دور للدول العربية في رفع أسعار الذهب.. وتأثير هذا على اقتصادات المنطقة

وطن – سلط تحليل اقتصادي أوروبي الضوء على آثار ارتفاع أسعار الذهب وتأثير ذلك على اقتصادات المنطقة العربية ومساهمة بعض الدول العربية في رفع أسعار الذهب العالمية.

تحليل مؤسسة “فنك” الأوروبية، أشار إلى أنه منذ بداية العام 2024، سجلت أسعار الذهب ارتفاعات سريعة وحادة، لتلامس في الأسبوع الأول من شهر أبريل الجاري، حدود الـ 2,350 دولارًا أميركيًّا للأونصة، ما مثّل أعلى مستوى تاريخي لها.

ومن اللافت أن هذه الأسعار القياسية كانت أعلى بنسبة 21%، من متوسط أسعار الذهب خلال العام السابق 2023، حيث قاربت حدود 1,943 دولارًا أميركيا للأونصة.

بهذا الشكل، استكملت أسعار الذهب المسار التصاعدي الذي شهدته منذ العام 2019، والذي نتج عن مجموعة واسعة من العوامل على المستوى الاقتصادي العالمي.

دور للدول العربية في رفع أسعار الذهب

لم تكن اقتصادات المنطقة العربيّة بعيدة عن هذا المشهد. فالمصارف المركزيّة في بعض الدول العربيّة ساهمت في رفع أسعار الذهب العالميّة، عبر مساهمتها في زيادة الطلب على هذا المعدن، بوصفه جزءًا من احتياطاتها الإستراتيجيّة. وهذا ما ينطبق على دول مثل قطر والعراق وليبيا.

أما بعض الدول الأخرى، فستكون في موقع المتأثر بزيادة الأسعار، إما لكونها مُنتجة ومُصدرة للذهب، أو بفعل زيادة قيمة احتياطات الذهب الكبيرة التي تملكها بالفعل، أو بسبب تداعيات هذه التطورات على أنشطة تهريب هذا المعدن واستعماله في تبييض الأموال.

وهذا ما ينطبق على لبنان والإمارات ومصر والسودان، حيث تمتلك كلّ من هذه الدول أسبابًا مختلفة للانكشاف على آثار تغيّر أسعار الذهب.

  • اقرأ أيضا:
أسعار الذهب تثير جنون المصريين.. ارتفاعات قياسية وتحرك حكومي ومقترح برلماني

التحولات على المستوى العالمي

لفهم علاقة أسعار الذهب بالديناميات الاقتصادية في المنطقة العربية، من المهم التوقف أولا عند العوامل التي أثرت في هذه الأسعار على المستوى العالمي، بين العامين 2019 و2024.

فخلال هذه الأعوام، ارتفع متوسط سعر أونصة الذهب السنوي تدريجيا من 1,393 دولارا أمريكيا عام 2019، إلى 1,943 دولارا أميركيا عام 2023، قبل أن يتم تسجيل المستويات القياسية الحالية خلال العام 2024.

بالنتيجة، سجّلت أسعار الذهب زيادة تراكميّة بنسبة 78.57%، خلال فترة الخمس سنوات. وهذا ما يطرح السؤال عن التحوّلات الاقتصادية والسياسية، التي دفعت أسعار الذهب بهذا الاتجاه خلال كل مرحلة، طوال السنوات الخمس.

في الربع الأول من العام 2020، ومع تفشي وباء كورونا وارتفاع درجات عدم اليقين الاقتصادي، ارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من سبع سنوات. إذ وجد المستثمرون الذهب الملاذ الآمن الطبيعي والجذاب لحفظ مدخراتهم، بعيدًا عن أدوات الأسواق المالية، التي ارتفعت مخاطرها في تلك المرحلة.

وفي تلك المرحلة أيضا، اندفعت رؤوس الأموال باتجاه شراء المعادن، بفعل عدم توفّر الفرص الاستثماريّة المُربحة ضمن القطاعات الإنتاجيّة، في ظل القيود التي تم فرضها على الأنشطة الاقتصاديّة.

  • اقرأ أيضا:
عبر أبوظبي.. كيف التفت روسيا على العقوبات الغربية واخترقت الحظر؟

عام 2021، ومع بدء انحسار الوباء وفتح الأسواق، شهدت الاقتصادات الكبرى موجة تضخم عالمية وصلت إلى حدود الـ 4.7% في تلك السنة، قبل أن ترتفع إلى 8.8% عام 2022.

وجاءت معدلات التضخّم نتيجة ارتفاع الطلب على السلع والخدمات بعد رفع القيود على النشاط الاقتصادي، وهذا ما أدّى إلى زيادة الضغط على سلاسل التوريد.

ومرّة جديدة، وبسبب معدلات التضخّم المرتفعة، ارتفع الطلب على الذهب خلال تلك الفترة، من قبل المستثمرين الراغبين بحماية قيمة ثرواتهم من تداعيات التضخّم.

ومنذ العام 2022، توالت التطوّرات الأمنيّة والعسكريّة ذات التبعات الاقتصاديّة السلبيّة، والتي جذبت المستثمرين الهاربين من الخضّات الماليّة وآثارها إلى الذّهب.

ففي شباط/فبراير 2022، بدأت الحرب الأوكرانيّة التي أدّت إلى تداعيات قاسية على مستوى سلاسل توريد مصادر الطاقة، وخصوصًا في أوروبا.

حرب غزة ومسارات الشحن البحري

ثم تلا ذلك بدء الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة في أكتوبر 2023، والتي اتسعت تداعياتها لتؤثر على مسارات الشحن البحري في البحر الأحمر.

وخلال العام 2023، جاءت الأزمة الماليّة التي أدت إلى تعثر مجموعة من المصارف الغربية، ما أسهم أيضًا بزيادة الطلب على المعادن النفيسة، كبديل عن الودائع والأسهم والسندات التي ارتفعت مخاطرها.

وحتى الربع الأول من العام 2024، ظلت المصارف الغربية مطاردة بالمخاوف والمشاكل، التي تهدد بحصول أزمات مشابهة.

ومن المعلوم أن ارتفاع الفوائد العالمية ساهم بزيادة الضغوط على ميزانيات هذه المصارف، وهذا ما أثّر على ملاءتها وسيولتها.

أخيرًا، اندفعت المصارف المركزية في الكثير من أنحاء العالم إلى اكتناز الذهب كاحتياطي استراتيجي، لتخفيض اعتمادها على الاحتياطات السائلة بالدولار الأمريكي أو اليورو.

فبعد العقوبات الغربية التي تم فرضها على روسيا، والقيود التجارية الأميركية على الشركات الصينية، باتت الكثير من دول العالم تحاول تنويع احتياطاتها، خوفًا من تهديدها بقيود أو عقوبات مماثلة في المستقبل.

تأثير الطلب العربي على الذهب عام 2023

كما أشرنا سابقا، أسهمت العديد من الدول العربيّة في زيادة أسعار الذهب العالميّة خلال الفترة الماضية، من خلال إقبالها على شراء الذهب بكميات مؤثّرة.

ففي العام 2023، أقدمت ليبيا وحدها على شراء 30.01 طنًا من الذهب، ما مثّل عمليّة الشراء الليبيّة الأولى من نوعها منذ العام 1998.

وبذلك، حلّت ليبيا في المرتبة الرابعة عالميًا، في قائمة أكثر الدول شراءً للذهب خلال العام 2023. وبهذه الطريقة زاد المصرف المركزي الليبي نسبة احتياطات الذهب من إجمالي موجوداته إلى 10%، لحماية وادخار هذه الموجودات في ظل الاضطرابات السياسيّة التي تمرّ بها البلاد.

وعلى هذا النحو ، اشترى البنك المركزي العراقي 12.25 طنًا من الذهب خلال العام 2023، وهذا ما وضع العراق في المرتبة السابعة عالميًا، في قائمة أكثر الدول شراءً للذهب خلال تلك السنة.

ومن الواضح أنّ العراق أراد من هذه الخطوة إبعاد جزء من احتياطاته الإستيراتيجيّة، عن القيود التي فرضتها الإدارة الأمريكية على ودائع واستثمارات المصرف المركزي العراقي الموجودة في المصارف والأسواق الأميركيّة.

أما المصرف المركزي القطري، فاشترى خلال العام 2023 نحو 7.44 طنًا من الذهب، لتحل بذلك قطر في المرتبة الثامنة عالميًا، في قائمة الدول الأكثر شراءً للذهب خلال تلك السنة.

وهكذا كانت قطر تدّخر جزءًا من الفوائض النقدية المحققة جراء تنامي الطلب الأوروبي على الغاز المسال، عبر استثمارها في احتياطات الذهب على المدى البعيد.

مع الإشارة إلى أن أوروبا اعتمدت على الغاز القطري المسال بشكل كبير، للتعويض عن نقص إمدادات الغاز الروسي، منذ بدء الحرب في أوكرانيا.

وبشكل عام، اشترت المصارف المركزية العربيّة مجتمعة نحو 54.8 طن من الذهب خلال العام 2023، ما مثّل جزءًا من الطلب العالمي المتنامي على احتياطات الذهب.

غير أنّه من المهم الإشارة إلى أنّ بعض الدول التي لم تظهر في قائمة كبار المشترين خلال العام 2023، تمتلك أساسًا احتياطات تاريخيّة ضخمة من الذهب، كحال السعوديّة ولبنان والجزائر.

إذ تحتل هذه الدول الثلاث المراتب الأولى على مستوى المنطقة العربيّة، من ناحية حجم احتياطات الذهب التي تملكها مصارفها المركزيّة، رغم عدم إقبال هذه الدول على شراء الذهب بشكل كبير عام 2023.

تداعيات ارتفاع أسعار الذهب على المنطقة العربية

من المرتقب أن تترك هذه التطورات تداعيات اقتصادية مؤثرة على دول المنطقة العربيّة، وبأشكال مختلفة.

فعلى سبيل المثال، ارتفعت قيمة الذهب المملوك من قبل المصرف المركزي اللبناني، من 13.9 مليار دولار أميركي عام 2019، إلى أكثر من 20 مليار دولار أميركي في أواخر آذار/مارس 2024، رغم أنّ المصرف لم يقم بأي عملية لشراء الذّهب في هذه الفترة.

فبسبب ارتفاع أسعار الذهب العالميّة، حقّق المصرف المركزي اللبناني زيادة في قيمة احتياطات الذهب الموجودة أصلًا، ما أنتج ربحًا بنسبة 44% من هذه الاحتياطات.

ومن الطبيعي أن تنعكس هذه التطوّرات على شكل تحسّن نسبي في ملاءة المصرف المركزي، الذي يعاني من تبعات الأزمة المصرفيّة المستمرّة حتّى الآن.

غير أنّه من المهم الإشارة إلى أنّ المصرف لا يملك حاليًا قدرة الاستفادة من هذا التحسّن في قيمة الذهب، بسبب وجود تشريع يمنع استخدام الذهب إلا بموافقة المجلس النيابي.

سرقة ذهب السودان

على الجانب الآخر، تشتهر السودان بكونها ثالث أكبر منتج للذهب على مستوى أفريقيا، بفضل مناجمها المنتشرة في مدن الشمال الصحراوي والساحل الشرقي.

وفي الوقت الراهن، يُقدّر إنتاج البلاد السنوي من الذهب بنحو 100 طن سنويًا، لا يذهب منه سوى 30 طنًّا إلى خزينة الدولة، بينما يتم استخراج وتهريب باقي الإنتاج من قبل الميليشيات المسلّحة المحليّة، لمصلحة شركات صينيّة وروسيّة وإماراتيّة.

ولهذا السبب، يخشى كثيرون أن يؤدّي ارتفاع أسعار الذهب العالميّة إلى تزايد أنشطة تهريبه، وإلى ارتفاع الإيرادات غير المشروعة التي تحققها فصائل مثل قوّات الدعم السريع.

كما يُخشى أن يؤدّي ارتفاع أسعار الذهب إلى تزايد التدخلات الأجنبيّة والإقليميّة في الحرب الأهلية السودانية، طمعا بعوائد الاتجار بالذهب وتهريبه.

في المقابل، شهدت مصر خلال الفترة الماضية تزايدًا في عمليّة تهريب الذهب من الخارج إلى الداخل، سواء على شكل سبائك ذهبيّة أو منتجات مصنّعة.

وكان الهدف من هذه العمليّات الاستفادة من ارتفاع أسعار الذهب المستمر، لاعتماده كوسيلة للادخار من قبل المصريين، في ظل الأزمة النقديّة التي تشهدها البلاد.

ومن المعلوم أنّ الطلب القوي على الذهب داخل السوق المصري يرفع سعره محليًا، إلى مستويات أعلى من الأسعار الرائجة عالميًا، ما يشجّع بدوره على أنشطة التهريب غير الشرعيّة.

على مستوى دول الخليج، تبرز الإمارات بوصفها أبرز المستفيدين من ارتفاع أسعار الذهب، بالنظر إلى استيعاب السوق الإماراتي جزءًا كبيرًا من تجارة الذهب الإقليميّة.

مع الإشارة إلى أنّ العديد من التحقيقات الاستقصائيّة ربطت ما بين سوق الذهب في الإمارات، وعمليّات الإتجار غير المشروع بذهب بعض الدول الأفريقيّة، مثل مالي والسودان والكونغو، بحيث يتم تهريب ذهب هذه الدول إلى الإمارات بعيدًا عن سيطرة الحكومات الشرعيّة.

كما أشارت تحقيقات أخرى إلى استخدام تجارة الذهب والماس في الإمارات، كستار لعمليّات تبييض الأموال.

بالنتيجة، تتعدد أشكال التداعيات التي ستطال كل دولة من الدول العربيّة، جرّاء الارتفاع المستمر في أسعار الذهب.

لكن أهم ما في الموضوع، هو ضرورة تعاون هذه الدول، لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمكافحة عمليات الاتجار غير المشروع بهذا المعدن الثمين، وخصوصا تلك التي تقوم على تهريب الذهب بعد استخراجه بطرق غير قانونية.

فبسبب هذا النوع من العمليات، تُحرم شعوب الدول النامية والفقيرة من عوائد ثرواتها الطبيعيّة، لتذهب هذه العوائد إلى الشركات الأجنبية والميليشيات المحلية الخارجة عن القانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى