وفاة الشيخ أبو إسحاق الحويني.. “اخلع نياشينك”.. رحل بجسدٍ فانٍ وعلمٍ باقٍ
وطن – في ليلة من ليالي الحزن، فُجع العالم الإسلامي بنبأ وفاة الشيخ أبو إسحاق الحويني، أحد أعلام الحديث في العصر الحديث، وأحد أبرز الدعاة الذين تركوا بصمتهم في مجال العلوم الشرعية والدعوة الإسلامية. رحل عن عمر ناهز 68 عامًا، بعد رحلة طويلة مع المرض، حيث وافته المنية في أحد مستشفيات قطر التي قصدها للعلاج منذ سنوات، ليترجل عن الدنيا عالمٌ أفنى عمره في خدمة السنة النبوية ونشر العلم الشرعي.
وُلد الشيخ أبو إسحاق الحويني، واسمه الحقيقي حجازي محمد يوسف شريف، عام 1956 في قرية “حوين” بمحافظة كفر الشيخ. ورغم التحاقه بكلية الألسن وتخصصه في اللغة الإسبانية، إلا أن شغفه بالعلوم الشرعية، خاصة الحديث النبوي، كان أقوى من أي تخصص أكاديمي آخر، فكرّس حياته لطلب العلم الشرعي والبحث في علوم الحديث، ليصبح واحدًا من أبرز علماء الحديث في العالم العربي.
تلقى العلم على أيدي كبار العلماء في مصر وخارجها، وتأثر كثيرًا بمنهج الإمام الألباني في علم الحديث، حتى صار يُلقب بـ “الألباني الصغير” نظرًا لإتقانه هذا العلم وحرصه على تصحيح الروايات وتنقيح الأحاديث النبوية. وكان للحويني دور بارز في نشر منهج أهل الحديث بين الشباب والعلماء، محاضرًا وكاتبًا وباحثًا في علوم السنة، مما جعله مرجعًا علميًا كبيرًا لكل من أراد الاستزادة من هذا العلم الشريف.
لم تكن مسيرة الحويني العلمية مفروشة بالورود، فقد تعرض خلال حياته لمعاناة طويلة مع المرض، حيث أصيب بأمراض الكبد والفشل الكلوي، مما جعله يسافر إلى قطر عام 2015 لاستكمال علاجه. وفي فبراير 2024، تعرض الشيخ لجلطة دماغية خطيرة زادت من حدة معاناته الصحية، وسط دعوات متزايدة من محبيه في العالم الإسلامي له بالشفاء، لكن شاءت الأقدار أن تكون هذه المحنة الأخيرة في حياته، ليرحل تاركًا خلفه إرثًا علميًا خالدًا لن يُمحى.
كان الشيخ أبو إسحاق الحويني مثالًا للتواضع والزهد في الدنيا، وكان دائمًا ما يردد عبارته الشهيرة “اخلع نياشينك”، داعيًا بها إلى نبذ التعالي والتفاخر بالعلم أو المناصب، مذكرًا طلابه بأن العلم لا يُطلب للشهرة، بل للانتفاع به ونشره بين الناس. هذه المقولة لم تكن مجرد كلمات، بل كانت نهجًا تربويًا يتبعه مع طلابه ومحبيه، حيث ركّز في خطبه ودروسه على أهمية الإخلاص في طلب العلم، والتواضع في الدعوة إلى الله.
فور إعلان خبر وفاته، ضجت منصات التواصل الاجتماعي برسائل التعزية والمواساة، ونعاه كبار العلماء والدعاة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مشيدين بدوره في نشر العلم الشرعي ودفاعه المستمر عن السنة النبوية. فقد ترك الحويني بصمة واضحة في قلوب الملايين من المسلمين الذين تأثروا بعلمه ودروسه ومحاضراته، التي ستظل حية تتناقلها الأجيال عبر الكتب والمقاطع المرئية والمحاضرات المسجلة.
رغم رحيله، إلا أن علم الشيخ الحويني لن يموت، فقد ترك خلفه كنزًا علميًا هائلًا من المؤلفات والبحوث والدروس الصوتية والمرئية، التي ستظل مرجعًا لطالبي العلم الشرعي في كل زمان ومكان. لقد رحل بجسده، لكنه ترك علمًا خالدًا وأثرًا طيبًا في نفوس محبيه، ليبقى اسمه حاضرًا بين علماء الحديث وروّاد الدعوة الإسلامية.
اليوم، يخلع الشيخ أبو إسحاق الحويني نياشينه، تاركًا الدنيا بجسد راحل، لكنه يظل حيًا بعلمه الذي انتشر في كل بقاع الأرض. فقد كان داعية مخلصًا، عالمًا جليلًا، ومعلمًا صادقًا، لم يبحث يومًا عن منصب أو شهرة، بل كان هدفه إرضاء الله وخدمة الإسلام ونشر السنة النبوية.
رحم الله أبا إسحاق الحويني، وجعل علمه صدقة جارية له في ميزان حسناته، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدّمه للأمة نورًا وهدايةً للأجيال القادمة.
-
-
اقرأ أيضا:
-