتعرض لحادث – بقيت طبيعته غير واضحة – وأدى إلى كسر بعض الفقرات في رقبته.

وتركته في الحالة التي حددت صورته ولكن ليس إرثه: مشلول رباعيًا مصابًا بشلل جزئي ويعتمد على كرسي متحرك وغيره للحصول على المساعدة لبقية حياته.

بعد أن أنهى دراسته الثانوية في غزة، عمل ياسين مدرساً للغة العربية والدراسات الإسلامية حتى عام 1964، عندما تقدم للالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية في جامعة عين شمس بالقاهرة.

ومع ذلك، لم يتمكن من قضاء سوى حوالي عام هناك، حيث تشير بعض التقارير إلى أن ذلك كان بسبب نقص الأموال وتدهور صحته. بينما ادعى آخرون أن ذلك كان بسبب قمع السلطات المصرية التي احتجزته لفترة وجيزة في عام 1965 بسبب أنشطته المزعومة مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة أيضا وقتها.

حماس تترسخ

وأضاف المصدر أن الشاب ياسين-آنذاك- أضطر للعودة إلى غزة – التي كانت لا تزال تحت السيطرة المصرية في ذلك الوقت- وعلى الرغم من ظروف عودته، فقد ورد أنه تأثر بشدة بجماعة الإخوان المسلمين وتأسيس فرع لها في الأراضي المحتلة.

واكتسب أحمد ياسين سمعة كونه أحد الدعاة الأكثر احترامًا في قطاع غزة، حيث ألقى خطبًا متكررة بعد صلاة الجمعة واكتسب أتباعًا.

أمضى معظم السبعينيات في القيام بأعمال خيرية واسعة النطاق من خلال منظمته المجمع الإسلامية، حيث قام ببناء وتسهيل الخدمات مثل مراكز المجتمع الإسلامي والعيادات ونوادي الشباب وبنوك الدم، بالإضافة إلى المرافق التي تقدم الرعاية النهارية والعلاج الطبي والوجبات.

وعلى الرغم من أن تل أبيب فضلت في البداية هذا العمل الخيري، زاعمة أنها اعتبرته بديلاً للتكتيكات الأكثر تشددًا التي اتبعتها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في ذلك الوقت. إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلية اعتقلت ياسين في عام 1984 بزعم جمع وإيواء أسلحة لشن هجمات ضد قوات الاحتلال.

وحكمت عليه السلطات الإسرائيلية بعد ذلك بالسجن لمدة 13 عامًا، لكنها أطلقت سراحه في عام 1985 كجزء من اتفاقية جبريل، وهي صفقة تبادل أسرى بين الحكومة الإسرائيلية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي شارك فيها أكثر من 1500 فلسطيني. تم إطلاق سراح السجناء مقابل عدد قليل من الإسرائيليين.

النضال والإرث

في عام 1987 ـ بعد مرور عشرين عاماً على احتلال إسرائيل لغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وأثناء الانتفاضة الأولى ـ شارك الشيخ ياسين في تأسيس حركة حماس، وهي اختصار لحركة المقاومة الإسلامية.

وتم القبض على مؤسس حماس مرة أخرى في عام 1989 وحكم عليه بالسجن لمدة 40 عاما، وهذه المرة بمزاعم التحريض على العنف والأمر بقتل جندي إسرائيلي. وانضم إليه في السجن اثنان من أبنائه الذين تطوعوا لمرافقة والدهم لمساعدته بسبب إعاقته.

وتابع المصدر أن الثلاثة أمضوا ثماني سنوات خلف القضبان قبل أن يتم إطلاق سراحهم في عام 1997، وذلك بفضل صفقة تم الاتفاق عليها بين إسرائيل والملك حسين، عاهل الأردن، بعد أن حاول عملاء الموساد اغتيال زعيم حماس خالد مشعل في عمان بواسطة حقنة في الشارع، وتم القبض عليهم من قبل قوات الأمن الأردنية.

وأثرت تلك السنوات التي قضاها في السجن على ياسين المريض، مما أدى إلى تدهور حالته الصحية، وفقدان البصر في عينه اليمنى، وفقدان بعض السمع، وتطور أمراض الجهاز التنفسي.

ولم يكن لدى إسرائيل أي نية للسماح للرجل الذي أصبح الزعيم الروحي لحماس بالبقاء نشطاً، ومع ذلك، ستخطط في السنوات المقبلة للقضاء عليه وعلى نفوذه. وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت الحكومة الإسرائيلية برئاسة رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون في الدعوة علنًا إلى اغتيال ياسين.

في 6 سبتمبر 2003، أطلقت مقاتلة إسرائيلية من طراز F-16 صواريخ على مبنى في مدينة غزة حيث صادف وجوده، لكنها لم تنجح إلا في إصابة الشيخ.

وقال الموقع في تقريره إن الإسرائيليين نجحوا في اغتيال ياسين وهو أمر لم يكن من الصعب القيام به، إذ ورد أن ياسين لم يبذل أي جهد لإخفاء أو تغيير جدول أعماله اليومي – في 22 مارس/آذار 2004، مع تسعة أشخاص آخرين، عندما استهدفته طائرات الهليكوبتر أثناء مغادرته أحد المساجد بعد صلاة الفجر.

وتمت إدانة عملية القتل في جميع أنحاء العالم، سواء من قبل أنصار حماس أو من قبل منتقديها الذين أكدوا أن هذه الخطوة كانت خطأ استراتيجيا لعملية السلام بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

وبعد مرور عشرين عاماً على استشهاد الشيخ أحمد ياسين وما يقرب من 88 عاماً على ولادته، يثني أنصاره والمقربون منه عليه باعتباره قائدًا مثابرًا وزاهدًا، قام، على الرغم من إصابته بالشلل طوال حياته، بتربية أحد عشر طفلاً وأسس حركة مقاومة مشروعة لا تزال تنفذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى يومنا هذا.

ويستشهدون به أيضًا باعتباره شخصية نزيهة تتناقض بشكل صارخ مع فساد السلطة الفلسطينية الحالية، التي تمت إدانتها بسبب تنسيقها الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن تخلت عن جذورها العسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية من أجل متابعة ما يسمى “عملية السلام”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى